مع استمرار الانتصارات التي تحققها قوات المعارضة السورية، وتقدم “جيش الفتح” المكون من جيوش عدة منظمات معارضة، باتجاه دمشق؛ بدأ السؤال: هل سيلجأ بشار الأسد (مثل بقية العلويين الهاربين) وقواته إلى المناطق الساحلية ومدينة اللاذقية، معقل عشيرته؟ أم يفضل اللجوء إلى دولة أخرى؟ وما هي هذه الدولة التي سيلجأ إليها الأسد وتوافق على منحه حقّ اللجوء السياسي؟
فبعد دخول تنظيم الدولة الإسلامية مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين (جنوبي العاصمة) مطلع أبريل الماضي، إضافة إلى تقدم فصائل المعارضة المسلحة في إدلب (شمال البلاد)، ودرعا (جنوبها)؛ بات سكان العاصمة يشعرون بأن مدينتهم -التي بقيت “آمنة” خلال السنوات الأربع الماضية- قد تلقى مصيرًا مشابهًا لمدن وبلدات أخرى من معارك ودمار وتشرد، برغم أن قوات الأسد المنسحبة تتحصن بها.
رئيس تحرير صحيفة “الوطن” السورية، وهي تابعة للنظام، كتب يؤكد ضمنًا أن الجيش السوري يهرب باتجاه الداخل في سوريا نحو دمشق، وبرر ذلك بقوله: “من الواضح تمامًا أن الجيش السوري انسحب من أجل الدفاع عن المدن الكبرى؛ حيث يوجد القسم الأكبر من السكان الذين هربوا من مقاتلي الدولة الإسلامية وجبهة النصرة“.
سقوط 13 معبرًا من 20
بحسب تقارير المعارضة واعترافات سورية، نجحت المعارضة السورية في السيطرة على 13 معبرًا حدوديًا لدول الجوار السوري من أصل 20، ولم يعد نظام الأسد يسيطر حاليًا إلا على سبعة معابر برية فقط، معظمها لا يعمل، من بين 20 معبرًا كانوا بيده في بداية عام 2011.
ومع سقوط هذه المعابر، كانت فرصة بشار الأسد للهرب منها باتجاه دول أخرى تتضاءل؛ ففي نهاية شهر مايو الماضي، سقط معبر (الوليد) الحدودي مع العراق بأيدي داعش؛ ليفقد الأسد بذلك الملاذ الأخير له إلى العراق.
ومع سقوط المزيد من المدن، وتهاوي الجيش السوري (آخره الوحدة القتالية 52)، وهرب قادته تجاه دمشق أو المدن الساحلية، والموت البطيء للنظام؛ أصبح الحديث في التقارير الغربية وفي إسرائيل يدور حول توقيت هروب الأسد، وإلى أي دولة يخطط الرئيس السوري، للجوء إليها، وهل يضطر في النهاية لعدم الهرب والبقاء في معقل طائفته العلوية في اللاذقية على الساحل معتمدًا على دعم روسي؛ حيث القاعدة الروسية البحرية هناك، أو ترتيبات إقليمية لتقسيم سوريا وبقاء أقاليم الساحل بيد العلويين؟ أم تطرده عشيرته العلوية من اللاذقية خشية أن يحاول المقاتلون اقتحامها أيضًا ويضطر إلى الفرار مع زوجته وأبنائه الثلاثة إلى دولة داعمة له؟
اللجوء إلى ساحل اللاذقية
السيناريو الأول: اللجوء إلى الداخل لا الخارج، إلى اللاذقية معقل عشيرته العلوية؛ وهو سيناريو مطروح منذ عام 2012، عندما نجحت المعارضة خلال معاركها الأولى في حصاره والاستيلاء على مدن عديدة قبل خسارتها، وأشارت له صحيفة “صنداي تايمز” البريطانية في ديسمبر 2012 نقلًا عن مصدر روسي قال إن خطة هروب الأسد من دمشق بعد سقوطها في أيدي الثوار تتضمن في أسوأ الأحوال الانتقال إلى “بلدة علوية ساحلية” مطلة على البحر الأبيض المتوسط، في إشارة إلى الاذقية؛ حيث سيخوض من هناك آخر معاركه في سوريا.
ويعيد هذا إلى الأذهان سيناريو هروب العقيد الليبي معمر القذافي من العاصمة طرابلس إلى بلدة “بني وليد”، وتنقله من مدينة إلى أخرى من تلك التي يسكنها مؤيدون له؛ ما يعني أن الأسد ربما يتبنى نفس أسلوب القذافي في مرحلة ما بعد سقوط العاصمة بأيدي الثوار.
وذكرت الصحيفة البريطانية أن المصدر الروسي الذي كشف لها خطة هروب الأسد من دمشق، كان قد التقى الرئيس السوري شخصيًا عدة مرات خلال الثورة التي بدأت في شهر مارس 2011، وقال إن القوات التابعة للرئيس الأسد تستعد لمواصلة القتال لعدة شهور قادمة حتى في مرحلة ما بعد سقوط دمشق، وذلك عبر استغلال التضاريس الجبلية الصعبة، وكذلك بغطاء ومساعدة من بعض السكان المتعاطفين والمؤيدين للأسد، كما فعل القذافي.
ونقلت “صنداي تايمز” عن مصادر استخبارية أن “سبع كتائب على الأقل من المقاتلين الموالين للأسد، ومعهم صواريخ باليستية، انتقلوا إلى منطقة علوية، في وقت مبكر؛ استعدادًا لاحتمال سقوط دمشق، وأن واحدة من هذه الكتائب على الأقل تم تسليحها بالأسلحة الكيماوية“.
ولكن، حتى هذا الخيار (معقل العلويين في اللاذقية) من الصعب تحقيقه حاليًا؛ ففي معقل العلويين على طول ساحل البحر المتوسط، هناك من باتوا -من العلويين- يعتبرون استضافة عائلة الأسد بمثابة انتحار لهم، ويتردد أن هناك جدالًا حادًا بين أنصار الأسد في اللاذقية وبين المعارضين لقدومه، الذين يقولون إنه في حال سقطت دمشق وقرر الأسد الانتقال إلى اللاذقية فقد يشكل ذلك حافزًا كبيرًا للثوار للانتقام منهم لاستضافتهم له.
اللجوء إلى لندن
السيناريو الثاني: اللجوء إلى لندن. لكنه اختيار صعب نسبيًا؛ لأنه يحتاج ترتيبات سياسية مسبقة، فضلًا عن أن لندن قد تضطر لتسليمه أو محاكمته لو تقدم معارضة بعرائض اتهام ضده تتهمه بجرائم حرب.
ويبرز هذا السيناريو لعدة أسباب، أبرزها أن أسماء الأسد، زوجة بشار، لديها جنسية بريطانية حصلت عليها بالمولد في بريطانيا وغادرت لندن عام 2000 مع زوجها بشار الذي تولى الحكم بعد وفاة والده، ومنذ ذلك الحين وهي تتردد على لندن من حين لآخر، وفي كل مرة تتقدم فيها المعارضة كانت تهرب بأبنائها إلى هناك؛ تحسبًا لتفاقم الأوضاع وسقوط دمشق، بحسب معارضين.
ومؤخرًا، نقلت مصادر لبنانية مقربة من الشأن السوري، وذات صلات بالنظام السوري وحزب الله اللبناني، أن زوجة الرئيس السوري بشار الأسد طلبت إذنًا من الدوائر البريطانية للإقامة مع أبنائها في بريطانيا، مرجحة أن ذلك تم عن طريق والدها؛ حيث يحتاج أمر مثل هذا إلى ترتيبات أمنية من أجل ضمان سلامتها وأبنائها.
وقد أكد هذا معارضون سوريون، وقالوا إنها سافرت بالفعل إلى لندن مؤخرًا وتقيم هناك، أو ذهبت لإعداد مقر الهروب وترتيب استقدام زوجها بشار الذي كان يقيم معها هناك قبل توليه الرئاسة، على خلفية التدهور الأخير في الداخل السوري، وخشية انهيار النظام بشكل سريع يكون من الصعوبة معه تأمين سلامة العائلة.
اللجوء إلى إسبانيا
السيناريو الثالث: إسبانيا. وهذا الخيار قديم، ويرجع إلى عرض قدمته إسبانيا عام 2011 عقب اندلاع الثورة السورية؛ فقد أرسلت حكومة الإسبانية في شهر يونيو 2011 رسالة خاصة إلى الرئيس الأسد عرضت عليه خلالها اللجوء السياسي إلى أراضيها.
ووفقًا لتقارير إعلامية نشرت في ذلك الوقت، فقد حاولت الحكومة الإسبانية وضع حدّ للعنف في سوريا بواسطة عرض لحماية الأسد مقابل تغيير السلطة في البلاد وإيقاف العنف، ولكن الأسد رفض هذا العرض واستمر في سحق معارضيه من الداخل دون أن يأخذ بعين الاعتبار أنه في السنوات القادمة ستتشكل ضده جبهات ثورية مسلحة وجيوش معارضة.
وفي تلك الفترة أيضًا، عرضت دول عربية أيضًا اللجوء على الأسد مقابل استقالته، وهو ما أكده مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط، هيلاري كلينتون، في جلسة استماع أمام مجلس الشيوخ في نوفمبر 2011، ولكن بشرط أن يغادر سوريا؛ إلا أنه رفض عرضهم أيضًا.
والآن، بعدما أصبح القتال في سوريا أكثر تعقيدًا، وغالبية أراضي سوريا في يد تنظيم الدولة أو المعارضة السنية؛ تلاشت الكثير من هذه العروض، وتضاءلت احتمالات لجوء الأسد إلى هذه الدول التي عرضت عليه عروضًا سابقة.
ولكن المفلت هو أن غالبية الدول العربية غير مستعدة حاليًا لاستضافة عائلة الأسد، لا بشار ولا أسماء ولا أبناؤهما الثلاثة ولا أنصارهم؛ خشية ملاحقتها بتهم إيواء ديكتاتور متهم بإبادة شعبه.
اللجوء إلى إيران
السيناريو الرابع: اللجوء إلى إيران. ولكن، لم تعرض إيران هذا السيناريو أو تطرحه، وتاريخها مع داعميها ليس فيه سوابق استضافة قادة داعمين لها، خصوصًا أن استضافتها بشار عقب سقوط نظامه سيزيد من الغضب العربي عليها.
وتقول تقارير غربية وإسرائيلية إنه من غير المعروف إذا كانت إيران، التي توفر حماية مشددة لعائلة الأسد وترسل قوى شيعية للقتال بجانبه، قد عرضت في يوم من الأيام منح اللجوء إلى بشار أو أي من أبناء أسرته المقربين؛ لأن الأسد قد يكون في الوقت الراهن قادرًا على الوقوف والدفاع عما تبقى من سوريا وأنه يستطيع على الأقل الدفاع عن معاقل الأقلية العلوية التي تعيش في الجبال على طول ساحل البحر المتوسط في اللاذقية وطرطوس.
تدرك إيران حجم السكان الشيعة في سوريا، والذين هم جزء من أتباعها؛ حيث يشكل الشيعة العلويون (الطائفة النصيرية) في سوريا نحو 13% من مجموع السكان العام (وفقًا لتقديرات نشرت في وسائل الإعلام، يبلغ تعداد السكان العلويين أكثر من مليوني شخص).
اللجوء إلى روسيا
السيناريو السادس: اللجوء إلى روسيا ضمن صفقة أو حل سياسي، وهذا الخيار طُرح من قبل، ولكن الجديد أنه نوقش خلال قمة الدول السبع التي عقدت في ألمانيا مؤخرًا، في إطار اتفاق بين موسكو والغرب لمكافحة تقدم تنظيم “داعش” في سوريا، وتحدثت عنه صحيفة “الإندبندنت” البريطانية، التي قالت إن هذه الخطة نوقشت بغرض نفي الرئيس السوري بشار الأسد إلى روسيا مقابل حل سياسي.
حيث نقلت الصحيفة عن مصادر دبلوماسية في القمة ترجيحها وجود أرضية مشتركة جديدة بين الغرب وموسكو بغرض التوصل إلى حل سياسي للمأزق السوري، وقالت إن هناك مشاكل وصفت بالكبيرة، ما زالت تعيق التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن سوريا.
وقال مصدر للصحيفة البريطانية: “نحن لا نريد المبالغة. ولكن، يمكن القول إن هناك شعورًا أكبر مما كان عليه قبل عدة أشهر بضرورة إيجاد حل سياسي“.
وفي ختام القمة عبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن رغبتها في العمل مع روسيا لإيجاد حل في سوريا، ووصفت موسكو بأنها “لاعب مهم”، على الرغم من التوترات الحاصلة مع أوكرانيا.
ومن “سخرية الأحداث”، على حد وصف الصحيفة، أن يأتي التفاؤل الجديد بإمكانية رحيل الأسد بالتزامن مع النجاح المتواصل لتنظيم داعش ضد القوات السورية، بالإضافة إلى انتصارات أخرى حققتها المعارضة المعتدلة المدعومة من الغرب.
وكل هذه التطورات دفعت روسيا والولايات المتحدة الأمريكية إلى الاستنتاج بأن السبيل الوحيد لمنع تمدد تنظيم داعش هو تشكيل حكومة جديدة في دمشق، تكون مقبولة على نطاق واسع لكلا البلدين، ومن ثم يمكن دعمها عسكريًا في الحرب ضد التطرف.
ويمكن لمثل هذه الصفقة أن تقود بشار الأسد إلى خارج البلاد في إطار “صفقة لجوء”، خاصة وأن أجزاء كبيرة من النظام الحالي ما زالت سليمة، ويمكن أن تندرج تحت قيادة جديدة، على حد قول الصحيفة.
ووفق المصدر الدبلوماسي الذي تحدث للصحيفة، فإن الرئيس الأمريكي باراك أوباما ورئيس الوزراء البريطاني (ديفيد كاميرون) تبادلا حوارًا صريحًا حول الوضع على أرض الواقع، وقدرة المعارضة المعتدلة في السيطرة على الأرض، مشيرًا إلى أن كلا الزعيمين شدد على أهمية العملية السياسية، مؤكدًا أن الفكرة الأساسية دارت حول إمكانية العمل مع الروس من أجل انتقال القيادة الحالية في سوريا إلى قيادة جديدة، موضحًا أن كاميرون تحدث إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بهذا الشأن، كما أن الخطة تمت مناقشتها من قبل مع وزير الخارجية الأمركي جون كيري خلال زيارته الأخيرة لموسكو.
وقد تردد أن النظام الروسي أرسل في الماضي رسالة للأسد بأنه سيدرس إمكانية انتقال عائلته فقط (زوجته والأطفال) إلى موسكو.
اللجوء إلى أمريكا اللاتينية
الخيار السابع: اللجوء إلى أمريكا اللاتينية. ففي عام 2013، ذكرت مصادر سورية معارضة أن الأسد يدرس خيار اللجوء في دول لاتينية مثل كوبا أو فنزويلا أو الإكوادور، وأنه أرسل مبعوثين لتلك الدول من أجل دراسة خيار الهروب، وهو خيار يبدو أخيرًا لو فشلت كل الخيارات الأخرى ونجح الأسد في الهروب بالفعل، ولكن الدولة التي ستستقبله ستضحي بالتالي بعلاقتها مع النظام الجديد في سوريا.
جمال محمد
التقرير