انقسم التونسيون خلال الذكرى الثامنة للثورة بشأن مستقبل العملية السياسية في البلاد، بين مقتنع بأن المسار الانتقالي يسير بنجاح لترسيخ الديمقراطية الناشئة عبر إجراء انتخابات شفافة، وآخرون أصيبوا بالإحباط وفقدوا الثقة في السياسيين وفي تغيير الأوضاع عبر صناديق الاقتراع.
وتجمع أمس الاثنين الآلاف من التونسيين وسط أيقونة الثورة شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي بالعاصمة تونس، للاحتفال بذكرى سقوط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، لكن انقسام الأحزاب السياسية خلال هذا الاحتفال بدا واضحا بانفراد كل حزب بأنصاره وتبادل الاتهامات أحيانا فيما بينهم.
ويُغذي هذا الانقسام الخصومة السياسية الحادة بين الجبهة الشعبية اليسارية وحركة النهضة الإسلامية، وخلال مسيرة وسط العاصمة رفع أنصار الجبهة شعارات تتهم النهضة بالتورط في الاغتيالات السياسية، بينما ردد أنصار حركة النهضة شعارات تصف الجبهة بالفشل السياسي وضعف شعبيتها.
ويشهد الوضع السياسي العام في البلاد -بعد انقضاء ثماني سنوات على الثورة- حالة من الانقسامات والتجاذبات، ولا سيما بعد إعلان الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي إنهاء التوافق مع حركة النهضة، والذي تزامن مع بروز اتهامات للحركة من قبل الجبهة الشعبية بامتلاك جهاز سري متورط بالتخطيط للاغتيالات في 2013.
بر الأمان
لكن هذه الاتهامات باطلة بالنسبة للأستاذ عمر أحد أنصار حركة النهضة، والذي يقول إنها كانت أول متضرر من اغتيال القياديين اليساريين شكري بلعيد في 6 فبراير/شباط 2013 ومحمد البراهمي في 25 يوليو/تموز 2013، معتبرا أن الغاية من تلفيق هذا الاتهام هي السعي لاستئصال الحركة.
ويقول للجزيرة نت إن تونس تشهد بعد الثورة صراعا بين من يدافعون عن المسار الانتقالي وترسيخ الديمقراطية والتعددية عبر إنجاز الانتخابات بموعدها، وبين “قوى ردة تسعى لعرقلة مسار الانتقال وتأجيل الانتخابات القادمة وإثارة الصراعات الأيديولوجية والمزايدات السياسية والاتهامات”.
ويقرّ عمر بوجود انتكاسات على المستوى الاقتصادي والاجتماعي بسبب تدهور الوضع المعيشي، ومع ذلك يوضح أن المسار الانتقالي بعد كل ثورة يتطلب الكثير من الصبر والعمل والوقت لتحسين الأوضاع، مشددا على أن المشاركة في الانتخابات هي من المفاتيح لضمان الخروج من الأزمات إلى بر الأمان.
وتستعد تونس لإجراء ثاني انتخابات تشريعية ورئاسية نهاية العام الجاري بعد المصادقة على الدستور التونسي الجديد مطلع 2014، لكن تجديد ثلاثة من أعضاء الهيئة المستقلة للانتخابات وانتخاب رئيس جديد لها بعد استقالة رئيسها، بقي معطلا بسبب التجاذبات السياسية داخل مجلس نواب الشعب.
انعدام ثقة
ويقول كريم بالعربي الذي جاء للاحتفال بعيد الثورة على طريقته، إن السياسيين أصبحوا يسوقون صورة سيئة عن تونس في الخارج بسبب هبوط مستوى الخطاب السياسي وانفلات الخصومات السياسية فيما بينهم داخل البرلمان، محملا إياهم مسؤولية تدهور الأوضاع أكثر مما كانت عليه قبل الثورة.ويقف كريم وسط شارع الحبيب بورقيبة قبالة مبنى وزارة الداخلية ماسكا قفة فارغة للتعبير عن تدهور المقدرة الشرائية بسبب الغلاء، مشيرا إلى أن الأوضاع في البلاد ازدادت سوءا عقب مرور ثماني سنوات على الثورة مع انقطاع مواد استهلاكية عادية على غرار البيض والحليب والزيت المدعّم حكوميا.
وتمرّ إلى جانبه مجموعة من الطلبة الشبان حاملين أعلام تونس للاحتفال بذكرى رحيل الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، ويبدو هؤلاء الشبان سعيدين بالوهج الثوري المستمر في البلاد، لكن قلوبهم دخلها الشك من تصاعد منسوب التجاذبات السياسية وانعدام تحقيق أهداف التنمية والتشغيل والعيش الكريم.
ويقول أكبرهم سنا سليم الجزيري (20 عاما) للجزيرة نت إنه لم يعد يثق بأي حزب سياسي بسبب تكالبها على السلطة وخدمة مصالحها الضيقة دون مراعاة لظروف الناس المتدهورة، مشيرا إلى أن الأحزاب لا تحتك بالمواطنين إلا مع اقتراب المحطات الانتخابية من أجل استمالتهم بالوعود الزائفة.
وشهدت الانتخابات البلدية الماضية في مايو/أيار 2018 عزوفا كبيرا لدى الناخبين وأبرزهم من الشباب، كما تراجعت مكانة الأحزاب الكبرى على غرار حركة النهضة وحزب نداء تونس مقارنة بالنتائج المسجلة في الانتخابات التشريعية في 2014، في المقابل حقق المستقلون عن الاحزاب صعودا ملفتًا.
الجزيرة