رغم ما تبديه الدول الأوروبية من دعم للملف النووي الإيراني من خلال ما أظهرته من تفهم متعلق بانفتاحها على السوق الإيرانية، إلا أن حساباتها تتجه للوقوف إلى جانب الولايات المتحدة بخصوص خطورة الأنشطة الباليستية الإيرانية. ويرى مراقبون أن مساعي طهران في توظيف الخلاف التجاري بين واشنطن وأوروبا لإحداث اختراق في المواقف قد فشلت بعد أن أعلن الاتحاد الأوروبي مؤخرا عقوبات جديدة على طهران.
باريس – طالبت فرنسا إيران الجمعة بالتراجع عن إطلاق صواريخ في إطار برنامج الفضاء الإيراني، معتبرةً أن ذلك ينطوي على خرق لقرارات مجلس الأمن في الأمم المتحدة، في تماهي مع موقف الولايات المتحدة بشأن أنشطة طهران الباليستية.
وفي بيان، طلب وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان من طهران “الوقف الفوري لكل نشاط مرتبط بالصواريخ الباليستية القادرة على حمل أسلحة نووية، ومن ضمنها عمليات الإطلاق المستندة إلى تكنولوجيا الصواريخ الباليستية”.
وتابع بيان الخارجية أن “فرنسا تذكّر بأن برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني لا يتوافق مع القرار 2231 الصادر عام 2015 عن مجلس الأمن الدولي”.
ووجّهت واشنطن دعوةً مماثلةً في 3 يناير، اعتبرت فيها أن إطلاق هذه الصواريخ “استفزازي” وهدّدت بتشديد العقوبات الاقتصادية على طهران.
وأعلن نائب الرئيس الإيراني لشؤون الدفاع قاسم تقي زاده في 29 نوفمبر أن إيران ستطلق “إلى الفضاء ثلاثة أقمار صناعية في الأشهر المقبلة”. ونقلت عنه وكالة “إسنا” شبه الرسمية الإيرانية إن “تلك الأقمار الصناعية قد بُنيت على أساس المعرفة المحلية وستنشر على ارتفاعات مختلفة”.
ووفق واشنطن وباريس، فإن التكنولوجيا المستخدمة في إطلاق تلك الصواريخ تكاد تشبه تلك المعتمدة في صنع الصواريخ الباليستية.
وتخشى الولايات المتحدة من أن التكنولوجيا الباليستية طويلة المدى المرتبطة بالبرنامج الفضائي يمكن أيضا أن تستخدم في إطلاق صواريخ تحمل رؤوسا حربية.
وكان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو قال إن إيران أعلنت خططا لإطلاق ثلاثة صواريخ خلال الأشهر المقبلة تطلق عليها اسم مركبات إطلاق فضائية، مشيرا إلى أنها تستخدم تكنولوجيا “مماثلة تماما” لتلك المستخدمة في الصواريخ الباليستية العابرة للقارات.
ودعا قرار مجلس الأمن الدولي، الذي صدر لدعم الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية في عام 2015، طهران إلى الإحجام عن أي أنشطة مرتبطة بالصواريخ الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية وذلك لمدة تصل إلى ثمانية أعوام. وفشلت إيران في توظيف الخلاف التجاري بين الولايات المتحدة وأوروبا لخدمة ملفها النووي وفصله عن برنامجها الصاروخي، حيث يبدو الموقف الأوروبي بخصوص أنشطتها الباليستية أكثر تأييدا لموقف واشنطن.
ومثّلت العقوبات الأوروبية الجديدة على إيران صفعة مدويّة للنظام الذي ينفي في كل مرة تورّطه في الاغتيالات التي تطال معارضيه على أراضي أوروبا، ما يستوجب تشديد الرقابة على البعثات الدبلوماسية الإيرانية التي تتخفى تحتها أجهزة الاستخبارات.
ويرى مراقبون أن تمسّك الطرف الأوروبي بالاتفاق النووي الإيراني لا يحجب مخاوفهم من أنشطتها الباليستية والمزعزعة لاستقرار المنطقة وحتى داخل بلدانهم، بعد توجيه التهم للاستخبارات الإيرانية بتنفيذ اغتيالات في كل من فرنسا والدنمارك وهولندا، ما يقرّب الموقف الأوروبي أكثر فأكثر من الموقف الأميركي الذي بدا معزولا في بداية المطاف.
واتهمت الحكومة الهولندية طهران الثلاثاء بالضلوع في جريمتي قتل هولنديين من أصل إيراني في هولندا عامي 2015 و2017، فيما أقرّ الاتحاد الأوروبي عقوبات جديدة على إيران بعد انكشاف تورّط أجهزة استخباراتها في تنفيذ عمليات اغتيال.
وجاء في رسالة وقّعها وزيرا الخارجية والداخلية الهولنديان وموجّهة إلى البرلمان أن لدى أجهزة الاستخبارات الهولندية “مؤشرات قوية إلى ضلوع إيران في تصفية مواطنين هولنديين من أصل إيراني في ألميري عام 2015 ولاهاي عام 2017”. وأوضحت الحكومة الهولندية أن الضحيتين وهما بحسب الشرطة الهولندية علي معتمد (56 عاماً) وأحمد ملا نيسي (52 عاماً) كانا معارضين للنظام الإيراني. معلنةً عقوبات فرضها الاتحاد الأوروبي الثلاثاء على طهران.
وكتب وزير الخارجية ستيف بلوك ووزيرة الداخلية كايسا اولونغرن “في الثامن من يناير 2019، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية وعلى شخصين إيرانيين، بناء على طلب هولندا خصوصا”. وأضافا أن هذا يعني أنه تمّ تجميد الأموال والأصول المالية الأخرى العائدة لهذا الكيان وهذين الشخصين.
وتابع الوزيران “بناء على معلومات صادرة عن أجهزة استخبارات أجنبية وأجهزة الاستخبارات الهولندية، تعتبر هولندا أن إيران متورطة في تحضير عمليات تصفية وهجمات على الأراضي الأوروبية”.
ويسعى النظام الإيراني، الذي انكشفت معظم شبكاته الإجرامية والاستخباراتية في قلب أوروبا، إلى تنظيم صفوفه من جديد عبر اتخاذ دول البلقان، حديقة خلفية ومحطة رئيسية لاستعادة نشاطه في قلب القارّة. وعلى الرغم من إفشال عديد الدول للمخططات الإيرانية إلا أن التساهل الأوروبي يشجّع الإيرانيين على مواصلة أنشطتهم التخريبية.
وكشف اعتقال السلطات البلغارية لعناصر إيرانية ضمن شبكة لتهريب الأسلحة قبل شهرين، عن وجه جديد من الأنشطة السرية الإيرانية في أوروبا، في وقت لم تنته فيه تداعيات الكشف عن شبكة إيرانية لاغتيال معارضين في باريس.
وأعلنت السلطات البلغارية أنه تمّ العثور، في صوفيا على ترسانة تتألف من أكثر من مئة سلاح أوتوماتيكي بينها رشاشات كلاشنيكوف. وأوقف إيرانيان وعدد من البلغار خلال هذه العملية التي سمحت أيضا بالعثور على مطبعة للوثائق المزوّرة.
ولم يستبعد خبراء أن يتنزل وجود إيرانيين ضمن هذه الشبكة في سياق تكوين شبكات لتهريب أسلحة وعناصر استخبارية إلى قلب أوروبا وأن صوفيا ما هي إلا محطة من المحطات التي تتجمع فيها هذه الشبكات بانتظار فرصة العبور إلى دول مثل ألمانيا وفرنسا.
واستفادت إيران خلال أربعين عاما من ثورة 1979 من التعاطي الأوروبي المتسامح مع أنشطتها للاستمرار في تعقّب المعارضين والتجسس عليهم، ونفّذت عناصر تابعة لها محاولات متعددة لاستهداف معارضين للثورة وخاصة من العناصر الكردية المعارضة.
وكشف موقع “ذا دايلي بيست” الأميركي بالتزامن مع موجة الاعتقالات ضد إيرانيين في أوروبا، أن عناصر الأجهزة الإيرانية السرية تقوم بخطوات بشكل متزايد عبر أوروبا وأفريقيا، وتستغل بعثاتها الدبلوماسية في الخارج كأدوات لتوظيف القوة بشكل غير معهود منذ تسعينات القرن الماضي.
العرب