“لا يوجد أبد، الأبد ينتهي بعمر الإنسان، ليس هناك أبد مطلق، الجميع سيموتون، ولن يبقى الحاكم حاكما مئة أو مئتي سنة”. بهذه الكلمات أجاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل نحو شهر عن سؤال أحد الشباب في منتدى شباب العالم بمدينة شرم الشيخ.
ويبدو أن إجابة السيسي ليست تصريحات نظرية؛ فالرجل يعمل مع أركان دولته على قدم وساق من أجل تعديل الدستور؛ ليضمن البقاء في السلطة، التي وصل إليها بعد انقلابه في الثالث من يوليو/تموز 2013 على أول رئيس منتخب في تاريخ مصر محمد مرسي.
فقد كشفت مواقع إلكترونية ومصادر برلمانية عدة عن أن النظام المصري اقترب من خطوة تعديل الدستور -الذي لم يمر على إقراره والاستفتاء عليه سوى أربع سنوات فقط- وأن البرلمان سيناقش الموضوع خلال دورة الانعقاد الحالية.
وسبق أن ألمح السيسي إلى عدم رضاه عن الدستور في سبتمبر/أيلول 2015، قائلا “الدستور المصري كُتب بنوايا حسنة، والدول لا تُبنى بالنوايا الحسنة فقط”.
موقع “مدى مصر” (مستقل) نقل عن ثلاثة مصادر مختلفة في كل من رئاسة الجمهورية، وجهاز المخابرات العامة، ومجلس النواب؛ أن اجتماعات شبه يومية تجري حاليًا بين مبنى المخابرات العامة في كوبري القبة وقصر الاتحادية الرئاسي بمصر الجديدة من أجل الاستقرار بشكل نهائي على المواد التي سيتم تعديلها، ونصوص المواد البديلة وموعد الاستفتاء.
ووفقا للمصادر، فإن الحكومة تخطط لإقرار التعديلات الدستورية خلال النصف الأول من العام المقبل، مما يُبقي الرئيس السيسي في موقعه على رأس السلطة التنفيذية وقمة المؤسسة العسكرية لما بعد عام 2022، وهو الموعد المقرر لانتهاء فترته الرئاسية الثانية والأخيرة بحكم الدستور القائم الذي أقسم السيسي على احترامه مرتين لدى توليه الرئاسة في يونيو/حزيران 2014، ثم عند إعادة انتخابه في يونيو/حزيران الماضي.
كما تجمع المصادر نفسها على أن محمود السيسي، نجل الرئيس والذي يحظى حاليًا بوضع مميز داخل جهاز المخابرات العامة، هو مَن يدير بنفسه هذه الاجتماعات، تحت إشراف ومتابعة يومية من مدير الجهاز اللواء عباس كامل، الذي شارك أيضًا في بعض هذه الاجتماعات.
واختتمت المصادر بالتأكيد على أن هناك رغبة لدى النظام في تمرير هذه التعديلات قبل نهاية الدورة الرئاسية الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترامب، والذي يعتبر النظام وجوده هو الضمانة الأولى لتمرير هذه التعديلات خارجيًا دون أزمات.
مباحثات سرية
وإذا كان الجميع في مصر يعلم أن النظام يعد لتعديل الدستور، فلا أحد يعرف على وجه الدقة ما المواد الدستورية التي يريد النظام تعديلها، في ظل حديث عن تعليمات أمنية لوسائل الإعلام ونواب الأغلبية البرلمانية (دعم مصر) بعدم الحديث عن تفاصيل المباحثات بين أجهزة النظام وشخصيات سياسية وقانونية وبرلمانية لاختيار هذه المواد.
ورغم التكتم الرسمي، قالت مصادر سياسية إن الخطة الحكومية تتمثل في أن تتقدّم الأغلبية البرلمانية، مدعومة من الحكومة، بمسودة التعديل في فبراير/شباط المقبل، وأن تكون المطالبة بعودة مجلس الشورى (الغرفة الثانية للبرلمان والملغاة بموجب دستور 2014 الحالي) مدخلاً لإجراء التعديل.
وتحتاج الدولة لمدخل شكلي مقبول مجتمعياً، ويمكن استغلاله في الخطاب الموجّه للخارج أيضاً، لضمان تعديل باقي المواد المراد تعديلها بسرعة، وأهمها ضمان تمديد الفترة الرئاسية الثانية للسيسي -والتي مضى منها ستة شهور فقط- عامين إضافيين على الأقل، لتنتهي في 2024 بدل 2022، وإتاحة الفرصة لإعادة انتخاب السيسي أكثر من مرة.
ومن المتوقع أن تشمل التعديلات تقليص عدد أعضاء مجلس النواب، بحيث لا يزيد على 350 عضوا بدل 596 عضوا حاليًا، بالإضافة إلى تقليص صلاحيات البرلمان في تشكيل الحكومة وسحب الثقة منها ومحاسبة رئيس الجمهورية، وإلغاء المادة 241 الخاصة بالعدالة الانتقالية، والتي تنصّ على التزام مجلس النواب بإصدار قانون للعدالة الانتقالية.
المجلس الأعلى
لكن أخطر ما سربته الصحافة عن مشروع تعديل الدستور، هو مقترح لوضع مادة انتقالية في الدستور تنصّ على إنشاء ما يسمى “المجلس الأعلى لحماية الدستور”، تكون له صلاحيات واسعة في الحفاظ على “هوية الدولة”، وحماية الأمن القومي للبلاد في حال تولي قيادة سياسية جديدة.
وبرر صاحب الاقتراح ذلك بأن سيناريو صعود الرئيس الأسبق محمد مرسي إلى الحكم قد يتكرر، فيأتي رئيس من خارج دولاب الدولة أو برلمان لا يعبر عنها، وهو ما يستدعي وجود جهة “تحمي الدولة”، ولو لعدد محدد من السنوات أو العقود.
ووفقا لمصادر صحفية، فمن المتوقع أن تتضمن المادة المقترحة تعيين عبد الفتاح السيسي رئيسًا لهذا المجلس مدى الحياة، سواء كان في السلطة أو تركها.
تحركات ميدانية
وإلى جانب الاجتماعات التحضيرية للانتهاء من مسودة التعديلات الدستورية، تتحرك الدولة بعدة مسارات للتمهيد للتعديلات داخليا وخارجيا.
أحد هذه المسارات هو إبلاغ الأعضاء السابقين بلجنة صياغة دستور 2014، بأن هناك حاجة ملحة لتعديل بعض مواده، لأن الحرب على الإرهاب لم تنته، وأن هناك تربصًا بمصر، ولا يمكن بحال الاستغناء عن السيسي الآن وسط معركة لم تتحدد نهايتها.
ويتضمن الإبلاغ تحذيرا ضمنيا بأن أي اعتراض من أي من أعضاء اللجنة التي صاغت الدستور السابق سيكون سببًا في تعرّضهم لغضب النظام وإعلامه.
كما تشمل الخطوات الحكومية إطلاق دعوات شعبية لجمع توقيعات تطالب بتعديل الدستور، وظهرت تحركات مماثلة خلال شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب الماضيين في بعض المصالح الحكومية في محافظات الوجه البحري، تدعو للتوقيع الجماعي على استمارات للمطالبة بتعديل الدستور، بما يسمح بإعادة انتخاب السيسي مرة أخرى على الأقل بعد نهاية ولايته الثانية عام 2022، وذلك عبر إلغاء القيد الدستوري على الترشح لولاية رئاسية ثالثة.
صحيفة الغارديان البريطانية نشرت تقريرا الأسبوع الماضي قالت فيه إن الحكومة المصرية تسعى من خلال حملات التوقيع التي يتم تداولها داخل المؤسسات الحكومية للإيحاء بأن التعديلات الدستورية تحظى بدعم شعبي.
ووفقا للغارديان، فإن العريضة جزء من حملة تسمى “الشعب يطالب بتعديل المادة 140″، تدعو إلى تغيير الدستور للسماح للسيسي بالبقاء رئيساً بعد انتهاء فترة ولايته الثانية.
المصدر : الصحافة المصرية,الجزيرة,مواقع إلكترونية