وصل إلى دمشق المبعوث الأممي الجديد إلى سوريا، النرويجي غير بيدرسون، مستهلاً أولى المهام في نطاق عمله خلفاً للمبعوث السابق الإيطالي ــ السويسري ستافان دي مستورا، حاملاً معه سيرة شخصية زاخرة بالأعمال الدبلوماسية ذات الطابع الدولي، وخبرة طويلة في ميادين التفاوض الشاق على نحو خاص. لقد كان أحد أبرز مهندسي مفاوضات أوسلو السرية التي مهدت للاتفاقيات المعروفة بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الاحتلال الإسرائيلي مطلع تسعينيات القرن الماضي، كما عمل ممثلاً لبلاده في الأمم المتحدة، ومنسقاً خاصاً وكيلاً للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان، وممثلاً لبلاده لدى منظمة التحرير الفلسطينية، وفي الصين وألمانيا.
ولكن لأن بيدرسون يخلف ثلاثة مبعوثين سابقين، هم كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي ودي ميستورا، وأن الفشل كان حصيلة سبع سنوات من عمل هؤلاء الذين لم تكن تنقصهم الخبرة، فإن ما يحتاج إليه المبعوث الجديد يتجاوز بكثير سجل الخبرة الطويلة وعديد الوظائف. لقد سارع أنان إلى تقديم استقالته من المهمة قبل أن يكمل ستة أشهر، وحذا الإبراهيمي حذوه قبل أن يكمل السنتين، ولم يتخلف دي مستورا عنهما رغم تشبثه بالمنصب أربع سنوات. وفي كل مرة كان السبب الجوهري هو أن المنظمة الدولية لا تملك على الأرض أية إرادة فعلية تتجاوز إرادات القوى الخارجية المتورطة مباشرة في الملف السوري، وخاصة روسيا وإيران والولايات المتحدة وتركيا، إلى جانب أن مصلحة النظام السوري اقتضت دائماً اتباع سياسة المراوغة والتملص، بمساندة من موسكو وطهران.
فالمبعوث الجديد يصل إلى دمشق وقد سبقته اشتراطات روسية مفادها أنّ عليه البدء مما انتهت إليه منصات جنيف وأستانة وسوتشي، أي الانطلاق من مقاربة موسكو على وجه التحديد، وهي التي قامت على المماطلة في جميع مسارات التفاوض، وكسب الوقت لحسم الموقف على الأرض بوسائل عسكرية، وإفشال الصياغات ذاتها التي توصل الكرملين إليها مع واشنطن تحت مسمى «مناطق خفض التصعيد». كذلك يصل بيدرسون والولايات المتحدة تتخبط بين خيارات الانسحاب أو البقاء المقنّع، ليس دون الدخول في توتر مع المشروع التركي في الشمال السوري والتخلي التدريجي عن الحلفاء الأكراد في آن معاً، وليس دون منح الطيران الحربي الإسرائيلي الضوء الاخضر كي يسرح ويمرح في الأجواء السورية.
وهكذا فإن بيدرسون لا يملك أي عصا سحرية غير التي توهم امتلاكها ثلاثة من أسلافه، فبقيت فاعليتها محدودة ومشلولة بين خرافات متلاحقة أبرزها قرار الأمم المتحدة 2254 والتعديلات الدستورية والانتخابات الرئاسية بإشراف المنظمة الدولية. لكن المبعوث الجديد يستطيع بالفعل إحداث تغيير نوعي في السيرورة بأكملها، وذلك إذا أحسن استغلال حاجة موسكو الملحة إلى دعم «المجتمع الدولي»، أي الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أساساً، في توفير الأموال اللازمة لإطلاق عمليات إعادة إعمار سوريا، التي تأمل موسكو ان تحظى منها بحصة الأسد. وإذا نجح بالتالي في ربط تدفق تلك الأموال بإحراز تقدم ملموس على صعيد العملية السياسية وتغيير بنية النظام، فإن من الممكن أن ترضخ موسكو بالفعل وأن تجبر الأسد على الرضوخ.
وسوى ذلك، يصعب أن ينجح المبعوث الجديد في ما عجز عنه ثلاثة من القدماء قبله.
القدس العربي