الجيش الأميركي يثبّت وجوده في العراق بعد إعلان انسحابه من سوريا

الجيش الأميركي يثبّت وجوده في العراق بعد إعلان انسحابه من سوريا

الإعلان الأميركي المفاجئ عن سحب القوات من الأراضي السورية لا يبدو إلى حدّ الآن ذا تأثير على هدف استراتيجي للولايات المتحدة عملت عليه بحرص وتُؤدة خلال سنوات الحرب على تنظيم داعش في سوريا والعراق، وهو عدم إخلاء منطقة الحدود بين البلدين أمام الفصائل الموالية لإيران والساهرة على تأمين خطّ بريّ مفتوح يصل طهران بضفّة البحر المتوسّط عبر الأراضي العراقية.

الرمادي (العراق) – أكّد الكشف، الثلاثاء، عن قيام الولايات المتحدة الأميركية بإنشاء قاعدتين عسكريتين جديدتين غربي العراق، ما كانت قد رصدته صحيفة “العرب” قبل أيام بشأن تحركات أميركية واسعة في تلك المناطق على صلة بترتيبات ما بعد إعلان إدارة الرئيس دونالد ترامب عن سحب القوات من الأراضي السورية.

وكشف مسؤول عراقي أنّ الجيش الأميركي أنشأ قاعدتين له داخل الأراضي العراقية على مقربة من الحدود السورية.

وقال فرحان الدليمي، عضو مجلس محافظة الأنبار لوكالة الأناضول، إنّ القاعدة الأولى أنشئت شمالي ناحية الرمانة التابعة لقضاء القائم على الحدود العراقية السورية، والذي يقع على بعد 360 كيلومترا غرب الرمادي مركز محافظة الأنبار، فيما أنشئت القاعدة الثانية إلى الشرق من مدينة الرطبة على بعد 310 كيلومترات غرب الرمادي وأقل من 100 كيلومتر عن حدود سوريا.

وتمتاز الرطبة بموقع استراتيجي وسط الصحراء الشاسعة غربي الأنبار، حيث تشكل نقطة التقاء طرق رئيسية قادمة من ثلاثة معابر حدودية هي عرعر مع السعودية، وطريبيل مع الأردن، والوليد مع سوريا.

وأشار الدليمي إلى أن الهدف من إنشاء الموقعين يتمثل في “مساعدة القوات العراقية على السيطرة على حدود البلاد، لمنع تسلل عصابات داعش، وعدم دخول التنظيم الإرهابي إلى تلك المدن المحررة”.

وتابع “العشرات من الجنود الأميركيين يتواجدون في القاعدتين، فضلا عن طائرات مسيّرة ومعدّات عسكرية أخرى”.

وينتشر نحو خمسة آلاف جندي أميركي في العراق، وذلك منذ تشكيل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة عام 2014، لمحاربة تنظيم داعش.

وسبق لمصادر عسكرية أن كشفت قبل أيام لـ“العرب” عما سمته “ترتيبات مشتركة بين الولايات المتحدة والعراق لتأمين الحدود مع سوريا”.

ووفقا لذات المصادر فإن الترتيبات الجديدة بين بغداد وواشنطن تشمل “تبادل أدوار” بين الجيش العراقي ونظيره الأميركي في عدد من مناطق الشرق السوري المتصلة بالحدود العراقية، ما يسمح للقوات الأميركية بالخروج من سوريا وإعادة التمركز في مناطق بغرب الأنبار.

وتقول المصادر إن الترتيبات التي أعقبت مفاوضات بين بغداد وواشنطن تسمح للقوات العراقية بالتوغل لنحو 70 كيلومترا داخل العمق السوري في حال شكّلت تحركات تنظيم داعش في المنطقة أي تهديد للحدود موضحّة أن “الجانب السوري على علم بهذه الترتيبات”.

وتقول المصادر إن وزير الخارجية الأميركي اقترح على المسؤولين العراقيين أن تتولى القوات العراقية تغطية جانب من العمق السوري خلال مرحلة الانسحاب الأميركي من المناطق الشرقية على أن يترك لها تقدير الموقف على الأرض.

وحتى الآن تتجنب بغداد الكشف عن أي معلومات في هذا الاتجاه. لكن مصدرا عسكريا عراقيا قال لـ“العرب” إن “الترتيبات الجديدة تسند مهامّ للقوات العراقية على الحدود مع سوريا لمدة ثلاثة أشهر”.

وتتحدث مصادر محلية عن تحركات أميركية واسعة في مناطق غرب العراق فيما تحذر قيادات في الحشد الشعبي من تلك التحرّكات.

وتقول المصادر إن “النوايا الأميركية ليست واضحة لكن حركة الجيش الأميركي على جانبي الحدود بين العراق وسوريا نشطة منذ أسابيع”.

ويقول قادة في الحشد الشعبي المكوّن في غالبيته العظمى من ميليشيات مسلّحة ذات صلات وثيقة بإيران، إنّ الولايات المتحدة تفسح لقواتها مجالا واسعا قرب منطقة القائم الحيوية عند الحدود مع سوريا.

ويؤكّد خبراء أمنيون وعسكريون أنّ وراء تحذيرات الحشد من التحركات العسكرية الأميركية بشرق سوريا وغرب العراق، مخاوف إيران من مساعي الولايات المتحدة لإغلاق الخطّ الواصل بين إيران وكل من سوريا ولبنان مرورا بالأراضي العراقية.

الوجود العسكري الأميركي بغرب العراق على محدوديته يبقى شديد التأثير لاعتماده على الطيران في مناطق صحراوية مكشوفة

وتنتمي فصائل الحشد الشعبي صوريا إلى القوات المسلّحة العراقية، لكنّها على أرض الواقع تظهر منافسة لها في مسك العديد من المناطق الحساسة وتأتمر عمليا بأوامر قادتها الموالين لإيران.

وتشدّد قيادات سياسية وعسكرية أميركية على وجوب إسناد مهمّة مراقبة حدود العراق وضبطها للقوات النظامية العراقية حصرا.

وكثيرا ما طالبت فصائل بالحشد بإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق، وذهب أكثرها تشدّدا حدّ التهديد باستهداف ذلك الوجود في أماكن تمركزه.

ويخشى الحشد الشعبي الذي يرتبط كبار قادته بعلاقات وثيقة مع إيران من أن تعمل القوات الأميركية على عزل وحداته القريبة من الحدود السورية عن خطوط الإمداد الرئيسية التي تتصل بغرب الأنبار وشمال غرب نينوى.

وتقول المصادر إن امتلاك الجيش الأميركي لقاعدة عسكرية كبيرة هي “عين الأسد” الواقعة في منطقة البغدادي غرب الأنبار، سيتيح لها كشف قطاع واسع من الطرق البرية التي يستخدمها الحشد الشعبي لتعزيز حضوره على الحدود العراقية السورية.

ويرى خبراء عسكريون أن الوجود الأميركي بغرب العراق، مهما كان محدودا فإن له تأثيرا كبيرا، لاعتماده بشكل أساسي على الطيران ذي الفاعلية الكبيرة في مناطق صحراوية شاسعة يصعب على أي قوات التحركّ فيها دون غطاء جوّي متين، وهو ما لا تمتلكه لا قوات الحشد الشعبي، ولا عناصر تنظيم داعش.

وبذل الحشد الشعبي جهودا كبيرة لإيصال قواته إلى نقاط حدودية تضمن تأثيره في المجال الحيوي السوري لكن الخطط الأميركية ربما تضر بهذه الاستراتيجية.

ويقول ضباط في الجيش العراقي إن قيادة العمليات عمّمت على القوات النشطة في غرب العراق أوامر بالاستعداد القتالي منذ أيام من دون أن يتضح ما إذا كانت الأوامر على صلة بالانسحاب الأميركي من سوريا أو بتنفيذ عمليات عسكرية جديدة ربما تشمل أهدافا داخل سوريا.

ومن منطلق حماية الحدود، سيكون بمقدور القوات العراقية التحرك في شريط واسع يعد الجانب الخلفي لقوات سوريا الديمقراطية داخل الأراضي السورية. ولن تكون القوات العراقية بمفردها عند الحدود، إذ تقدم قوة فرنسية دعما مدفعيا مؤثرا في هذه الجبهة.

العرب