تتعثر جهود التقارب بين روسيا والولايات المتحدة بسبب عدة خلافات دولية وآخر فصولها قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلغاء لقاء كان مرتقبا مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة مجموعة العشرين في الأرجنتين.
رغم وعده خلال الحملة الانتخابية بتحسين العلاقات مع روسيا، إلا أن الرئيس الأميركي اصطدم بعدة قضايا جعلت من الصعب تحقيق تقارب بين البلدين، كما أن التحقيق حول تدخل روسيا في الانتخابات الأميركية يلقي بثقله على أي محاولة توافق مع بوتين. ولهجة ترامب التصالحية حيال روسيا لم تؤد إلا إلى تأجيج معارضة الكونغرس الأميركي لهذه الخطوة.
وصباح الجمعة وصل الرئيس الروسي إلى بوينس آيرس. وقبيل هبوط طائرته في العاصمة الأرجنتينية أبدى الكرملين “أسفه” لقرار الرئيس الأميركي إلغاء اللقاء، معتبرا أن ذلك “يعني أن المحادثات حول قضايا دولية وثنائية خطيرة ستؤجل إلى ما لا نهاية”. وأكد الكرملين أن الرئيس الروسي لا يزال “مستعدا لإجراء اتصالات مع نظيره الأميركي”.
ملفات حساسة
اعتبر المراقبون أنه إذا كانت المواجهة بين روسيا وأوكرانيا السبب الرئيسي لإعلان ترامب إلغاء اللقاء الذي كان من المرتقب عقده السبت في بوينس آيرس، فإن ما قالته وزارة الخارجية الروسية الجمعة يذهب إلى أن موسكو تعتقد أن ترامب ألغى اجتماعه مع بوتين لأسباب داخلية وليس بسبب الوضع في أوكرانيا.
ونقلت وكالة الإعلام الروسية عن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن الرئيس الروسي سيلتقي في الأرجنتين سريعا مع نظيره الأميركي دون جدول أعمال مسبق مثلما سيفعل مع قادة آخرين في قمة مجموعة العشرين.
وتدلّ إدارة الملف الأوكراني على موقف واشنطن المتردد منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض. والاثنين قالت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي بخصوص احتجاز خفر السواحل الروسي ثلاث سفن عسكرية أوكرانية، إن “الولايات المتحدة تؤيد علاقة طبيعية مع روسيا، لكنّ أعمالا غير شرعية مثل هذا العمل تجعل ذلك مستحيلا”.
في فيتنام في نوفمبر 2017 ثم في هلسنكي في يوليو 2018 بدا الرئيس الأميركي وكأنه يرجح كفة النفي الروسي للتدخل أكثر من اتهامات وكالات استخباراته لموسكو
لكن حين التقى بوتين في يوليو في هلسنكي، بقي الرئيس الأميركي متحفظا بشأن هذا الخلاف المتعلق بأوكرانيا الذي كان وراء عدة عقوبات أميركية فرضت على روسيا.
وبالنسبة إلى ملفات أخرى ساخنة في العالم، فإن الرئيسين عبّرا عن رغبتهما في التعاون. بدءا بسوريا عندما تعهدا بذلك في نوفمبر 2017 خلال لقاء مقتضب في فيتنام، حيث وقعا بيانا مشتركا للدفاع عن “حل سياسي” للنزاع السوري.
لكن هذا التوافق المبدئي سرعان ما نسفه ترامب على الأرض حين أمر في أبريل التالي بضربات ضد النظام السوري بتهمة استخدام أسلحة كيميائية. كما أن استخدام عنصر كيميائي ضد عميل روسي مزدوج سابق في إنكلترا نسبه الغرب إلى السلطات الروسية، ساهم في عرقلة التقارب الذي أراده الرئيسان بوتين وترامب.
وقامت واشنطن ردا على ذلك بطرد 60 “جاسوسا” روسيا وتستعد لفرض عقوبات اقتصادية “شديدة جدا”.
التحقيق الروسي
يرى معارضو قطب العقارات السابق أن التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية هو الذي قاده إلى السلطة، وهو ما يحقق فيه المدعي الخاص روبرت مولر. ويحقق مولر أيضا في شبهات حول تواطؤ بين الكرملين وبين فريق حملة ترامب.
ومنذ البداية، فسّرت كل مبادرات الرئيس الأميركي في اتجاه نظيره الروسي على أنها تصب في إطار هذه الشبهات. وباعتراف البيت الأبيض نفسه، فإن تحقيق مولر الذي يعتبر ترامب أنه “حملة مطاردة” ضده يلقي بثقله على العلاقات البلدين.
وتساءل السفير الأميركي السابق في موسكو مايكل ماكفول على تويتر حول ما إذا كان ترامب “ألغى لقاءه مع بوتين خلال قمة العشرين بسبب الهجوم الروسي في أوكرانيا أو بسبب ما كشفه كوهين؟”. فقرار ترامب جاء مباشرة بعد أنباء سيئة للرئيس، إذ أن محاميه السابق مايكل كوهين أقر بأنه كذب أمام الكونغرس حول اتصالات مع الروس بخصوص مشروع عقاري.
إشكالية ترامب
إلى جانب كل ذلك، فإن موقف دونالد ترامب في غالب الأحيان ينتهي به إلى نسف كل محاولات تقارب. ففي فيتنام في نوفمبر 2017 ثم في هلسنكي في يوليو 2018 بدا الرئيس الأميركي وكأنه يرجّح كفة النفي الروسي للتدخل المفترض أكثر من اتهامات وكالات استخباراته لموسكو. وقد أثار هذا الأمر ضجة كبرى في واشنطن واضطر الرئيس إلى التراجع.
وفيما أقر العديد من المسؤولين بأنه سيكون من الجيد اتخاذ موقف حازم حيال روسيا، رأى معظمهم أن ترامب غير قادر على ذلك. وأصبحت قمته مع بوتين في هلسنكي مثيرة للجدل داخليا بعدما عقد مع الرئيس الروسي لقاء مغلقا استمر ساعتين دون وجود أحد باستثناء المترجمين.
وتبدو المهمة أكثر تعقيدا للرئيس الذي يتوجب عليه مراعاة كونغرس يدافع تقليديا عن سياسة حازمة أكثر حيال روسيا، حتى في صفوف حزبه الجمهوري. وقرار ترامب المفاجئ الخميس وبشكل غير معتاد أشاع ارتياحا. ووصف الدبلوماسي السابق نيكولاس بيرنز القرار بأنه “جيد لأنه كان من غير المرجح أن يوجه ترامب رسالة حازمة إلى بوتين”.
العرب