من بين مرتكزات العدل كقيمة أخلاقية وواقع معاش وسيادة القانون كإطار لإدارة ترابطات المواطن والمجتمع والدولة والتشريع كمسؤولية عامة تتجدد مضامينها باستمرار لتحقيق صالح الناس والاستجابة للنواقص والاختلالات والأزمات الحاضرة والتطلع إلى مستقبل أفضل، يأتي في موقع أساسي الحق الأصيل للمواطن في أن يفهم بوضوح القوانين التي تنظم حياته في مجاليها الخاص والعام، وتعين مساحات وأنماط وتفاصيل الفعل المقبول ومضاده إن لجهة العلاقات بين المواطنين أو لجهة تعاملاتهم مع سلطات المجتمع العامة ومؤسسات وأجهزة الدولة، وتعرف أيضا الإجراءات العقابية حال تورط المواطن في فعل مرفوض يتحول بمقتضى القوانين إلى فعل مجرم وتحدد طرق التقاضي الناجز وأدوات الدفاع.
بعبارة بديلة، يغيب العدل وتتراجع سيادة القانون وتنحرف الوظيفة التشريعية عن جوهرها ما أن يعجز المواطن عن فهم مواد وبنود القوانين المحيطة به وما أن تنتفي قدرته على الإدراك المباشر لطبيعة الفعل المقبول قانونا ولمضاده المرفوض ـ المجرم وللعقوبات المحتملة ولضمانات التقاضي والدفاع. والمواطن المشار إليه هنا هو المواطن العادي الذي يستطيع إعمال العقل لفهم القوانين، ويستطيع أيضا لأغراض الفهم والإدراك الدقيق الاعتماد على المساعدة المتخصصة من قبل جمعيات حماية الحقوق والمساعدة الاحترافية من قبل القائمين على مهن المحاماة.
هذا المواطن العادي يواجه اليوم في مصر النزوع المستمر للسلطوية الحاكمة لتمرير قوانين تستند في صياغة موادها وبنودها إلى مفاهيم فضفاضة وعبارات مطاطية وإحالات بالغة الغموض لطبيعة الفعل المقبول ولمضاده المرفوض، وتستدعي سياقات بالغة الاختلاط لمساحات وأنماط وتفاصيل الفعلين ملغية بذلك قدرة المواطن على الفهم والإدراك الرشيد وتجرده بالتبعية من ضمانات الحقوق والحريات. بل أن تلك القوانين تعرض المواطن وعلى نحو ممنهج وعبر طيف واسع من الإجراءات العقابية للقيود وللقمع وللتهديد الدائم لإنزالهما به حال عدم خضوعه للإرادة الرسمية.
يقنن الاستثناء ويمارس القمع على نحو ممنهج لإبعاد الناس عن التعبير الحر عن الرأي وإسكات الأصوات والمجموعات المدافعة عن الديمقراطية ومعاقبتها حال عدم الامتثال للصمت المطلوب بشأن انتهاكات الحقوق والحريات
المواطن العادي، وهو الذي يظل تمكينه وصون كرامته وحقوقه وحرياته أساس العدل والسلم الأهلي والتنمية المستدامة والدولة الوطنية القوية، يستيقظ يوميا في مصر على مواد قانون للتظاهر يجرم التظاهر السلمي وبنود قانون للكيانات الإرهابية والإرهابيين مليئة بالمفاهيم الفضفاضة والعبارات المطاطية وتعديلات في قوانين العقوبات والإجراءات الجنائية وقوانين الإعلام والصحافة والعمل النقابي تجرد الناس من حقوق وحريات أصيلة وتجعل من القمع أداة السلطوية الأقرب إلى الاستخدام لمنع الحراك الشعبي السلمي ولإغلاق الفضاء العام. ولكي يصبح القليل المتبقي من حقوق وحريات المواطن مرهونا بإرادة الحكم، يقنن الاستثناء. فتعلن حالة الطوارئ ويتجدد تمديدها بقرارات لرئيس الجمهورية وموافقات مضمونة سلفا للبرلمان، ويستنفر أتباع السلطوية للدعوة إلى تعديل دستور 2014 على نحو يراد منه تمكين الرئيس من البقاء على مقعده لسنوات عديدة قادمة وتفريغ النص الدستوري الخاص بتحديد فترات الرئاسة من المضمون وابتداع أدوات إضافية لإطالة عمر الاستبداد (حديث المجلس الرئاسي).
بأدوات واستراتيجيات متنوعة، تسعى السلطوية الحاكمة إلى أن تفرض على المواطن قبول كل ذلك كالسبيل الوحيد للانتصار للمصلحة الوطنية والصالح العام وأهداف إخراج المجتمع من أزماته المتراكمة والحفاظ على الدولة وتماسك مؤسساتها وأجهزتها. يقنن الاستثناء ويمارس القمع على نحو ممنهج لإبعاد الناس عن التعبير الحر عن الرأي وإسكات الأصوات والمجموعات المدافعة عن الديمقراطية ومعاقبتها حال عدم الامتثال للصمت المطلوب بشأن انتهاكات الحقوق والحريات، ثم توظف السلطوية هيمنتها على البرلمان وعلى وسائل الإعلام التقليدية لإنتاج ما تسميه «القراءة الوطنية» لأحوال البلاد عبر شبكة من المقولات المترابطة مثل «لا صوت يعلو على صوت الحرب على الإرهاب»، «إنقاذ المجتمع والدولة والدفاع عن أمننا القومي يستدعيان الالتفاف حول الرئاسة والسلطة التنفيذية»، «نحن في مصر نحترم سيادة القانون ونصون كل الحقوق والحريات ومن بينها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ونواصل بناء الديمقراطية»، «من يعارضون القوانين والإجراءات التي تمكن الدولة من مواجهة الإرهاب يخونون مصر ويتآمرون على الوطن»؛ وغيرها من المقولات التي يروج لها في أروقة البرلمان وفي وسائل الإعلام المدارة استخباراتيا وأمنيا.
وما أن تنتج «القراءة الوطنية» لأوضاعنا وأحداث حياتنا اليومية ويروج لكونها القراءة الوحيدة المتسقة مع مصلحة مصر وصالح أهلها، حتى تشرع السلطوية الحاكمة والنخب الاقتصادية والمالية والإعلامية المتحالفة معها في توظيف طيف من الأدوات والاستراتيجيات اللاحقة لإقناع قطاعات شعبية واسعة بصدق القراءة الرسمية وبفساد القراءات البديلة التي تتبناها الأصوات والمجموعات المدافعة عن الديمقراطية. ومن بين تلك الأدوات والاستراتيجيات اللاحقة التي يتكرر توظيفها، تظهر في الواجهة أداة الإنكار العلني لحدوث انتهاكات للحقوق وللحريات وتظهر أداة استدعاء «مقتضيات الحرب على الإرهاب» لإسكات أصوات المعارضين السلميين وتظهر أيضا استراتيجية تبرير السلطوية والاستثناء في بر مصر بالإحالة إلى الاستثناء المحيط بها إقليميا (الاستبداد العربي) وبالصعود العالمي لأعداء الديمقراطية (من ترامب وبوتين والحكم الشيوعي في الصين إلى حركات اليمين المتطرف التي تهدد حكومات أوروبا الديمقراطية).
من بين مرتكزات العدل كقيمة أخلاقية وواقع معاش وسيادة القانون كإطار لإدارة ترابطات المواطن والمجتمع والدولة والتشريع كمسؤولية عامة تتجدد مضامينها باستمرار لتحقيق صالح الناس والاستجابة للنواقص والاختلالات والأزمات الحاضرة والتطلع إلى مستقبل أفضل، يأتي في موقع أساسي الحق الأصيل للمواطن في أن يفهم بوضوح القوانين التي تنظم حياته في مجاليها الخاص والعام، وتعين مساحات وأنماط وتفاصيل الفعل المقبول ومضاده إن لجهة العلاقات بين المواطنين أو لجهة تعاملاتهم مع سلطات المجتمع العامة ومؤسسات وأجهزة الدولة، وتعرف أيضا الإجراءات العقابية حال تورط المواطن في فعل مرفوض يتحول بمقتضى القوانين إلى فعل مجرم وتحدد طرق التقاضي الناجز وأدوات الدفاع.
بعبارة بديلة، يغيب العدل وتتراجع سيادة القانون وتنحرف الوظيفة التشريعية عن جوهرها ما أن يعجز المواطن عن فهم مواد وبنود القوانين المحيطة به وما أن تنتفي قدرته على الإدراك المباشر لطبيعة الفعل المقبول قانونا ولمضاده المرفوض ـ المجرم وللعقوبات المحتملة ولضمانات التقاضي والدفاع. والمواطن المشار إليه هنا هو المواطن العادي الذي يستطيع إعمال العقل لفهم القوانين، ويستطيع أيضا لأغراض الفهم والإدراك الدقيق الاعتماد على المساعدة المتخصصة من قبل جمعيات حماية الحقوق والمساعدة الاحترافية من قبل القائمين على مهن المحاماة.
هذا المواطن العادي يواجه اليوم في مصر النزوع المستمر للسلطوية الحاكمة لتمرير قوانين تستند في صياغة موادها وبنودها إلى مفاهيم فضفاضة وعبارات مطاطية وإحالات بالغة الغموض لطبيعة الفعل المقبول ولمضاده المرفوض، وتستدعي سياقات بالغة الاختلاط لمساحات وأنماط وتفاصيل الفعلين ملغية بذلك قدرة المواطن على الفهم والإدراك الرشيد وتجرده بالتبعية من ضمانات الحقوق والحريات. بل أن تلك القوانين تعرض المواطن وعلى نحو ممنهج وعبر طيف واسع من الإجراءات العقابية للقيود وللقمع وللتهديد الدائم لإنزالهما به حال عدم خضوعه للإرادة الرسمية.
يقنن الاستثناء ويمارس القمع على نحو ممنهج لإبعاد الناس عن التعبير الحر عن الرأي وإسكات الأصوات والمجموعات المدافعة عن الديمقراطية ومعاقبتها حال عدم الامتثال للصمت المطلوب بشأن انتهاكات الحقوق والحريات
المواطن العادي، وهو الذي يظل تمكينه وصون كرامته وحقوقه وحرياته أساس العدل والسلم الأهلي والتنمية المستدامة والدولة الوطنية القوية، يستيقظ يوميا في مصر على مواد قانون للتظاهر يجرم التظاهر السلمي وبنود قانون للكيانات الإرهابية والإرهابيين مليئة بالمفاهيم الفضفاضة والعبارات المطاطية وتعديلات في قوانين العقوبات والإجراءات الجنائية وقوانين الإعلام والصحافة والعمل النقابي تجرد الناس من حقوق وحريات أصيلة وتجعل من القمع أداة السلطوية الأقرب إلى الاستخدام لمنع الحراك الشعبي السلمي ولإغلاق الفضاء العام. ولكي يصبح القليل المتبقي من حقوق وحريات المواطن مرهونا بإرادة الحكم، يقنن الاستثناء. فتعلن حالة الطوارئ ويتجدد تمديدها بقرارات لرئيس الجمهورية وموافقات مضمونة سلفا للبرلمان، ويستنفر أتباع السلطوية للدعوة إلى تعديل دستور 2014 على نحو يراد منه تمكين الرئيس من البقاء على مقعده لسنوات عديدة قادمة وتفريغ النص الدستوري الخاص بتحديد فترات الرئاسة من المضمون وابتداع أدوات إضافية لإطالة عمر الاستبداد (حديث المجلس الرئاسي).
بأدوات واستراتيجيات متنوعة، تسعى السلطوية الحاكمة إلى أن تفرض على المواطن قبول كل ذلك كالسبيل الوحيد للانتصار للمصلحة الوطنية والصالح العام وأهداف إخراج المجتمع من أزماته المتراكمة والحفاظ على الدولة وتماسك مؤسساتها وأجهزتها. يقنن الاستثناء ويمارس القمع على نحو ممنهج لإبعاد الناس عن التعبير الحر عن الرأي وإسكات الأصوات والمجموعات المدافعة عن الديمقراطية ومعاقبتها حال عدم الامتثال للصمت المطلوب بشأن انتهاكات الحقوق والحريات، ثم توظف السلطوية هيمنتها على البرلمان وعلى وسائل الإعلام التقليدية لإنتاج ما تسميه «القراءة الوطنية» لأحوال البلاد عبر شبكة من المقولات المترابطة مثل «لا صوت يعلو على صوت الحرب على الإرهاب»، «إنقاذ المجتمع والدولة والدفاع عن أمننا القومي يستدعيان الالتفاف حول الرئاسة والسلطة التنفيذية»، «نحن في مصر نحترم سيادة القانون ونصون كل الحقوق والحريات ومن بينها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ونواصل بناء الديمقراطية»، «من يعارضون القوانين والإجراءات التي تمكن الدولة من مواجهة الإرهاب يخونون مصر ويتآمرون على الوطن»؛ وغيرها من المقولات التي يروج لها في أروقة البرلمان وفي وسائل الإعلام المدارة استخباراتيا وأمنيا.
وما أن تنتج «القراءة الوطنية» لأوضاعنا وأحداث حياتنا اليومية ويروج لكونها القراءة الوحيدة المتسقة مع مصلحة مصر وصالح أهلها، حتى تشرع السلطوية الحاكمة والنخب الاقتصادية والمالية والإعلامية المتحالفة معها في توظيف طيف من الأدوات والاستراتيجيات اللاحقة لإقناع قطاعات شعبية واسعة بصدق القراءة الرسمية وبفساد القراءات البديلة التي تتبناها الأصوات والمجموعات المدافعة عن الديمقراطية. ومن بين تلك الأدوات والاستراتيجيات اللاحقة التي يتكرر توظيفها، تظهر في الواجهة أداة الإنكار العلني لحدوث انتهاكات للحقوق وللحريات وتظهر أداة استدعاء «مقتضيات الحرب على الإرهاب» لإسكات أصوات المعارضين السلميين وتظهر أيضا استراتيجية تبرير السلطوية والاستثناء في بر مصر بالإحالة إلى الاستثناء المحيط بها إقليميا (الاستبداد العربي) وبالصعود العالمي لأعداء الديمقراطية (من ترامب وبوتين والحكم الشيوعي في الصين إلى حركات اليمين المتطرف التي تهدد حكومات أوروبا الديمقراطية).
القدس العربي