ظهر وئام وهاب، الزعيم الدرزي المقرب من النظام السوري و«حزب الله»، في شريط فيديو قبل أيام قام فيه بالتعريض برئيس الوزراء اللبناني المُغتال رفيق الحريري بطريقة هابطة وبذيئة أقرب لأشكال السباب والشتائم المقذعة التي تجري في الشوارع منها إلى تقديم وجهة نظر سياسية أو شخصية.
تقدّم أنصار الحريري إثر ذلك بشكوى قانونية فردّ أنصار وهاب بعرض مسلّح في منطقة الشوف، وهي معقل رئيسيّ لدروز لبنان، وقطعوا الطرقات وتحدّوا أنصار الزعيم الدرزي الكبير وليد جنبلاط عبر تسيير تظاهراتهم في بلدته المختارة.
اعتبر جنبلاط الأمر تذكيرا بالإنذار الذي وجهه إليه رئيس النظام السوري بشار الأسد خلال آخر لقاء جمعه برفيق الحريري في شهر آب/أغسطس 2004 بقوله: «إذا كان جنبلاط يعتقد أن الدروز معه فهناك دروز معي وبإمكاني أن أكسر الجبل على رأسه».
رفض وهاب الذهاب للاستجواب حول الإهانات المذكورة فحرّكت السلطات قوّة أمنيّة إلى قرية «الجاهلية»، حيث يقيم وهاب لاستدعائه فحصل اشتباك بالأسلحة مع أنصاره وقُتل أحد مرافقيه، الأمر الذي اعتبره وهاب، على طريقته في المبالغة، «حربا أهلية» قبل أن يعود للقول إنه «يعمل على تهدئة الجو»!
حملة وهاب مرتبطة سياسياً بالاستعصاء الجاري في تشكيل الحكومة اللبنانية بعد رفض رئيس الوزراء المكلف، سعد الحريري، تكليف وزراء سنّة محسوبين على «حزب الله»، مطالبا الحزب بتسميتهم لو أراد من حصّته الوزارية وليس فرضهم عليه ليحصلوا على كراس وزارية من حصّة تيار «المستقبل» بحجّة أنهم «مستقلون سنّة».
ورغم حملة الاستنكار والتبرؤ من وهّاب ومستوى الإقذاع الذي وصل إليه، واعتبار أن ما يحصل «أمر عمليّات خارجيّ»، فإن الحقيقة التي يجب أن تقال إن وهّاب ليس السياسيّ اللبناني الوحيد الذي لا يتحرّج في كلامه والذي يخلط بين العامّ والشخصي وليس الوحيد القادر على «اجتراح» بذاءات وإهانات تمسّ الأعراض أو الشعوب والجنسيات والأديان وتنتهك المسلّمات البشريّة العامّة للذوق السليم.
فميشال عون، الرئيس اللبناني نفسه، سبق له عام 2011 أن شبّه طائفة «السنّة» بالحيوانات ما دفع مفتي الجمهورية حينها للطلب منه أن «يطهر لسانه من البذاءات»، وجبران باسيل، صهره ورئيس تيّاره السياسي، ووزير الخارجية، تفاخر مرة بالقول إنه «عنصريّ بلبنانيته»، واستثنى الأم اللبنانية المتزوجة من «بلدان الجوار» (أي من الفلسطينيين والسوريين) من حق تجنيس أبنائها.
وكما يُفلت بعض السياسيين اللبنانيين العنان لألسنتهم فكذلك يفعل «الإعلاميون»، فقد اشتهر شارل أيوب، رئيس تحرير صحيفة «الديار»، بهجماته المكشوفة على السياسيين مستخدما، في وصف باسيل نفسه، تعابير من نوع الصرصار والسارق والجبال، وعلى الدول، معتبرا السعودية، على سبيل المثال، «دولة جمال وخيم»، وكذلك سالم زهران الذي له في هذا الشأن صولات وجولات.
إضافة إلى التدهور الأخلاقي والسياسي الكبير الذي تشير إليه هذه الوقائع فإنها توضّح أيضاً الهلهلة التي آلت إليها منظومة الدولة اللبنانية التي لا تستطيع استجواب سياسيّ أو القبض على مطلوب إذا كان محميّاً من تنظيم يحميه «حزب الله»، ولا تني مؤسساتها القضائية والأمنية والتشريعية تنحني أمام وقائع هذا الاستصغار للدولة باعتبارها حافظة الأمن العامّ والقوّة التي لا تعلوها قوّة أخرى وإلا فقدت معناها.
يستخدم المسلمون تعبير «الجاهليّة» للإشارة إلى زمن عبادة الأصنام وتقاتل القبائل ووأد البنات وغير ذلك من عادات ونظم ومؤسسات، ووقوع هذا الحادث الأخير في بلدة «الجاهليّة» يبعث على التأمل في مقاربة لتشبيه ما يحصل في لبنان عموماً، وليس في «الجاهلية» فحسب، من هبوط تاريخيّ في مستوى الصراع.
القدس العربي