أوباما والاستراتيجية الضائعة

أوباما والاستراتيجية الضائعة

مع حلول الذكرى السنوية الاولى لسقوط مدينة الموصل في ايدي “الدولة الاسلامية” (داعش)، وبعد 10 اشهر من بدء الائتلاف الدولي حملته الجوية على هذا التنظيم، يعترف الرئيس أوباما انه “ليست لدينا حتى الان استراتيجية متكاملة، لان ذلك يتطلب التزامات من العراقيين ايضا”. وكان سقوط مدينة الرمادي، عاصمة الانبار، قد اثار من جديد الاسئلة عن جدية وفاعلية الحرب المحدودة التي تقودها واشنطن ضد “داعش” في العراق. ومرة اخرى يجد الرئيس اوباما نفسه مضطرا تحت ضغوط النكسات الميدانية للقوات العراقية، الى ارسال نحو 400 مدرب اضافيين لتدريب القوات العراقية في الانبار.

هذا الموقف يبين مرة اخرى ان واشنطن تفتقر الى استراتيجية تشمل العراق وسوريا وتهدف بالفعل الى دحر “داعش” في البلدين، وان ما تريده هو احتواء “داعش” وترك تحدي تدميره للرئيس الجديد. قرار زيادة عدد المدربين، يؤكد مرة اخرى ان أوباما لن يرسل قوات قتالية الى العراق، كما يرغب بعض المرشحين الجمهوريين لمنصب الرئاسة. لكن العديد من الخبراء العسكريين والمسؤولين السابقين يشككون في جدوى برامج التدريب الجديدة، وخصوصاً بعد الاداء الفاضح للجيش العراقي في الرمادي.
المسؤولون الاميركيون يركزون على التدريب، وضرورة قيام العراقيين بدور رئيسي في هذا المجال، لكن العراقيين يعودون الى الشكوى من عدم وجود اسلحة دفاعية كافية ومتطورة. بيد ان جوهر المشكلة العراقية هو سياسي وليس عسكرياً أو تقنياً يمكن ان يحله بضع مئات من المدربين الاميركيين. المشكلة هي في هيكلية الجيش العراقي وقياداته والولاءات المذهبية والفساد والمحسوبية وكلها عوامل تفسر غياب الانضباط والمعنويات، وسرعة انهيار الجيش وتخليه عن عتاده.
والمفارقة العسكرية الآن هي ان “داعش” يحارب القوات العراقية بسلاحها الاميركي الصنع والمسلوب منها. الارقام محرجة للغاية : داعش غنم 2300 سيارة مصفحة، و74 الف مدفع رشاش، و40 دبابة من طراز “ام 1 إي 1” الثقيلة و52 مدفعاً متحركاً من طراز “هاوتزر”. قيمة هذه الاسلحة وغيرها تصل الى 656 مليون دولار. نعرف ان أوباما هو محارب متردد في الاصل، ولكن هناك اجتهادات مختلفة بين القيادات العسكرية، اذ يدعو قائد القيادة المركزية الجنرال لويد أوستن الى تكثيف الغارات الجوية وادخال مروحيات هجومية من طراز “آباتشي” في القتال، وهو أمر يعارضه رئيس هيئة الاركان المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي، والاهم من ذلك الرئيس اوباما.
التقدم الميداني الاخير لـ”داعش” في العراق وسوريا، يتحدى التقويم المتفائل وغير الواقعي لواشنطن التي تدعي ان “داعش” كان في موقع دفاعي. الواقع أكثر تعقيداً، والاميركيون يعترفون الان بان أي حديث جدي عن تحرير الموصل لن يكون واقعيا قبل 2016.

النهار