تعتبر الجيوش في الحالات الطبيعية المعبر الحقيقي عن قوة الدولة ومنعتها وعزتها ورمزا من رموز سيادتها أمام الدول الأخرى. فالجيش هو الحصن الحصين والسياج المنيع الذي يبنيه أبناء الوطن وفلذات أكباده للذود عن حدود أرضهم وعن حقوق أجيالهم القادمة وللوقوف في وجه كل من تسول له نفسه الاعتداء عليه أو المس بمصالحه. فالجيش بهذا المعنى منبثق من ضمير الشعب وراسخ في أعماق وجدانه وعقيدته، لذلك فإنك ترى أبناء الوطن لا يدخرون جهدا في مساندة جيشهم بالمال والرجال حتى يتمكن من أداء واجبه المقدس في الذود عن الحدود والتصدي للأعداء وحماية أبناء الشعب بكل أطيافه.. فهل تندرج جيوشنا العربية ضمن هذه الفئة من الجيوش؟
لنلقي نظرة علمية سريعة على حال جيوشنا العربية اليوم من خلال أرقام موقع غلوبال فاير باور للعام 2018 والمعني بتصنيف القوة العسكرية للدول على مستوى العالم. هذا التقرير يأخذ في تصنيفه للقوة العسكرية للدول مجموعة من العوامل الأساسية يأتي على رأسها الإنفاق العسكري والموقع الجيوسياسي وعدد السكان والمساحة الجغرافية وعدد ونوعية الأسلحة والتحالفات الدولية والإقليمية للبلد المعني وغير ذلك من العوامل. الدول العربية الواردة في التصنيف عددها 19 دولة هي على التوالي حسب ترتيب قوتها العسكرية تنازليا على المستوى العربي: مصر، الجزائر، المملكة العربية السعودية، العراق، سوريا، المغرب، الإمارات، اليمن، السودان، ليبيا، الأردن، تونس، عمان، الكويت، البحرين، قطر، لبنان، موريتانيا والصومال.
نلاحظ الحجم الهائل من الموارد البشرية والمالية المستنزفة في بناء جيوشنا العربية وحجم التضحيات التي ضحتها شعوبنا وخاصة أجيالها الصاعدة التي أنفقت سنين من عمرها في الخدمة العسكرية
يبلغ عدد القوات الفعلية العاملة في مجمل هذه الجيوش أزيد بقليل عن مليونين وأربعمئة ألف جندي، مما يعني بأنه يتجاوز العدد الفعلي للجنود العاملين في جيشي كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا مجتمعتين. أما عدد جنود الاحتياط العرب فيقدر بحوالي مليون وتسعمئة ألف شخص مما يرفع القوة البشرية الإجمالية (الفعلية زائد الاحتياطية) للجيوش العربية إلى حوالي أربعة ملايين وأربعمئة ألف شخص. أما بالنسبة لموازنات الدفاع العربية، فتشير أرقام غلوبال فاير باور إلى أن موازنات الدفاع الإجمالية للجيوش العربية تصل لحوالي مئة واثنين وعشرين مليار وسبعمئة مليون دولار سنويا مع وجود فوارق كبيرة بين موازنات الدفاع بين بلد وآخر. فبينما تصل موازنة الدفاع في العربية السعودية لحوالي 56 مليار دولار، تنخفض موازنة الدفاع في موريتانيا إلى حوالي 39 مليون دولارا فقط.
وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن موازنة الدفاع السعودية تعد ثالث أكبر موازنة دفاعية على مستوى العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين كما أنها تتساوى تقريبا مع الموازنة الدفاعية السنوية لكل من كندا وإسبانيا وتركيا وباكستان وإيران وماليزيا مجتمعين. أما بالنسبة لتصنيف القوة العسكرية على المستوى العالمي، فيحتل الجيش المصري المرتبة الأولى عربيا والعاشرة عالميا متبوعا بالجيش الجزائري في المرتبة الثانية عربيا والثالثة والعشرين عالميا، ثم الجيش السعودي في المرتبة الثالثة عربيا والسادسة والعشرين عالميا. وعلى سبيل المقارنة مع القوى الإقليمية الرئيسية في المنطقة فإننا نجد بأن تركيا مثلا احتلت المرتبة التاسعة عالميا متبوعة بإيران في المرتبة الثالثة عشرة و”إسرائيل” في المرتبة السادسة عشرة. استنادا لذلك يمكننا تصنيف القوى الإقليمية الرئيسية في الشرق الأوسط تنازليا حسب قوتها العسكرية كالتالي: تركيا، مصر، إيران، إسرائيل، السعودية.
استنادا لهذه القراءة السريعة لواقع الجيوش العربية نستطيع أن نلاحظ الحجم الهائل من الموارد البشرية والمالية المستنزفة في بنائها. كما نستطيع أن نلاحظ أيضا حجم التضحيات التي ضحتها شعوبنا وخاصة أجيالها الصاعدة التي أنفقت سنين من عمرها في الخدمة العسكرية. فهل ردت الجيوش العربية معروف الشعوب؟ وهل أدت وظائفها الوطنية والقومية التي من أجلها تم بناؤها وتمويلها من ثروات الشعوب وعلى حساب قوتها ورفاهيتها؟ نترك الإجابة لكم أعزاءي القراء!
الجزيرة نت