منذ أكثر من عقد من الزمان، تشهد الساحتان العراقية والسورية ظهور فصائل مسلحة هي على الأغلب وليدة سابقاتها، أنجبتها الخلافات العقائدية والمصالح الفئوية، تتشابه في الأفكار لكنها تحمل أسماء جديدة.
ومؤخرا، تناقلت وسائل إعلام ووكالات أنباء ظهور تنظيم مسلح في محافظات عراقية تحت اسم “حراس الدين”.
التنظيم الذي تأسس قبل أعوام في سوريا واتخذ من محافظة إدلب (شمالي سوريا) معقلا له بعد انسحابه من هيئة تحرير الشام بسبب انفصال الأخيرة عن تنظيم القاعدة، قد انضم إليه فيما بعد جيش البادية وجيش الساحل وجند الشريعة وسرية كابل وسرايا الساحل، ليصبح تنظيما لا يستهان به في إدلب والمناطق القريبة منها كحماة واللاذقية.
يشاع اليوم عن التنظيم تمدده ووجوده في بعض المحافظات العراقية كالأنبار(غرب) ونينوى وكركوك وقضاء الشرقاط وطوزخورماتو التابعين لمحافظة صلاح الدين (شمال)، وهو الأمر الذي استبعد رئيس اللجنة الأمنية في محافظة الأنبار نعيم الكعود وجوده على أرض الواقع.
وأوضح الكعود للجزيرة نت أن كل ما يتم تناقله من أخبار حول تنظيم حراس الدين هي مجرد إشاعات لم تستند إلى تقارير استخبارية موثقة، وهو ما أكده أيضا نائب قائد الحشد العشائري في الأنبار اللواء طارق عسل، مضيفا استغرابه من الترويج لشائعة انتشار هذا التنظيم.
وحذر عسل من احتمال أن تحاك مكيدة تستهدف بعض المحافظات العراقية لزعزعة أمنها واستقرارها بـ”مؤامرة إقليمية، ربما يكون سببها الصراع الأميركي الإيراني والإيراني الإسرائيلي على الأرض العراقية”.
وعن حراس الدين، أوضح الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية هشام الهاشمي أنه تنظيم انشق وتمرد على جبهة النصرة في الشمال السوري، وقاد هذا الانشقاق أبو جليبيب الأردني -المعروف بأنه صهر الزرقاوي وقتل قرب الحدود السورية الأردنية- وجلّ موارده البشرية من الإيغور والطاجيك وتترستان وتركمانستان والأوزبك، وقليل منهم سوريون وعرب.
واستبعد الهاشمي أن يكون لحراس الدين القدرة على النمو خارج الشمال السوري، خاصة وقد بدا غريبا وضعيفا بعد مقتل قائده، وعليه فمن الصعب أن يكون للتنظيم وجود على الساحة العراقية، وكل ما قيل عن وجوده لم يكن نتيجة بحث وتخصص وإنما خرج مخرج الخطاب السياسي السطحي.
غياب الحواضن
الحاضنة الشعبية تعد مطلبا رئيسيا لأي فصيل مسلح ليتمكن وينمو وذلك بغية الاستخفاء والتحرك بسهولة لتنفيذ عملياته، ولهذا السبب يرجح الكثير فشل حراس الدين في الظهور وبسط النفوذ، لعدم توافر حاضنة شعبية ترحب بأفكاره.
وهذا ما أكده اللواء عسل للجزيرة نت، مضيفا أن لدى المواطنين العراقيين -بعد الأزمات التي مروا بها في السنوات الأخيرة- وعيا عاليا، وخاصة أولئك الذين يعيشون في المناطق التي خضعت لتنظيم الدولة الإسلامية في السنوات الأخيرة، إلى جانب توافر تعاون بين الأهالي والأجهزة الأمنية للتصدي لها.
من جهته، اعتبر الناطق الرسمي للقوات العراقية المشتركة العميد يحيى رسول أن التدقيق الأمني الشديد هو الآخر يمنع المواطنين من المجازفة والمخاطرة باحتضان هكذا تنظيمات تعرضهم إلى المساءلة والعواقب الوخيمة.
وأكد على “جاهزية الأجهزة الأمنية في متابعة أوكار وفلول الإرهاب، من خلال العمل الاستخباراتي المستمر، مضيفا أن كل ما يقال عن هذا التنظيم هو مجرد زوبعة في مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يوجد بيان أو كتاب رسمي يؤكد ما تتداوله وسائل الإعلام ووكالات الأنباء”.
تعزيز الجبهة الداخلية
ورغم كل التأكيدات على تكذيب وجود التنظيم، فإن هناك تحذيرات من عودة التنظيمات المسلحة تحت أي اسم كان بسبب بقاء أو عدم معالجة بعض الأسباب الرئيسية التي تسببت في ظهور تنظيم الدولة وسيطرته على أجزاء كبيرة من العراق في السنوات السابقة.
وهذا ما أشار إليه عسل قائلا إن عدم إطلاق الحكومة المركزية تعويضات للمتضررين والمباشرة بمشاريع تأهيل البنى التحتية والقضاء على البطالة وإعطاء المحافظات استحقاقها من التعيينات، هو غبن وأسباب حقيقية قد تعيد الفوضى إلى العراق تحت أي اسم، سواء “حراس الدين” أو غيره من المسميات.
وأضاف الكعود أن الأفكار واحدة بين مختلف هذه التنظيمات المسلحة وإن اختلفت أسماؤها، وأن تفريغ الجيش للعشائر من الأسلحة أمر غير صحيح باعتبارها سندا ودرعا لمساندة الأجهزة الأمنية، ويمكنها التصدي لأي خرق أمني أو تحرك مشبوه خاصة في المناطق الحدودية الريفية.
ولم تبتعد آراء المواطنين بعيدا فكانت لهم وجهة نظر مقاربة، وهو ما عبر عنه الناشط المدني كتاب الميزان قائلا: إن العراق يعيش اليوم الأزمات نفسها التي سببت ظهور تنظيم الدولة، إلا أنها اليوم تتضاعف بسبب تفاقم أزمة عودة النازحين وتصاعد عمليات الخطف، فالحكومة ركزت على الجانب العسكري وأهملت الجانب الفكري لمحاربة هذه التنظيمات التي تستقطب الشباب من خلال تفسير المدونة الإسلامية بما يناسب توجهاتها.
وبين الإشاعة وتوفير بعض المعطيات، تبقى المناطق السنية المستعادة من تنظيم الدولة عرضة لتصفية الحسابات سواء بين الأحزاب الداخلية أو الدول الإقليمية، ليدفع المواطن ضريبة تلك الخلافات تخوفا واضطرابا قد يعيده في لحظة ما إلى نقطة الصفر.
المصدر : الجزيرة