بريشتينا – باتت دول البلقان مدركة تماما لخطر السياسة التي ينتهجها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للتأثير على استقلال قرارها الوطني. وبدأ الرأي العام الداخلي في هذه المنطقة ينظر بعين الريبة إلى الاستثمارات التركية هناك، ويعتبرها أداة من أدوات “العثمانية الجديدة” التي يريد أردوغان إحياءها في البلقان كما في مناطق أخرى في الشرق الأوسط.
واستثمرت تركيا خلال السنوات القليلة الماضية بأشكال مختلفة كي توسع نفوذها في المنطقة سواء من خلال الاستثمارات أو استقطاب وجوه من الجمعيات والمنظمات. كما لعبت ورقة الجانب الديني مثل بناء المساجد، لخلق حالة من الولاء لسياستها خاصة بين الشرائح الشعبية.
لكن الهجمة التركية تصطدم بمعارضة آخذة في التوسع بين المواطنين وخاصة لدى المثقفين والسياسيين في أغلب تلك الدول وسط دعوات إلى وقف الغزو الثقافي العثماني الجديد، وبدا ذلك أكثر وضوحا في إيقاف أشغال بناء مسجد تركي على الطريقة العثمانية في قلب بريشتينا عاصمة كوسوفو.
وأشارت صحيفة الغارديان البريطانية إلى أنه مرت ست سنوات على وضع حجر الأساس في المسجد المركزي الجديد لبريشتينا، دون أن تبدأ الأشغال التي توقفت بقرار من داخل تركيا بصفتها الدولة التي تمول المشروع، وتريد أن تفرض كلمتها رغم معارضة المسؤولين المحليين.
واحتفلت كوسوفو البالغ تعداد سكانها 1.8 مليون نسمة بالذكرى العاشرة لاستقلالها هذا العام. وتقول الصحيفة إنه بعد مرور 20 عاما على الحرب مع صربيا، لا تزال الأخيرة تعتبر كوسوفو جزءا من أراضيها.
وتنقل الغارديان عن بعض زعماء الدين المسلمين البارزين في كوسوفو (المسلمون 95 بالمئة من سكانها) أن عشرات المساجد التي دمرت لا تزال لم تبن بعد.
وتدرك تركيا أن كوسوفو تعاني اقتصاديا بما يجعلها فريسة سهلة لطموحات أردوغان ومسؤولين آخرين ممن يسعون لإحياء العثمانية في نسخة جديدة مثل رئيس الوزراء الأسبق أحمد داوود أوغلو الذي تنبأ بأن يتم تحقيق ذلك بحلول عام 2023.
وقامت أنقرة باستثمارات ضخمة في كوسوفو وكانت من أجل وضع البلد داخل المجال الحيوي التركي، في استجابة جلية للجملة الشهيرة التي أطلقها أردوغان حين زار البلد عام 2013 “تركيا هي كوسوفو، وكوسوفو هي تركيا”.
ووفقا لوزارة الاقتصاد التركية وصل إجمالي الاستثمارات التركية المباشرة في دول البلقان في نهاية عام 2016 إلى 10 مليارات دولار تقريبا.
وتلفت الغارديان إلى أن أمر معارضة بناء المساجد التركية التمويل، على النحو الذي ظهر في النمسا مثلا، أمر عادي، إلا أن معارضة بناء مسجد بريشتينا الجديد مستغربة داخل بلد ذي أغلبية مسلمة.
وتأخذ واجهات الاعتراض في كوسوفو أبعادا هندسية فنية. وظهرت معارضة في صفوف المعماريين المحليين. فعلى الرغم من أن عقد الشروط لمشروع المسجد أوصى بأن يراعي التصميم التراث المحلي، إلا أن ما تم اختياره جاء تصميما بطراز عثماني كلاسيكي.
وتشرف على المشروع إدارة الدولة التركية للشؤون الدينية (ديانت)، التي شيدت العشرات من المساجد الأخرى في جميع أنحاء العالم الإسلامي في السنوات الأخيرة، في خطوة وصفها البعض بأنها وسيلة رئيسية لممارسة السلطة في تركيا.
وتقول “ديانت” إن المسجد سيبنى بنفس طراز مسجد السليمية الشهير في أدرنة، شمال غرب تركيا الذي يعود إلى القرن السادس عشر.
وينتظر أن تتطور ظواهر الاعتراض ضد طموحات أردوغان وتبرز بأشكال مختلفة، خصوصا أن الورش التركية في البلقان لا تجد ارتياحا لدى دول المنطقة التي تخطط للاندماج الكلي أو الجزئي داخل الاتحاد الأوروبي.
وتزداد المخاوف من أن استخدام تركيا للاستثمار الديني في هذه البلدان سيرفع أسوارا بين مسلمي المنطقة وأوروبا، وسيحول منطقة البلقان إلى “حصان طروادة” تركي لن تسمح الدول الأوروبية بأن يقوم داخل القارة القديمة.
العرب