خطفت باريس مدينة النور الأضواء عن باقي مدن فرنسا وأريافها، فبقيت احتجاجات “السترات الصفراء” هناك في الظل، قلّة عرفوا بها أو سمعوا عنها أو شاهدوها، “الجزيرة نت” كانت هناك، ورصدت حراك بعض المدن والقرى الذي التزم في غالبيته بالاحتجاج السلمي.
فعلى السفوح الشمالية لجبال البيرنيه جنوبي فرنسا، شارك الآلاف من أصحاب السترات الصفراء في احتجاجات مناهضة للسياسات الاقتصادية للحكومة الفرنسية، فسيّروا المظاهرات وأقاموا التجمعات على الطرق الرئيسية دون الخروج عن حدود التظاهر السلمي.
الشيء الوحيد الذي كان فيه تجاوز للقانون هو منع سائقي السيارات من دفع رسوم الطرقات، حيث أرغموهم على عبور البوابات دون قطع التذاكر، ولم تقم الشرطة الفرنسية برد فعل حيال ذلك.
ضرائب ورواتب
وعلى مدخل مدينة “تارب” عاصمة البيرنيه الأعلى، تجمع العشرات بستراتهم الصفراء، يوزعون منشورات تدعو للمشاركة في المظاهرات الاحتجاجية، وتدعو للامتناع عن دفع رسم استخدام الطرقات الدولية للضغط على حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون، وقد كان أول مطالب السترات الصفراء تخفيض هذه الرسوم.
“جاك” موظف متقاعد عبّر عن استيائه من الضرائب الحكومية المتصاعدة بحق ذوي الدخل المحدود والمتقاعدين، وأكد أنه مستمر مع زملائه في التظاهر حتى الاستجابة لمطالبهم برفع رواتب المتقاعدين، وتخفيض الضرائب على استخدام الطرق، واستهلاك الوقود.
ويقول المتقاعد الفرنسي في حديث للجزيرة نت “منذ تولى ماكرون الرئاسة بفرنسا والقدرة الشرائية للمواطن الفرنسي تتراجع حتى لم يعد راتبه يسد احتياجاته الشهرية، لقد عمل الرئيس مع حكومته على تعزيز رصيد الأثرياء، وزيادة الضغط على الفقراء، لن نتراجع حتى تحقيق العدالة”.
المظاهرات التي شهدتها مدينة تارب أمس السبت كانت واسعة، وهي التي بدأت قبل أربعة أسابيع مترافقة مع الحراك العام “للسترات الصفراء”، وشارك في مظاهرات تارب نشطاء من الجبال، جابوا شوارع المدينة وتجمعوا في ساحتها الرئيسية “فردان”، حيث صبغوا مياه نافورة الساحة بالأصفر، وتناولوا طعام الغذاء في المطاعم القريبة جنبا إلى جنب مع الشرطة، وتبادلوا الأحاديث عن الأوضاع الحالية ومآلاتها.
أقصى اليمين واليسار
من المعلوم أن أصحاب السترات الصفراء تحركوا دون قيادة أو توجيه من أي طرف سياسي، غير أن بعض الأحزاب شاركت بشكل علني فيها بغاية استثمارها سياسيا وتوسيع قاعدتها الشعبية، وكان واضحا مشاركة أفراد من أحزاب أقصى اليمين وأقصى اليسار، الذين حملوا لافتات تعبّر عن توجهاتهم وتؤيد مطالب السترات الصفراء.
ووصفت ميشيل، وهي عضوة في حركة “فرنسا المتمردة” من أقصى اليسار، مشاركة حركتها في التحرك السلمي بأنها واجب، لا سيما وأن العدالة الاقتصادية والاجتماعية من جوهر فكر “فرنسا المتمردة”.
وفيما إذا كانت للحركة أهداف أخرى من هذه المشاركة، أوضحت ميشيل أن السعي للتوسع وتحقيق مكاسب للحزب حق طبيعي، “ونحن نتفق مع مطالب أصحاب السترات الصفراء، وسنعمل على رفع سقف مطالبهم وصولا لإسقاط حكومة الأغنياء، والدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة”.
ونفت المتحدثة كل ما يتردد عن قيام شباب من اليسار المتطرف بأعمال شغب قائلة “ها أنت ترى بعينيك، هل فعلنا مثل هذا الشيء؟”.
يذكر أن عشرات المدن الصغيرة والقرى في الجنوب الفرنسي تشارك أسبوعيا في احتجاجات السترات الصفراء، لكنها لا تحظى بتغطية إعلامية وافية، ويقتصر ذلك على الإعلام المحلي، وقد قطعت الشرطة الفرنسية أمس السبت طرقات عدة لمنع تجمع المحتجين في مكان واحد.