العملية التركية شرق الفرات قد تعيد صياغة المنطقة

العملية التركية شرق الفرات قد تعيد صياغة المنطقة

قال كاتب تركي إن إنشاء “دويلة” -تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية في شمال شرقي سوريا- يمثل كابوسا أمنيا لأنقرة ولسياستها الخارجية.

وتساءل يوسف إيريم الصحفي بمؤسسة الإذاعة والتلفزيون التركية (تي آر تي) -في مقال بموقع ميدل إيست آي الإلكتروني- عما إذا كان الأتراك مذعورين من قيام تلك الدويلة أم أن ثمة سببا يدعوهم للقلق.

الفراغ السياسي
ويرى إيريم أن الفراغ السياسي عادة ما يخلق ظروفا مثالية لنمو وازدهار أطراف فاعلة غير تابعة لأي دولة. ولعل الظروف السائدة بسوريا اليوم تعيد إلى الذاكرة ما حدث بشمال العراق أواخر التسعينيات ومطلع القرن الحالي عندما تم الاعتراف بالحكم الذاتي لإقليم كردستان عام 2005.

ويمكن للمرء أن يعقد مقارنة بين منطقة الحظر الجوي بشمال العراق عام 1991 -التي كرست وجود قوات البشمركة الكردية بالمنطقة- وخط منع نشوب النزاعات المتفق عليه على نهر الفرات بشمال شرق سوريا والذي منح وحدات حماية الشعب فرصة لحط الرحال.


الفراغ السياسي يخلق ظروفا لازدهار أطراف فاعلة غير تابعة. ولعل ظروف سوريا السائدة تذكر بما حدث شمال العراق أواخر التسعينيات ومطلع القرن الحالي عندما اعتُرف بالحكم الذاتي لإقليم كردستان عام 2005

وأشار الكاتب إلى أن كلا من البشمركة ووحدات الحماية الكردية تلقوا التدريب والتسليح من الولايات المتحدة ليكونوا وكلاء لها في حربها ضد الرئيس العراقي صدام حسين ومن بعده تنظيم الدولة الإسلامية.

واستطاع أكراد العراق نيل الحكم الذاتي عبر الطرق الدبلوماسية دون استثارة رد فعل قوي من جانب تركيا بأن نأوا بأنفسهم عن حزب العمال الكردستاني، بل باتوا شركاء تجاريين مهمين لأنقرة.

غير أن وحدات حماية الشعب -التي يقر العديد من المسؤولين الأميركيين بأنها الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني التركي- ما تزال تتبنى نفس أيديولوجية مؤسسها عبد الله أوجلان.

طريق مسدود
يعيد الكاتب إلى الأذهان أن الولايات المتحدة وتركيا -وكلاهما عضو بحلف الناتو- توصلتا في وقت سابق من العام الجاري لاتفاق حول خارطة طريق لمعالجة هواجس أنقرة الأمنية بشأن وجود وحدات حماية الشعب بمدينة منبج السورية غربي نهر الفرات.

ومنح ذلك الاتفاق أملا لتركيا بحل دبلوماسي لمشاكلها، يمكن أن يطبق شرقي النهر كذلك درءا لأي عمل عسكري.

غير أن التأجيل المتكرر للقيام بدوريات أميركية تركية حسبما اتفق عليه -إلى جانب الوجود المستمر لوحدات حماية الشعب في منبج والتقارير المتواترة بأن واشنطن شرعت بإقامة مراكز مراقبة على الحدود التركية السورية- كل تلك عوامل دفعت العديد من المسؤولين بحكومة أنقرة إلى الاعتقاد بأن خارطة الطريق تقود إلى “نهاية مسدودة”.

ثمة سبب آخر لتأخير تركيا عمليتها العسكرية في شمال شرق سوريا بحسب الكاتب وهو أن وحدات حماية الشعب -التي تعد مكونا رئيسيا لقوات سوريا الديمقراطية- تشارك في القتال ضد تنظيم الدولة ولا تريد أنقرة عرقلة جهود التحالف بقيادة الولايات المتحدة في هذه الحرب.

أما الآن فمع تضاؤل الأمل في تعاون أميركي تركي ناجح في منبج -بحسب إيريم- وبعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب هزيمة تنظيم الدولة فإن أنقرة ترى أن الوقت مناسب للتصدي لهاجسها الأمني الأشد إلحاحا.

السيناريو الأسوأ
وبرأي كاتب المقال، فإن واشنطن ستجد نفسها مضطرة لاتخاذ قرار صعب في حال وقوع اشتباك بين حليفتها في الناتو (تركيا) وشريكتها في التحالف الدولي بسوريا (وحدات حماية الشعب الكردية).


عندما يتعلق الأمر بأمن تركيا القومي، فإن أنقرة تعتبر منع حزب العمال وتوابعه من إقامة معاقل لهم على حدودها خطا أحمر

ويتساءل إيريم: هل سيقف ترامب حينها إلى جانب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ويسمح للأتراك بتحييد العناصر التي يرونها تشكل تهديدا لأمنهم، أم سيحمي قوات حماية الشعب ويخلق من ثم عائقا كبيرا أمام تركيا مما قد يؤدي إلى شرخ في العلاقات الثنائية “لن يُجبر”؟

ويشكل الوجود الأميركي في المنطقة مزيدا من التعقيدات لتركيا. فمع وجود قوات أميركية قوامها ألفا جندي تقريبا وعشرين قاعدة عسكرية هناك، فإن أي عملية عسكرية كبيرة قد تنذر بمواجهة عسكرية عارضة بين القوات الأميركية والتركية، وهو السيناريو الأسوأ الذي يرغب البلدان في تفاديه بأي ثمن.

لكن عندما يتعلق الأمر بأمن تركيا القومي، فإن أنقرة تعتبر منع حزب العمال وتوابعه من إقامة معاقل لهم على حدودها خطا أحمر، وفق الكاتب.

وختم الكاتب بالقول إن الكرة الآن بملعب الرئيس الأميركي، مشيرا إلى أن تجاوب واشنطن مع أنقرة قد لا يقتصر على صياغة مستقبل العلاقات الأميركية التركية بل قد يتعداه إلى تحديد شكل الحدود والتركيبة السكانية بالمنطقة لعقود قادمة.