في الأسبوع الماضي، هدّد الرئيس الإيراني حسن روحاني بأنه إذا منعت الولايات المتحدة صادرات النفط الإيرانية، فـ “لن يتم تصدير أي نفط من الخليج العربي”. وقد لا يكون ذلك أكثر من كلامٍ فارغ، لكن مع تزايد التوترات حول إعادة فرض العقوبات الأمريكية وتنامي الأنشطة الإيرانية الخبيثة حول العالَم – كـ مؤامرات الاغتيال في أوروبا، وإثارة عدم الاستقرار في المنطقة، وتجارب الصواريخ البالستية، وأكثر من ذلك – لا يمكن تجاهل التهديدات الإيرانية ضد البلدان الخليجية المجاورة.
وفي الواقع، يمكن القول بأن الأسبوع الثاني من كانون الأول/ديسمبر صادف الذكرى غير السارّة لمرور ثلاثة عقود ونصف على الحرب الإرهابية الإيرانية بالوكالة في المنطقة. فمنذ خمسةٍ وثلاثين عاماً، في 12 كانون الأوّل/ديسمبر 1983، أرسلت إيران وكلاء إرهابيين من الشيعة اللبنانيين والعراقيين لتنفيذ مجموعة من التفجيرات المنسَّقة على مدى ساعتيْن. واستهدفت الهجمات مصالح غربية في الكويت، شملت السفارتين الأمريكية والفرنسية، ومطار الكويت، وموقعاً قرب أراضي شركة “رايثيون”، ومنصة نفط لـ”شركة البترول الوطنية الكويتية”، ومحطة لتوليد الكهرباء مملوكة للحكومة. وقد تم إحباط الهجوم السابع خارج مكتب للبريد. وأودت تلك الهجمات بحياة ستة أشخاص وتسببت في إصابة ما يقرب من 87 شخصاً بجروح.
وقد أخذت التفجيرات المسؤولين الكويتيين على حين غرة، إلا أنه كان من الممكن أن يكون الضرر أسوأ بكثير – ربما أسوأ من ذلك الذي حصل في تفجيرات بيروت – لو تم ربط القنابل بالأسلاك بشكل صحيح. فعلى ما يبدو، أدّت الأعمال الهندسية المعيبة إلى منع انفجار ثلاثة أرباع المتفجرات التي زُرعت في مجمّع السفارة الأمريكية، مما أنقذ العديد من الأرواح. كما أن التخطيط السيئ حد من القدرة التدميرية للهجمات: فقد كانت هناك حافلة تحمل مائتي أسطوانة غاز معدّة للانفجار في موقع “شركة البترول الوطنية”، إلا أنها انفجرت على بُعد 150 ياردة (حوالي 137 متر) من مصفاة نفط وعلى بُعد بضعة ياردات (عدة أمتار) فقط من كومة من المواد الكيميائية القابلة للاشتعال. وعلّق البعض بأنه لو كانت الحافلة في موقعٍ أفضل ربما كان قد اشتعل حقل النفط لعدة أشهر. ولو تم تخطيط العمليات بمهارة أكبر، ربما كانت ستؤدي أيضاً إلى تدمير محطة تحلية المياه الرئيسية في الكويت، الواقعة ضمن المنشآت.
وعلى مدى السنوات القليلة التالية، استمرّت إيران في إرسال عملاء من «حزب الله» اللبناني و”حزب الدعوة” العراقي ومجموعة متنوعة من المقاتلين الشيعة المحلّيين من الكويت والبحرين والسعودية من أجل تنفيذ هجمات بالنيابة عن طهران في جميع أنحاء المنطقة. وبدءً من عام 1985، أشارت “وكالة الاستخبارات المركزية” الأمريكية إلى أن “إيران تستخدم عموماً جماعات شيعية لبنانية أو عراقية متطرّفة في عمليّاتها الإرهابية”. وبعد أكثر من ثلاثة عقود، أتقنت إيران استخدام ما تصفه الآن بـ”جيش التحرير الشيعي”، تحت قيادة «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي»، لزعزعة الاستقرار الإقليمي وتوسيع السلطة الإيرانية خارج حدود الجمهورية الإسلامية.
وتمت إدانة وسجن 17 عميلاً في الكويت لدورهم في مؤامرات كانون الأول/ديسمبر 1983، من بينهم ثلاثة عملاء لبنانيين من «حزب الله». وكان أحدهم ابن عم زعيم «حزب الله» حسين الموسوي، بينما كان آخر مصطفى بدر الدين صهر الرأس المدبّر الإرهابي في «حزب الله» عماد مغنيّة وابن عمّه. وأدّى سجنهم إلى وقوع المزيد من المؤامرات الإرهابية في جميع أنحاء العالم كانت تهدف، على الأقل جزئيّاً، إلى تأمين حريتهم.
على سبيل المثال، في 3 كانون الأوّل/ديسمبر 1984، اختطف عملاء «حزب الله» طائرة تابعة لـ “الخطوط الجوية الكويتية” في الرحلة رقم 221، وقتلوا أمريكييْن، وطالبوا بتحرير ما يُدعى بمجموعة «الكويت 17». وفي نيسان/أبريل 1988، اختطف عملاء «حزب الله» طائرة “الخطوط الجوية الكويتية” في الرحلة رقم 422 ، مما أسفر عن مقتل مواطن كويتي، وطالب العملاء ثانية بالإفراج عن مجموعة «الكويت 17».
إلا أن المؤامرة الأكثر وقاحة وقعت في أيار/مايو 1985، عندما صدمت سيّارة مليئة بالمتفجّرات الموكب الملكي لأمير الكويت، مما أدّى إلى مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة 12 آخرين، من بينهم الأمير، الذي عانى من جروح طفيفة. وحذّر متّصل مجهول الهوية بالنيابة عن “منظمة الجهاد الإسلامي” التابعة لـ «حزب الله» قائلاً: “نأمل أن يكون الأمير قد تلقّى رسالتنا؛ نطالب مرّة أخرى بالإفراج عن أولئك المحتجزين وإلّا ستهتز كافة عروش الخليج”. وقبل عشرة أيام فقط من ذلك التاريخ، أصدر «حزب الله» تحذيراً آخر إلى الولايات المتحدة وفرنسا والكويت طالب فيه بالإفراج عن مجموعة «الكويت 17». وتم احتجاز رهائن أمريكيين وفرنسيين لإرغام واشنطن وباريس على الضغط على الكويت للإفراج عن الإرهابيين السبعة عشر المسجونين، وفقاً لرسالة قصيرة رافقت صور أربع رهائن أمريكيين ورهينتيْن فرنسيتين. وهدّدت الرسالة بوقوع “كارثة مروّعة” على الرهائن إذا لم يتم الإفراج عن مجموعة «الكويت 17». وأخبر متّصل مجهول الهوية إحدى وكالات الأنباء الفرنسية أن “على الحكومة الأمريكية أن تكون بانتظار أكبر عملية عسكرية شهدتها على الإطلاق”، مضيفاً، “نحن نقوم بإعداد هذه المفاجأة منذ فترة طويلة”. كما هدّد المتّصل باستهداف دبلوماسيين كويتيين في جميع أنحاء العالَم. وقام وكلاء إيران بتنفيذ ضربتهم بعد عشرة أيام، لكن بدلاً من استهداف مصالح أمريكية أو فرنسية، أو دبلوماسيين كويتيين، أوشكوا على اغتيال أمير الكويت في محيط سكنه الخاص. ونفّذت المؤامرة مرة أخرى مجموعة من عملاء «حزب الله» اللبناني و”حزب الدعوة” العراقي.
وفي تلك الهجمات وغيرها من الاعتداءات، وضع العملاء اللبنانيون والعراقيون أنفسهم بوضوح في خدمة إيران. وفي عام 1986، جاء في تقييم “وكالة الاستخبارات المركزية” في تقريرٍ رُفعت عنه السرية الآن بأنه، في الوقت الذي كان فيه دعم إيران للإرهاب يهدف إلى تعزيز مصالحها القومية، بما فيها ثني الكويت عن دعم العراق عسكريّاً في الحرب بين إيران والعراق، إلّا أن ذلك الدعم نشأ أيضاً من وجهة نظر النظام الديني “كواجب ديني مُلقى على عاتق النظام يتمثّل في تصدير ثورته الإسلامية، وشنّ صراعٍ مستمر، بأي وسيلة من الوسائل، ضد الدول التي يراها مستبدة”.
وفي تقريرٍ في شباط/فبراير عام 1988، أشارت “وكالة الاستخبارات المركزية” إلى ازدياد تورّط إيران في الإرهاب الدولي في عام 1987، وشمل ذلك مؤامرات إرهابية خارج حدود لبنان في أوروبا والخليج. وبالنسبة للكويت، شملت تلك المؤامرات القيام بتفجيرات استهدفت منشآت نفطية كويتية في كانون الثاني/يناير ونيسان/أبريل وأيّار/مايو. وفي تموز/يوليو، قُتل أخوان كويتيان خضعا لتدريبات على الأعمال التخريبية في إيران عندما انفجرت القنبلة التي كانا يضعانها أمام مبنى مكتب تذاكر “الخطوط الجوية الفرنسية” قبل أوانها. ومع اقتراب نهاية ذلك العام، نفّذ عملاء إيرانيون بالوكالة حرائق متعمَّدة وهجمات بالقنابل في “جامعة الكويت”، ومكتب تذاكر “خطوط بان أمريكان”، ووزارة الداخلية، ومكتب شركة تأمين تملكها الولايات المتحدة. ووفقاً لـ تقييم التقرير، “يرى القادة الإيرانيون أن الإرهاب أداة هامة في السياسة الخارجية، وكانوا على استعداد لاستخدامه في عام 1987 لإحراز تقدّم في تعزيز أهدافهم القومية وتصدير المُثل الثورية الإسلامية للنظام”. وفي وصفٍ لما قامت به إيران في عام 1987 وربما لما تخطط القيام به مجدداً اليوم، أشار التقرير إلى أن “طهران استخدمت تهديد الإرهاب، بالإضافة إلى الهجمات على السفن الخليجية من أجل تثبيط عزيمة الكويت ودول الخليج العربي المعتدلة الأخرى عن دعم الجهد الذي تبذله الولايات المتحدة لتغيير أعلام السفن”.
وحتى في ثمانينيات القرن الماضي، أدركت إيران فائدة وجود قوات شيعية غير إيرانية تحت تصرّفها لتنفيذ هجمات تؤمّن لطهران قدراً من الإنكار المنطقي. وقد سبق أن أدركت طهران، أن إيران والمقاتلين الشيعة المتحالفين معها يمكن أن يحققوا معاً انتصارات متباينة على أعداء أكبر وأكثر قوة. وفي أوائل عام 1988، قدّرت “وكالة الاستخبارات المركزية” أنه “من وجهة النظر الإيرانية، أرغمت طهران وحلفاؤها الشيعة القوات العسكرية الأمريكية بالانسحاب من لبنان، مما أهان الولايات المتحدة وأثار تساؤلات حول فكرة إمكانية استخدام واشنطن لقواتها العسكرية للتأثير على التطورات السياسية في الشرق الأوسط”. وقارن القادة الإيرانيون بين ما حققته إيران وحلفاؤها الشيعة المقاتلين – أي تفجيرات السفارة الأمريكية وثكنات المارينز في بيروت عامي 1983 و1984 – وبين ما كان من الممكن أن يفعلوه حينها، في عام 1987، لعرقلة خطط الولايات المتحدة لحماية ناقلات النفط الكويتية في الخليج.
وتوجد عدة أسباب تدعو للقلق من إمكانية إجراء إيران حسابات مماثلة اليوم، ومن أن يكون تهديد روحاني بإغلاق مضيق هرمز أكثر من مجرّد توعُّد. فهناك تأثير كبير للعقوبات التي أعادت الولايات المتحدة فرضها، حتى من دون تعاون أوروبي كامل. ويبدو أن أوروبا مستعدة للنظر في فرض المزيد من العقوبات في أعقاب مؤامرات الاغتيال الإيرانية في أوروبا والتصعيد في اختبار الصواريخ البالستية الإيرانية في انتهاك للقرارات الأمنية الحالية للأمم المتحدة. وإذا شعرت إيران بأنها محاصرة، قد تقوم بعمليات هجومية. وقد تملك الوسائل للقيام بذلك من خلال حلفائها – سواء كان ذلك يعني شن هجمات صاروخية ضد إسرائيل من قبل «حماس» و«حزب الله»، أو هجمات على قوات التحالف في العراق، أو هجمات تستهدف دول الخليج. وفي الواقع، اكتسب بعض الأشخاص الذين يقودون قوات الوكالة الإيرانية الأكثر قدرة اليوم خبرتهم الأولى في عمليات الكويت في الثمانينيات. ويمكن الأخذ في الاعتبار بعض الأشخاص مثل القائديْن اللبنانييْن في «حزب الله» فؤاد شكر وطلال حمية، اللذين أدّيا أدواراً رئيسية في هجمات «حزب الله» في الثمانينات، وهما اليوم من كبار قادة العمليات. وربما لا ينبغي أن نفاجأ بأن «حزب الله» تحت قيادتهما، لم ينشر نشطاء إرهابيين في جميع أنحاء العالم فحسب، بل احتفظ أيضاً بمخابئ كبيرة للأسلحة في بلدان كنيجيريا والكويت.
لكنّ المثال الأبرز يشمل جمال جعفر محمد علي، المعروف باسم أبو مهدي المهندس، أحد العملاء الذين أُدين غيابيّاً لدوره في تفجيرات الكويت عام 1983 والمؤامرة لاغتيال أمير الكويت عام 1985. ففي ذلك الوقت، كان المهندس عميلاً عراقيّاً شابّاً في “حزب الدعوة” عمِل يداً بيد مع عملاء لبنانيين من «حزب الله». ومضى المهندس ليصبح قائداً لـ “فيلق بدر” – الجناح المقاتل في “المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق”. وكرئيسٍ لـ”فيلق بدر”، عمِل المهندس مباشرةً مع «فيلق القدس»، وأصبح مواطناً إيرانيّاً، وعمل مستشاراً رفيع المستوى لقائد «فيلق القدس» اللواء قاسم سليماني. واليوم، يقود المهندس «كتائب حزب الله» – أكثر الجماعات المسلحة الشيعية العراقية تطرفاً، وجزءاً رئيسياً من شبكة إيران المؤلّفة من الحلفاء المقاتلين الشيعة.
وفي عام 1986، قدّرت “وكالة الاستخبارات المركزية” أن “تصدير الثورة هو عقيدة جوهرية للنظام الديني في إيران، والإرهاب هو أداة أساسية لدعم هذا الهدف”. وحتى بعد كل هذه السنوات، لا يزال تصدير الثورة يشكل التوجيه الرئيسي لـ «فيلق القدس» وحلفائه المقاتلين الشيعة. وفي عام 2016، أوضح القائد المتقاعد في «الحرس الثوري» الإيراني” العميد محمد علي فلكي أن القوات الإيرانية بالوكالة – من العراق ولبنان وأفغانستان وباكستان وغيرها – تشكّل معاً “جيش تحرير شيعي قائده هو [زعيم «فيلق القدس»] الحاج قاسم سليماني”. وأضاف، “قد يقود الإيرانيون بعضاً من هذه الوحدات، لكن ليس المقصود من القوات الإيرانية أن تشمل كل هذا الجيش”.
واليوم، تؤمّن إيران الأسلحة والتدريب والتمويل والدعم الاستخباراتي للعناصر التي تؤلّف “جيش التحرير الشيعي” موضع البحث. وتُعرَض في حظيرة للطائرات في “قاعدة أناكوستيا-بولينغ المشتركة” في العاصمة الأمريكية واشنطن مجموعة من الأسلحة الإيرانية – من الأسلحة الصغيرة والقنابل اليدوية إلى الصواريخ البالستية القصيرة المدى، والصواريخ الأرض-جو، والصواريخ الموجّهة المضادة للدبابات، والطائرات بدون طيّار – التي زوّدت بها إيران وكلاءها في أفغانستان والبحرين واليمن.
ومن بين أنظمة الأسلحة الأخرى المعروضة في ما يُعرف بـ “معرض المواد الإيرانية” مركباتٌ جوية غير مأهولة قادرة على نقل حمولات متفجّرة وقارب “شارك-33” يمكن التحكّم به عن بُعد من النوع الذي تمت تعبئته بالمتفجّرات واستهدف الفرقاطة السعودية “المدينة”HMS al-Madinah في كانون الثاني/يناير 2017. وجَمَع التقنيون 90 مجموعة من إحداثيات “نظام التموضع العالمي” من نظام الحاسوب للتحكّم عن بُعد الخاص بالقارب، تشمل مواقع في البحر الأحمر واليمن ومضيق هرمز وإيران. وتعود إحداثيات واحد من موقعيْن في طهران إلى “منظمة الجهاد للاكتفاء الذاتي” المسؤولة من بين أمورٍ أخرى عن البحث والتطوير المتعلّقيْن بالصواريخ البالستية الإيرانية. وفي الواقع، تُظهِر الصور التي وُجِدَت على نظام التوجيه الحاسوبي الخاص بالقارب “شارك-33” احتمال الإنتاج أو التركيب أو الاختبار لما لا يقل عن سبعة حواسيب مشابهة إضافية في هذه المنشأة التابعة لـ «الحرس الثوري» الإيراني في شرق طهران. وفي إحدى الصور، يمكن رؤية قبّعة لـ «الحرس الثوري» على أحد الصناديق. ويبدو أن إيران تعمل بنشاط على إنتاج أنظمة أسلحة وتزويدها إلى وكلائها، تهدف على وجه التحديد إلى تهديد حرية الملاحة – مما يفسّر سبب أخذ المسؤولين بجدية تهديدات الرئيس الإيراني بمنع تصدير النفط عبر مضيق هرمز.
إن هذا الدليل الجديد على انتشار الصواريخ الإيرانية هو إقرار قاطع، ويشكّل إثباتاً على الانتهاكات الواضحة للعديد من قرارات مجلس الأمن الدولي التي تحظر على إيران تصدير الأسلحة. ولكن ذلك ليس سوى أحدث مظاهر الدعم الإيراني للأنشطة الإرهابية التي تستهدف الدول المجاورة في الخليج وخارجه – وهو أمرٌ تعود جذوره إلى الأحداث التي وقعت في الكويت قبل 35 عاماً.
معهد واشنطن