منذ زيارة جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي، إلى إسرائيل الأسبوع الماضي، لم تصدر القدس أي بيان رسمي عن مضمون المحادثات التي أجراها مع نظرائه الإسرائيليين في موضوع علاقات إسرائيل ـ الصين. ومع ذلك، فإن محللين وصحافيين واصلين إلى كبار المسؤولين الإسرائيليين، أفادوا بأن إسرائيل في عملية تصميم للسياسة في المواضيع التي طرحها المندوبون الأمريكيون، وأن طواقم إسرائيلية ستبلور رزمة ترتيبات تتقرر بواسطتها هذه المجالات الحساسة.
يبدو أن سياسة «السير بين القطارات» الإسرائيلية استنفدت نفسها تجاه القوتين العظميين، وأنه قريباً ستعرف المنظومات الإسرائيلية، سواء في مجال الأمن أم في مجال التجارة والاستثمار، لمن تتجه وممن تأخذ الاستشارات والتعليمات. وفي هذه الأثناء، فإن القدس الرسمية تصمت. لقد سبق الخطوة الأمريكية الأسبوع الماضي سلسلة طويلة من اللقاءات بين محافل أمريكية رسمية، عاملة وسابقة، مع أصدقائها في البلاد، وعلى ألسنتها كانت رسائل متشابهة تحذر من القلق الأمريكي المتصاعد من الانفتاح المبالغ فيه لإسرائيل تجاه الصين.
وقد اجمعت هذه المصادر، سواء من الإدارات الحالية أم السابقة، وأبرزت وحدة في الرأي في الولايات المتحدة بين الحكم والأوساط الأكاديمية في هذه المسألة. فتطور المعرفة والتكنولوجيا الذي نفتخر به لا يعتمد على تميزنا الذاتي فقط، بل وأيضاً على التعاون الحيوي مع رجال المعرفة والتكنولوجيا في الولايات المتحدة وفي غرب أوروبا. في هذا السياق برزت أهمية لبيان الاتحاد الأوروبي قبل نحو شهر بأن القارة ستكون مطالبة بفحص عميق للعلاقات مع الصين في مواضيع «الموانئ والتكنولوجيا». فإذا كان الأمريكيون والأوروبيون سيخشون من أن تتطور إسرائيل إلى مكان تتمكن فيه الصين من نيل قدرة على الوصول إلى الأسرار التجارية والعلمية ـ فإن إنجازات إسرائيل في العقود الأخيرة ستشهد خطراً وجودياً. وهذا ليس قولاً بلا أساس. ليس ثمة أحد في إسرائيل يعتقد أنه يمكن تجاهل الصين التي توسع تواجدها أو نفوذها في منطقتنا. فالعلاقات التجارية مع القوة العظمى الإقليمية الجديدة هذه مطلوبة ومرحب بها، ومن أجل تطويرها عرفت إسرائيل في السنوات الأخيرة كي تتجاهل علناً أن الصين هي مستثمرة استراتيجية في إيران، سواء في المستوى الأمني أم في المستوى الصناعي ـ الاستراتيجي. وهي لم تطلب من الصين، لا علناً ولا في الخفاء، أن تنسحب من الاتفاق النووي للقوة العظمى بقيادة الرئيس اوباما. مثل روسيا، تتمتع الاثنتان بـ «حصانة إسرائيلية» كاملة. يمكن أن نتفهم هذا التجاهل المزدوج، ولكن إلى جانبه ثمة حذر خاص مطلوب من أجل خدمة مصالحنا الحيوية.
في الصين خليط من الاقتصاد الحر والاقتصاد بملكية الحكم. نحو مئة في شركة صينية كبرى تطلق أذرعها نحو أرجاء المعمورة. وقراراتها لشراء الأملاك أو النشاط الاقتصادي تتخذ من جانبها على أساس الأهمية الاقتصادية وللاعتبارات السياسية أيضاً. وبناء على ذلك، فإن بناء وتشغيل موانئ في أرجاء العالم تتم من قبل شركات صينية حكومية. وحتى الشركات الصينية الكبرى بملكية خاصة تخضع لإمرة الاستراتيجية الحكومية.
تعمل الصين هذه الأيام على تثبيت نفسها كقوة عظمى متواجدة في الحوض الشرقي للبحر المتوسط. وفي الوقت نفسه فإن إيران أيضاً، حليفتها، تعلن عن نوايا للتمترس في هذه المنطقة. عندما تبحر روسيا والصين وإيران في شرق البحر المتوسط تعطي صداها في آذاننا أقوال قائد سلاح البحرية الأمريكية السابق، الادميرال غاري رفهت، صديق إسرائيل، الذي قال إن التواجد الصيني على مقربة من المكان، كما يخطط له الآن، ستضع مصاعب أمام السفن الحربية الأمريكية للرسو في حيفا كميناء بيتي.
هناك مجالات واسعة للتعاون بين الصين وإسرائيل، واستغلالها مطلوب جداً لاقتصادنا. ولكن قاعدة متينة لاستمرار ناجح يستوجب إرادة طيبة متبادلة صينية ـ إسرائيلية وحماية حريصة لذخائرنا الحديدية مثل المصالح المتمثلة بمرسانا الاستراتيجي في واشنطن.
القدس العربي