تستعد محافظة البصرة (جنوبي العراق) لاستقبال احتفالات أعياد الميلاد، بعد أن امتلأت أسواقها المحلية بمختلف السلع والمستلزمات الخاصة بإحياء هذه المناسبة، التي فقدت بهجتها الحقيقية مع غياب المكون المسيحي عن حياة المدينة.
يعود تاريخ وجود المسيحيين في مدن جنوب العراق إلى منتصف القرن الثاني الميلادي، حسب ما تشير إليه المصادر التاريخية، وشكل وجودهم دورا رياديا في نهضة المجتمع وتوازنه، بحسب الناشط في الدفاع عن حقوق الإنسان جواد المريوش.
خلل في التوازن
ويضيف المريوش للجزيرة نت أن “المسيحيين كانوا يمثلون عنصرا فاعلا من عناصر العائلة البصرية، ولهم مساهمتهم في نهضة المجتمع، خاصة في الحياة العلمية، وكذلك في الارتقاء بالواقع الثقافي والأدبي والذوق الفني، حيث تجد لمساتهم موجودة في الشارع البصري أينما ذهبت”.
ويرى المريوش أن غياب هذا المكون يمثل خللا واضحا في ميزان الحياة الاجتماعية، وأدى إلى فقدان “الجمال والرشاقة والأناقة” في المجتمع البصري بعد غياب أجمل ما في وجه العائلة البصرية نتيجة الإفرازات السلبية ومشانق الأفكار الحرة التي نصبت في الوقت الحاضر، وأسهمت في هجرتهم، كما يذكر.
وتراجع أعداد المسيحيين في البصرة بشكل كبير منذ الغزو الأميركي على العراق عام 2003، وما رافقه من انفلات أمني، مما اضطر الكثير منهم إلى الهجرة.
ورغم عدم توفر أرقام دقيقة لإعداد المسيحيين الموجودين في المدينة، تشير التقارير إلى أنه من أصل 2500 عائلة من طائفة المسيح الكلدان لم يبق منهم سوى 170 عائلة في البصرة.
ويعتقد عضو مجلس محافظة البصرة عن المكون المسيحي، نوفاك إرام بطرسيان أن “لغة الأرقام في وجود المكونات لا تعني شيئا، خاصة أن هذه المكونات ما زالت قائمة وتحافظ على وجودها”.
هجرة مؤجلة
وقال إن “هناك حرصا عشائريا ودينيا وحكوميا على وجود وبقاء المكون المسيحي ليبقى مكونا أصيلا وثابت في المدينة”.
وبينما يشير بطرسيان إلى أن “دواعي الهجرة تكاد خلال هذه الفترة أن تكون غير منظورة، خاصة مع استقرار الأوضاع الأمنية، مما دفع الكثير من العائلات المسيحية إلى إعادة النظر في هجرتها أو في إلغاء هذه الفكرة”؛ يرى أن “التأثير النفسي على تلك العائلات لا زال باقيا، وهو ما يتطلب أن تبادر الجهات الحكومية إلى معالجة هذا التأثير السلبي الذي رافق هذا الفرد المسيحي نتيجة الأوضاع التي مر بها”.
وتضم محافظة البصرة 16 كنيسة لمختلف الطوائف المسيحية، منها سبع كنائس فقط تمارس طقوسها الدينية بشكل طبيعي، في حين أغلقت باقي الكنائس أبوابها لأسباب تتعلق بصيانتها، أو لعدم وجود عدد كاف من أتباعها لإقامة قداسها.
استعدادات واطمئنان
ويجد عمار متي (أحد أبناء الديانة المسيحية) أن الحياة الاجتماعية في البصرة وتآلف أطيافها حفّزاه على العودة إلى مدينته بعد اضطراره إلى النزوح مع عائلته إلى إقليم كردستان قبل خمس سنوات.
وأضاف “حاليا أمارس عملي في معرض لبيع الأجهزة الإلكترونية، ولم ألمس مضايقات أو تهديدات، لكن في الوقت نفسه أفتقد أشقائي وأقربائي الذين هاجروا إلى أوروبا ولا يفكرون في العودة”.
وفي حين يواصل عمار تحضيراته للاحتفال بأعياد الميلاد المجيد، الذي يعتبره متميزا هذا العام عن السنوات التي سبقته، من خلال استعداد الجميع للاحتفال بهذه المناسبة، تشهد الأسواق المحلية نشاطا كبيرا في عرض مختلف البضائع التي يقبل عليها الناس في أعياد الميلاد، خاصة شجرة عيد الميلاد وملابس بابا نويل، فضلا عن تنظيم حفلات غنائية في المدينة احتفاء بهذه المناسبة.