شكل 23 يونيو/حزيران 2016 يوما فاصلا في تاريخ المملكة المتحدة التي استيقظت على نتائج استفتاء شعبي يطالبها بتطليق الاتحاد الأوروبي بعد زواج استمر قرابة 44 عاما.
وبين احتفالات المؤيدين لمغادرة بريطانيا وأحزان المتمسكين بالوحدة مع أوروبا، دخلت بريطانيا العظمى دوامة من عدم الاستقرار والانقسام، ما زالا يهيمنان على المشهد حتى كتابة هذا التقرير، إذ أجلت رئيسة الوزراء تيريزا ماي -التي نجت بأعجوبة من العزل- التصويت على خطتها لمغادرة الاتحاد الأوروبي حتى النصف الثاني من يناير/كانون الثاني 2019.
المشهد اليوم في بريطانيا يمكن وصفه بأنه “أزمة وطنية” وليست سياسية فقط، ماي وخطتها تترنحان، فيما تستمر حالة الشك لدى الشارع البريطاني الذي لا يعلم كيف ستغادر بلاده النادي الأوروبي، ويحبس الجميع الأنفاس بانتظار صبيحة يوم 29 مارس/آذار 2019، إذ ببزوغ شمس ذلك اليوم ستكون بريطانيا خارج الاتحاد الأوروبي، ما لم تحدث مفاجآت.
ما معنى بريكست؟
“بريكست” هو تعريب لكلمتين إنجليزيتين اختصرتا في كلمة واحدة، هما: “Britain exit”، بمعنى الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، والذي تقرر في استفتاء عام صوت فيه البريطانيون يوم 23 يونيو/حزيران 2016 بنسبة 51.9% لصالح مغادرة بلادهم النادي الأوروبي الذي انضموا له عام 1973.
لماذا قررت بريطانيا مغادرة الاتحاد الأوروبي؟
القرار الحكومي جاء تنفيذا لنتائج الاستفتاء الشعبي المشار له أعلاه، والذي قرر فيه الشعب ما إذا كان على المملكة المتحدة المغادرة أو البقاء في الاتحاد الأوروبي، وصوت الناخبون فيه بنسبة 51.9% لصالح مغادرة الاتحاد، فيما قال 48.1% بالبقاء في الاتحاد.
ما الأسباب التي ساقها داعمو الخروج ؟
ادعى داعمو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أن تدني مستوى الخدمات الصحية، وتراجع مستوى الرفاه في بريطانيا، يعود لتدفق أعداد كبيرة من المهاجرين وامتصاصهم لخيرات البلاد.
وقاد زعيم حزب الاستقلال وقتذاك نايجل فراج “لوبي” للضغط من أجل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومال له معظم أصحاب النزعات اليمينية المناهضة للهجرة، كما أثر بشكل بالغ على الرأي العام.
وإضافة للتخويف من الهجرة، قال داعمو الخروج إن بلادهم لم تعد تسيطر على حدودها وقراراتها التي “تصاغ في بروكسل”.
متى انضمت المملكة المتحدة للاتحاد الأوروبي؟
انضمت بريطانيا للنادي الأوروبي عام 1973. ويذكر أن تأسيس الاتحاد الأوربي يعود إلى 18 أبريل/نيسان 1951، بعد اجتماع ست دول أوروبية هي: فرنسا وألمانيا وبلجيكا ولوكسمبورغ وهولندا وإيطاليا، واتفاقها على تشكيل المجموعة الأوروبية للفحم والصلب، لتكون النواة الأولى لقيام المجموعة الاقتصادية الأوروبية ثم الاتحاد الأوروبي.
ما انعكاسات الخروج على المملكة المتحدة؟
عقب التصويت لصالح الخروج، تراجعت قيمة الجنيه الإسترليني 10% مقابل الدولار، واستمر في الهبوط، ولكن لم تحدث أزمة اقتصادية كما توقع رئيس الوزراء البريطاني وقتئذ ديفيد كاميرون.
أي مرحلة بريكست الآن؟
وصلت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي إلى مسودة اتفاق للخروج من الاتحاد الأوروبي وأقرته حكومتها في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، لكن حزب المحافظين الحاكم نفسه انقسم على هذا الاتفاق وتحرك 48 نائبا لطرح الثقة من ماي، فضلا عن رفض حزب العمال المعارض له وكذلك الحزب الإيرلندي.
وفي ظل الانقسام الحاد في مجلس العموم إزاء الاتفاق، لجأت رئيسة الوزراء لتأجيل التصويت عليه إلى منتصف يناير/كانون الثاني الحالي، مهددة بأنه في حال رفضه فإن بريطانيا ستخرج دون اتفاق، وهو ما يعرف بالـ”هارد بريكست”.
ما الـ”هارد بريكست”؟
مصطلح يرمز إلى احتمالية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق بين الطرفين على شكل العلاقة المستقبلية في المجالات المختلفة، مما سيهدد تحديدا الأعمال التجارية ومستقبل إقامة الأفراد في الجهتين.
وسينعكس هذا الخيار -لو حدث- سلبا مباشرة على قطاع الأعمال وعلى حرية تنقل الأفراد، إذ إن البقاء في السوق المشتركة هو ضمانة لاستمرار التعاون الاقتصادي بين الطرفين، خاصة أن لندن تعد عاصمة للمال والأعمال، وفي حال لم يتم الوصول لاتفاق فإن هذه الأمور كلها ستكون غامضة ومعقدة، إضافة إلى مستقبل البريطانيين الموجودين في أوروبا والأوروبيين المقيمين في بريطانيا.
ما مستقبل الأوروبيين المقيمين إذا خرجت لندن من الاتحاد دون اتفاق؟
الاتفاق الذي توصلت له تيريزا ماي مع الاتحاد الأوروبي يقضي بحق الأوروبيين المقيمين في بريطانيا -والبالغ عددهم 3.2 مليون- بالبقاء فيها والتمتع بحقوقهم كاملة في الإقامة الدائمة، والمثل للبريطانيين المقيمين في أوروبا.
لكن في حال عدم مرور مشروع تيريزا ماي في مجلس العموم، فإن وضع الأوروبيين في بريطانيا سيكون غامضا، فقد يحتاجون إلى إقامات أو تأشيرات، وكذلك البريطانيين المقيمين في أوروبا، رغم تأكيد رئيسة الحكومة على أن الوضع سيبقى على ما هو عليه بخصوصهم حتى لو تم الخروج دون اتفاق.
متى تاريخ الخروج؟
بحلول الساعة 11 مساء بتوقيت لندن من يوم الجمعة 29 مارس/آذار 2019، تكون بريطانيا خارج الاتحاد الأوروبي، إذا لم توقف إجراءات الخروج أو إذا لم يتم تمديد بقائها في الاتحاد مؤقتا بموافقة الأعضاء الـ28.
وقد قضت المحكمة الأوروبية بحق بريطانيا إعلان توقيف إجراءات الخروج دون الحاجة لموافقة باقي أعضاء الاتحاد.
ما السيناريوهات المتوقعة؟
تمرير مشروع تيريزا ماي في البرلمان والخروج باتفاق وهو ما يسمى “سوفت بريكست”.
وفي حال فشل ماي في تمرير مشروعها فإما: الخروج دون اتفاق (هارد بريكست)، أو الإطاحة بتيريزا ماي و إجراء انتخابات عامة، أو الدعوة إلى إجراء استفتاء شعبي ثان على العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، أو إلغاء الخروج .
هل يمكن تمديد بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي؟
تمديد فترة البقاء تحتاج إلى موافقة الدول الأعضاء الـ28 في الاتحاد الأوروبي، أما إلغاء الخروج فتستطيع بريطانيا أن تقرره في أي لحظة قبل 29 مارس/آذار القادم، دون الحاجة إلى موافقة الأعضاء.
وأحدث ما نشر حول مستقبل بريكست هو التقرير الذي نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، وأفاد بأن المشرعين يخططون لتأجيل الموعد النهائي لإتمام البريكست حال فشل رئيسة الوزراء تيريزا ماي في الحصول على موافقة البرلمان خلال يناير/كانون الثاني.
وأوضح التقرير -نقلا عن كبار أعضاء البرلمان- أن كلا من حزب المحافظين وحزب العمال يخططان لتأجيل الموعد النهائي لمغادرة بريطانيا عضوية الاتحاد الأوروبي، لتكون يوليو/تمموز المقبل بدلا من مارس/آذار.
الجزيرة