وصفة هنري كيسنجر للمشاكل العالمية لا تزال ذاتها .. المزيد من الواقعية والقليل من المثالية

وصفة هنري كيسنجر للمشاكل العالمية لا تزال ذاتها .. المزيد من الواقعية والقليل من المثالية

يبيب

عندما قدّم الرئيس الأمريكي باراك أوباما استراتيجيته لهزيمة “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، كنت على وشك الانتهاء من قراءة كتاب هنري كيسنجر الجديد “النظام العالمي.” الذي يقدم فيه افكارا ثاقبة ومباشرة، ووجهة نظر عظيمة عن الكيفية التي وصلنا بها إلى ما يشهده العالم اليوم.فهو يحاول فهم وتفسير قرارات السياسة الخارجية التي جرى اتخاذها على نحو هادئ، ولا تزال تشكل علامة من التوازن البالغ الأهمية بين القوى العظمى، وهذا هو محور كتاباته وخطبه على مدى أربعة عقود، بدءا من كتابه الأول، “العالم المستعاد”، واصفا الجهود في القرن التاسع عشر؛ لتحقيق هذا التوازن.

“الدب يعرف سبع أغنيات وكلها عن العسل”، لا أعرف إذا كانت هذه مقولة أرمنية أو روسية، ولكن الصحيح أيضا انها اغنية كيسنجر أيضا، وصولا لفهم مسار أوروبا حيال توازن القوى، وطرق تطبيق الدروس المستفادة من تلك التجارب للصراعات المعاصرة.

سحر كيسنجر مع هذه الفترة يكمن في أمله بإيجاد رؤى لممارسة السلطة من قبل الدولة، مثلما قام  به كاسلرا ومترنيخ، لتطوير البنية الدولية، واسهامهما في إحلال السلام خلال المرحلة الممتدة بين مؤتمر فيينا واندلاع الحرب العالمية الأولى .

المشكلة الأساسية

“المشكلة الأساسية في السياسة”، وفقاً لما كتبه كيسنجر، “ليست هي السيطرة على الشر ولكن الحد من البر.” وهذه هي الطريقة التي لخص بها كيسنجر جوهر “المثالية مقابل الواقعية” التي ناقشها في اخر كتبه.

فأوباما رجل مثالي. وكيسنجر ليس شريرا، لكنه واقعي في نهاية المطاف، تكونت قناعاته الأكاديمية المبكرة وخبرته، من خلال العمل مستشارا للأمن القومي للرئيس ريتشارد نيكسون، ووزيرا للخارجية في عهدي الرئيسين نيكسون وجيرالد فورد، جعل منه ممارساً للواقعية والمثالية حيال التوازن المثالي لمسرحيات السلطة في عصرنا. ولعل كتابه “النظام العالمي” الذي اصدره عام 1991 ، قد يكون نداءه الاخير حول البراغماتية والواقعية، لعالم مترابط على نحو متزايد مع تفكك النظام العالمي .

واليوم، الواقعية ضرورية في الشرق الأوسط حيث جرى تحطيم نظام الدولة القومية من قبل أولئك الذين يتخفون تحت ستار الدين، وأن تمارس السلطة بطرق تتناقض مع عالم القرن 21، هذه الفوضى الخطيرة هي على الأقل مخرجات لحالة عدم اليقين الاستراتيجي، وإن سياسة الولايات المتحدة جديرة بالثناء أخلاقيا في الشرق الأوسط الكبير.

ينظر كيسنجر إلى العالم، سواء بنظرة كلية او جزئية، من منظور التوازن المرغوب فيه وقوة ودور الولايات المتحدة في تأمين ذلك، إذ توفر هذه الأداة مرساة لسياسته الواقعية، وتسمح له أن يرى الأحداث العالمية ليس من وجهة نظر أيديولوجية، وإنما من منظور أكثر واقعية.

في عام 1973 عندما أصبح واضحا أن حرب فيتنام لا يمكن كسبها، وبدا كيسنجر يبحث عن وسيلة رشيقة للخروج، قال انه زوّر عمليتي الانفراج مع الاتحاد السوفياتي والانفتاح على الصين، وتعامل مع كل طرف على حدة لإيجاد التوازن الثلاثي للسلطة، والحفاظ على نفوذ الولايات المتحدة بعد انسحابها من فيتنام.

وفي الآونة الأخيرة، عندما صدق مجلس الشيوخ الامريكي على توسع الناتو باتجاه أوروبا الشرقية في مايو 1998 كتب كيسنجر: “لا بد ان يكون لروسيا اهتمام خاص للأمن حول محيطها الواسع ويتعين على الغرب أن يكون حذراً بعدم تمديد نظام عسكري متكامل قريب جدا من الحدود الروسية.”

وفي مرحلة مبكرة من الصراع السوري قبل ثلاث سنوات، عندما اعلن أوباما وبسرعة أن بشار الأسد يجب أن يرحل، كان كيسنجر سريعاً في التصريح عن الخطأ في عدم معرفة من سيملأ الفراغ الناجم عن رحيل الأسد.

أوباما يفتقر لهذا التمكن، خطوته تعادل، ما قام به كيسنجر بخصوص التوازن في فيتنام واللعب في محور ثلاثي بين إيران الشيعية المهيمنة ومنطقة الخليج السنية وسوريا والعراق. وهذا يتطلب تجاوز الخطوط المرسومة سابقا والقدرة على اللعب بحرفة ودهاء عند الخط الفاصل بين الأيديولوجية والقيم.

مصالحة واسعة

أولا: يجب البدء بعملية المصالحة الواسعة بين السنة والشيعة وبمشاركة إيران وتركيا، والمملكة العربية السعودية من أجل الصالح العام، وهذا يتطلب التفاهم والتراضي من جميع المشاركين حول قضايا تتعلق بالنزاعات الإقليمية، والانتشار النووي، ودعم مجموعات مختلفة  من الفريقين المنقسمين : السنة والشيعة.

ثانيا: يجب على الغرب وايران مضاعفة جهودهما للتغلب على العقبات الأخيرة للتوصل الى اتفاق مستدام على القضية النووية الايرانية، وقال ان إيران تريد تطوير تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم للاستخدام الصناعي، وعلى ان الجميع يتفق على حقها في القيام بذلك. وقال الإيرانيون أيضا انهم سيواصلون الوفاء بالتزاماتهم وفتح الابواب لمراقبة عدم الانتشار. ويجب أن يكون الغرب أكثر احتراما للأهداف الصناعية الإيرانية الحالية إذا كان يريد التعاون مع طهران.

ان التعاون أمر حاسم ليس للقضاء على التهديد  “الدولة الاسلامية” فقط، ولكن للسلام والاستقرار على المدى الطويل في الاقليم.

ثالثا: ان وجود حكومة شاملة في بغداد يعد امرا ضروريا، وينطبق الامر كذلك في دمشق. ويجب على الولايات المتحدة أن تعترف ان الدعم المحدود للمعارضة المعتدلة كان فاشلا، وجعل الأمور تبدو على نحو أسوأ للجميع، وباستثناء تدريب وتسليح المعارضة السورية المعتدلة، الذي يعد محدودا، وان إطالة أمد الحرب الأهلية السورية من خلال الاستمرار في تربية الجماعات المتطرفة يدعو لوضع حلول دقيقة وممكنة مؤطرة تتجاوز الأسد شخصياً.

ولعل الانفتاح على الصين، يبدو هو الاخر غير واقعي، ولكن حدث ما حدث ومازال قائماً، فهو لم يكن مدفوعا بسياسة أخلاقية بل عملية، ولم تكن نتائجه شريرة، وعلى الرغم من أخطاء السياسة السابقة، فانه جلب الاستقرار إلى جزء غير مستقر من العالم.

فارتان أوسكانيان هو عضو في الجمعية الوطنية في أرمينيا، وزير الخارجية السابق.

 ترجمة

http://www.aljazeera.com/indepth/opinion/2014/10/kissinger-lessons-today-policym-201410154824243757.html