هل يدخل الاقتصاد الأمريكي مرحلة تقلبات العام المقبل؟

هل يدخل الاقتصاد الأمريكي مرحلة تقلبات العام المقبل؟

هل ستحمل سنة 2019 ملامح مرحلة تقلبات لأكبر اقتصاد في العالم بعد تحقيق نجاح بارز؟ في ما يلي نظرة سريعة على وضع الاقتصاد الأمريكي الذي يبدو الآن في أفضل حال.
*من المتوقع ان يستقر النمو على نحو 3% في العام 2018، وهو أفضل أداء منذ الأزمة المالية قبل عشر سنوات، بفضل خفض الضرائب الكبير الذي أدخله الرئيس دونالد ترامب. وتشهد البلاد ازدهارا في قطاع الوظائف مع نسبة بطالة تقل عن 4% فيما الأسعار تبدو معقولة.
لكن هذا الاقتصاد، الذي لا يعتبر لا متينا جدا ولا ضعيفا جدا، بدأت تظهر عليه علامات الضعف فيما تحل سنة 2019 مع الكثير من الشكوك.
فالتجارة مع الصين التي تشهد تباطؤا مع نمو يبلغ فقط 6,26.2% السنة المقبلة حسب «صندوق النقط الدولي»، والهزات التي يحدثها «بريكسِت» على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، واحتجاجات حركة «السترات الصفراء» في فرنسا، والوضع في ايطاليا، كلها عوامل تشكل جرس إنذار يمكن أن يدل على نهاية الحقبة الذهبية.
*ترامب والحرب التجارية: النزاعات التجارية التي أطلقها ترامب في كل الاتجاهات فور وصوله الى البيت الابيض تنطوي على مخاطر فعلية على النمو الأمريكي، مع تأثير أيضا في العالم. فقد أعلن «صندوق النقد الدولي» في الآونة الأخيرة أن إجمالي الناتج الداخلي العالمي يمكن ان يتراجع بنسبة 0.75% بسبب تزايد التوترات التجارية.
وأطلقت واشنطن الحرب التجارية منذ أشهر مع فرض رسوم تقول أنها تهدف إلى إحداث توازن في الميزان التجاري مع بكين، وخصوصا لتغيير ممارسات الصين المتهمة بسرقة براءات الاختراع ونقل التكنولوجيا بالقوة والتجسس الصناعي.
والهدنة المعلنة لمدة 90 يوما بين بكين وواشنطن لا تقنع كثيرا وأثرها على الاقتصاد غير ملموس لغاية الآن.
وقال جويل ناروف الخبير الاقتصادي المستقل ان «المعركة التجارية لا تزيد شيئا على النمو، في الوقت الراهن ومن غير الأكيد ان تقوم بذلك على المدى الطويل».
وأضاف «بالطبع، الصينيون يسعون الى تنويع قنوات الامدادات للحد من اعتمادهم على الولايات المتحدة وفتح أسواق أخرى لمنتجاتهم». والأثر السلبي يمكن أن يكون دائما بالتالي على الولايات المتحدة.
وعلى الأرض، ينعكس ذلك عبر مخاوف حقيقية، حيث عبرت شركة أمريكية مثل «ميد-سورس-لابس» التي تتعامل مع الصين لصنع معدات طبية عن قلقها، قائلة أن «الارتياب بدأ يظهر على علاقاتنا يوما بعد يوم مع مزودينا الصينيين»، كما قال مديرها العام تود فاغلي في مقابلة أمس الأول.
وقال جايك كولفن، نائب رئيس «المجلس الوطني للتجارة الخارجية»، لوبي المصدرين الأمريكيين «خشيتنا هي أن يكون العلاج أسوأ من المرض».
وسبق أن حذرت شركات مثل «فورد» و»جنرال موتورز» للسيارات من أن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على واردات الصُلب والالمنيوم ستكلف مليار دولار على الأقل هذه السنة في وقت يبدو فيه أن دورة مبيعات السيارات قد بلغت ذروتها.
كما تضرر المزارعون في ولايات وسط غرب البلاد أيضا بشدة، وهم مضطرون لخفض الأسعار أو تخزين محاصيلهم من الصويا خصوصا، والتي قبل الازمة كانت تباع في الصين.
*تباطؤ النمو: يراهن الخبراء على تباطؤ النمو السنة المقبلة. فقد توقع قسم الأبحاث غي بنك «غولدمان ساكس» الاستثماري الأمريكي العملاق نموا بنسبة 2.5% مماثلا لما توقعه البنك المركزي في الوقت الراهن. أما «أوكسفورد إيكونوميكس»الاستشارية فلا تراهن سوى على 2% في نهاية 2019.
ولا تزال إدارة ترامب تراهن على وتيرة مماثلة للوتيرة الحالية او أعلى تصل الى 3%.
*عالميا: لا يمكن للاقتصاد الأمريكي أن يبقى محصنا في مواجهة ضعف النمو العالمي وهو ما أعلنه «صندوق النقد الدولي».
وحتى جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأمريكي) بدأ في نهاية الشهر الماضي في القاء الشكوك حول وضع الاقتصاد ووتيرة تضخم القروض.
وينتظر أن يعلن الاحتياطي الفدرالي في التاسع عشر من الشهر الحالي زيادة طفيفة لأسعار الفائدة.
وتبدو السوق العقارية الأمريكية مهتزة أيضا تحت تأثير ثماني عمليات رفع لأسعار الفائدة منذ نهاية 2015، ما رفع كلفة القروض العقارية الى نحو 5%، وهي نسبة لم تشهدها الولايات المتحدة منذ عشر سنوات.
أما معنويات المستهلكين (70% من الاقتصاد الأمريكي) فتبدو مرتفعة لكنها تواجه تراجعا في بورصة وول ستريت حيث أدى هبوط مؤشر داو جونز الى تبديد مكاسب السنة خلال بضعة أسابيع. كما ان الديون الثقيلة للشركات لكن أيضا العجز الفدرالي تعتبر أيضا عوامل خطر.
غير ان كريستين لاغارد، مديرة «صندوق النقد الدولي»، اعتبرت في الآونة الاخيرة انه ليس هناك «عناصر انكماش على المدى القصير».