ما بين السنة والشيعة: هل يتحول الاشتباك إلى التشابك؟

ما بين السنة والشيعة: هل يتحول الاشتباك إلى التشابك؟

أصبح من الواضح أن طغيان البعد الطائفي على السياسة في معظم المجتمعات العربية، وتغلغل التشدد المذهبي في قضايا الفكر والعمل السياسي والحياة اليومية، هو الخطر الأكبر الذي يهدد بناء الأمة ويعوق جهود النهضة، ويجهض التحول إلى الديمقراطية، ويعيد إحياء النزعات القبلية والعشائرية بدرجة تقترب من النكوص إلى عصور الجاهلية الأولى.
فلم تعد الطائفية – كما تمارس اليوم في عدد من الدول العربية- مجرد خلاف في المذهب أو الدين، ولكنها أضحت وسيلة لتعميق الخلاف السياسي وتحويله إلى صراع شعبوي، لا يكتفي باختلاف زاوية الرؤية إلى مصالح المجتمع وأساليب معالجتها، بل يمكن أن يتجاوزه إلى تدمير النسيج الاجتماعي، ووضع بذور حرب أهلية، وتقسيمات عرقية، وإفقار كامل للهوية عندما تختزل في الولاء لطائفة بعينها.
واليوم، تسود بين السنة والشيعة حرباً طائفية، يمكن وصفها بالصامتة في أرجاء مختلفة من العالم العربي، وتبلغ في قوتها ومداياتها حدود القول بإنها الموجة التاريخية الثالثة في هذا السياق (الموجة الأولى: ما بين الدولة الفاطمية/ البويهية “الشيعية” والدولة العباسية” السنية”، الموجة الثانية: بين الإليخانية / الصفوية “الشيعة” ودولة المماليك والعثمانية “السنية”). وتعد هذه الحرب من أخطر أنواع الحروب؛ لتهديدها النسيج المجتمعي الواحد، مما يمهد الطريق إلى تفكيك الدولة في المشرق العربي، لتقوم على أنقاضها دويلات صغيرة أشبه بملوك الطوائف (1031م-1492م) التي تولت حكم بعد سقوط الدولة الأموية في الأندلس.
وفي اللغة العربية “طائفة” تعني “جماعة”، وقد تكون من الأشخاص أو من الأشياء، والطائفي هو المنسوب إلى طائفة، كما جاء في الحديث النبوي الشريف:” لا تزال طائفة من أمتي على حق”. لكن الطائفة في المصطلح الاجتماعي السياسي تعني الالتزام أو الانتماء، وتعني في آن في هذا الانتماء أو التعصب له أو الانحياز عموماً، باعتبار أن روح الجماعة لا تقوم إلا على التعصب.
وربما كانت أولى المواجهات التي نشبت في المجتمع الإسلامي وبذرت بذور الطائفية التي نرى مظاهرها الآن، ما وقع من انقسام بين أنصار الخليفة الرابع علي بن أبي طالب (رض) وأنصار معاوية بن أبي سفيان في معركتي الجمل ثم صفين، لتنبثق منهما حركة التشيع ثم حركة الخوارج. حيث بدأت مظاهر الانشطار والفرقة بين المسلمين، بصلاة كل فريق منهم وراء قائده. وتفرع عنه الخلاف حول مبدأ الإمامة لدى الشيعة، التي اعتبرت من أهم أركان الفقه الشيعي بعد ذلك، على خلاف ما يعتقد به أهل السنة من أن الإمامة متروكة للشورى بين الناس.
وهكذا بدأت الطائفية في الأصل صراعاً على الحكم، نجم عن تعصب لما قيل أنه مذهب سياسي انتهجه الخليفة الرابع الإمام علي بن أبي طالب، ارتدى-فيما بعد- عباءة الدين، وتطور إلى عصبية أدت إلى التعصب، واتسعت في لحظات الاحتقان والتوتر إلى رفض التعايش مع الآخرين، وانكار حقوقهم وإقصائهم بسبب الانتماء إلى مذهب ديني آخر.
وقد اتخذ هذا الاقصاء شكل التهميش الاجتماعي والاقتصادي والسياسي بدرجة قد تؤدي إلى الاضطهاد الطائفي والإخلال بالتوازن الاجتماعي، الامر الذي وصل إلى درجة تقديم الولاء للطائفة في الداخل والخارج على مصلحة الوطن الأكبر، وتمييز طائفة من أبناء الوطن على طائفة أخرى. وهذا ما جرى ولا يزال يجري في عدد من المجتمعات العربية.
ولعل الحرب الحاصلة بين الطائفتين السنية والشيعية في وقتنا الراهن، هي نتاج عدة عوامل: الإحياء القومي، والإحياء الديني، والسياسات الدولية الفاعلة أو المؤثرة في حقبة الإحياءين، أضف إلى ذلك الاحتلال الأمريكي للعراق في العام 2003م، والموقف الإيراني من الإنتفاضة السورية، وأخيرا الصراع المحتدم بين المملكة العربية السعودية وغيران على قيادة العالم الإسلامي. ففي ظل الإحياء القومي في العالم الإسلامي ابان الربع الأخير من القرن التاسع عشر، تكونت الدولة الوطنية /القومية لدى العرب، وتطورت بحسبه لدى الأتراك والإيرانيين. وفي هذه الحقبة تبلورت ذاتيات، وانتعشت حساسيات، بفعل متغيرات الحدود، وظهور مشكلات الأكثرية والأقلية الاثنية والدينية والطائفية، والصراعات على الحكم، وفشل نظام الدولة الوطنية/ القومية في إرضاء تطلعات سائر الفئات؛ وبخاصة أهل الخصوصيات الاثنية والدينية والمذهبية، الذين شعروا بالاختناق جراء النزوع الطاغي للدمج القسري المُلغي للتمايزات.
ومع تنامي الإحياء الديني لدى السنة والشيعة بعد الحرب العالمية الثانية، تصاعدت تلك الذاتيات، وتبلورت دون أن يصطدم الإحيائيون الشيعة والسنة أحدهما بالآخر، لانهماك كل منهما في استعادة “الهوية الذاتية” والخاصة، واتجاه كل منهما لجرف الدولة الوطنية/ القومية.
على ان الإحياء السني في المنطقة العربية لا يزال قائما في دائرة التصارع والتحدي لجهة عدم تمكنه من تشكيل دولة سنية تحظي بإجماع جميع الدول العربية والإسلامية كمرجعية دينية. أما الإحياء الإسلامي الشيعي فقد تمكن من الاستيلاء على الحكم في إيران بعد ما أطاحت الثورة الإيرانية بالشاه محمد رضا بهلوي في 11 شباط / فبراير عام1979م. ليقيم نظاماً ثيوقراطياً، قدم نفسه بانه النظام الأكثر مشروعية للشعب الإيراني منذ خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب “رضي الله عنه”، فضلا عن تأكيد “حقه” في امتلاك الزعامة الأوحدية للشيعة في كل العالم.
ومع هذه الثورة علا شأن الطائفية كمتغير فاعل في المجتمعات العربية ذات التنوع الطائفي، وفي ذروة الثوران الكبير للإحياء الشيعي بإيران، اندلعت حرب بين العراق وإيران، والتي استمرت ثماني سنوات. وقد أحدث دعم دول الخليج العربي للعراق في حربه، التي ترافقت مع الإحياء الديني الشيعي، شرخاً عميقاً بين العرب وإيران، وآخر بين الشيعة والسنة. تم خلالها استحضار ما في الذاكرة القومية الإيرانية من مواقف معادية، بسبب انهيار الامبراطورية الفارسية على يد العرب المسلمين، ما انعكس على اذكاء التوتر الطائفي الذي اسهم في تنامي الانقسام السني –الشيعي.
وعلى الجانب العربي انصرفت الدعاية العراقية والعربية ذات الاتجاهات السفلية إلى التنديد بالفرس (المجوس)، وبالشيعة اصحاب (العقائد السرية الباطنية، والقول بتحريف القرآن، وشتم الصحابة). ومع هذا فليس المهم كم صدًّق الجمهور العربي (السني) ذلك؛ بل المهم الأثر الذي خلفته في نفوس الإيرانيين، وفي نفوس الشيعة العرب من تداعيات واثار.
ولم تقف إيران مكتوفة الأيدي أمام هذا التحدي العربي، وعملت على مستويين لمواجهته، فعلى المستوى الأول، وفي أثناء الحرب صدر الدستور الإيراني الجديد، الذي يقيم نظام” ولاية الفقيه”؛ أي يسبغ على الدولة البازغة طابعاً ثيوقراطياً مهدوياً، وظهرت تنظيمات الباسيج والباسدران والحرس الثوري للدفاع عن “دولة التمهيد” التي تسبق ظهور “الامام المنتظر” بحسب المعتقد الشيعي.
وعلى المستوى الثاني أقبلت إيران من جهتها على إقامة تنظيمات حزبية شيعية موالية لها دينياً في سبعينيات وثمانينيات القرن المنقضي في بعض دول الخليج العربي، ومنها الكويت والبحرين والسعودية بهدف زعزعة استقرار تلك الدول، وأخرى غير شيعية موالية لها سياسياً في البلدان العربية والإسلامية. وبعد انتهاء الحرب في الثامن من آب/ أغسطس عام 1988م، اتجهت العلاقات العربية – الإيرانية نحو الاستقرار، بيد ان هذا الامر لم يمنع طهران من مواصلة تحركها الطائفي والسياسي في العالمين العربي والإسلامي لغاية الآن.
وتعد أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001م، صفحة من صفحات التعاون اللوجستي الامريكي – الايراني، تقف خلفها اعتبارات استغلال الفرصة السانحة، للقضاء على الخصوم تحت ذريعة محاربة الإرهاب في أفغانستان والعراق، وفي الوقت ذاته لا تخلو بالنسبة لإيران من مزايا طائفية، لجهة القضاء على خصمين لدودين من السنة.
وتأسيسا على ما تقدم، فان المشكلة الطائفية ليست نتاج الماضي فحسب، او بسبب تأجيج اطراف خارجية، وإنما تنبع من السياسات الداخلية المتبعة في عديد الدول العربية، التي تأسست في مرحلة ما بعد الحربين العالمية الأولى والثانية، فاقدة للأسس الديمقراطية التي تضمن حقوق المواطنة على مستوى الحقوق والواجبات، وغائب عنها احترام التنوع المذهبي بين مواطنيها، الامر الذي انعكس على فشل في تكريس رؤية موحدة للمصالح الوطنية، تضمن المشاركة الشعبية، وما يرافقها من المحاسبة والمسائلة.
وعلى هذا تشكلت العديد من نظم الحكم العربية على الأسس القبلية والعشائرية، تمثلت بحكم الفرد واستبداده بالسلطة، والاعتماد على ابوية دكتاتورية، افضت الى تشكيل مؤسسات الدولة على أساس طائفي أو قبلي، نتج عنها التهميش والإقصاء وتردي الخدمات المقدمة للآخر من الطائفة المغايرة لمذهب الحاكم، وبهذا ترسخت الحواجز الطائفية أكثر فأكثر، مما استدعى من تجمعات سكانية شيعية إقامة علاقات طائفية تتجاوز الدولة، كعلاقة الكثير من الشيعة العرب مع إيران.
وأدى الاحتلال الأمريكي للعراق في العام 2003م، إلى فتح أبواب العنف الطائفي في المنطقة، ما اطلق زلزالاً مدمراً قلب البلاد رأساً على عقب، وأشعل نيران التناحر والبغضاء بين طوائفه ومذهبياته، وبات يهدد جيران العراق من الدول العربية المجاورة، بعد ان فتح الطريق أمام النفوذ الإيراني السياسي والمذهبي على أوسع نطاق في الاقليم.
ولا يجانب الصواب الرأي القائل بان العراق عاش أكثر من 80 عاما كدولة واحدة، من بينها أكثر من ثلاثين عاما متصلة تحت حكم حزب البعث العربي الاشتراكي، لم تذب فيها الانقسامات الطائفية تماماً في أي وقت من الأوقات، بل بقيت كامنة تحت السطح بين السنة والشيعة والأكراد. ولا يماري أحد أن المحتل الأمريكي عمل على تأجيج الخلافات المذهبية وإثارة المنافسات والأحقاد بين السنة والشيعة وإعطاء الأكراد وضعاً متميزاً في التركيبة العراقية، ليجري تشكيل الحكومات وتوزيع الحقائب الوزارية والمؤسسات التشريعية على أساس المحاصصة الطائفية، بل وتم تشكيل القوات العراقية والأجهزة الأمنية والاستخباراتية لتكون خاضعة للنفوذ الشيعي، مع تمثيل باهت وخجول للمكونات الاخرى.
وكان من تبعات هذه المحاصصة ان تشكلت “فرق الموت” التي لاحقت البعثيين من أنصار الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين ارتكبت مجازر بشعة ضد ألوف الأبرياء من السنة، مدعومة من الاجهزة الامنية الإيرانية، التي تصاعد دورها مع احتلال العراق. نشير هنا إلى عمليات قتل منظمة ضد نخب عراقية واكاديمية بسبب هويتهم المذهبية. وتزايد مسلسل القتل المنهجي ضد أبناء السنة عراق الاحتلال الإيراني، ليضعهم في خانة “داعش” وهو ما عبر عنه رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي. خلال احتفالية أقيمت في محافظة كربلاء بمناسبة تأسيس “الحشد الشعبي” وصدور فتوى المرجعية الشيعية بالجهاد الكفائي ان “ما حصل في العراق ليس داعش إنما ثورة طائفية سنية ضد الشيعة لذلك علينا ان نتصدى لهؤلاء الطائفيين لأنهم يخدمون المشاريع الاستعمارية، وما حصل في الموصل هي ذات المؤامرة التي حصلت في الانبار”.
ولان احداث “الربيع العربي” طالت دولا سنية منذ أن بدأت الانتفاضات العربية في تونس في كانون الأول/ ديسمبر عام 2010م، وامتدت إلى مصر وليبيا واليمن والبحرين وسوريا، لم تكف طهران عن اعتبار ما يحدث في العالم العربي، إنما هو استجابة للصحوة الإسلامية التي بدأتها الثورة الإسلامية في عام 1979م. لكن سرعان ما استثنت الانتفاضة السورية منها، معتبرة ان ما يحدث في سوريا لا يمثل الرغبة الشعبية الحقيقية في التغيير وتحقيق التحول الديمقراطي، بل هي محاولة من دول “الاستكبار” لإحكام سيطرتها على الدول التي مازالت تشكل تهديداً للمصالح الأمريكية والإسرائيلية في الشرق الأوسط.
ومن الصعوبة بمكان قراءة الموقف الإيراني من الانتفاضة السورية في ضوء البعد الطائفي فقط، فما يهم ايران في حقيقة الامر هو الدور الذي يلعبه نظام الاسد في توازنات القوى في الشرق الأوسط خاصة، فيما يتعلق بالعلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل، ومن جهة اخرى لن تتحمل القيادة الإيرانية خسارة حليفها العربي الوحيد وجسر التواصل بين إيران و”حزب الله” في لبنان، ما حملها على تقديم أشكال مختلفة من الدعم لنظام الاسد، بعض منه تمثل في تقديم الخبرات التقنية اللازمة لإعاقة الاتصالات داخل سوريا، وبعضه تمثل بوجود عناصر من الحرس الثوري الإيراني تقاتل مع قوات الأسد ضد الفصائل المقاومة له والمدعومة من دول سنية.
كما أرسلت طهران ميلشيات شيعية من العراق وباكستان وأفغانستان للقتال هناك، ناهيك عن الدور العسكري لـ”حزب الله” في سوريا، ليأخذ الصراع طابعا طائفيا عززته الشعارات التي رفعت من قبل المتحاربين فعلى الجانب الشيعي، رفع شعار “الثأر يا حسين”، الذي يقذف بالمجتمع في فتن القرن الأوّل، وكنا نتساءل باستغراب شديد، حينما كانت القنوات الفضائية التابعة للأحزاب السياسية العراقية في أثناء الاحتلال الأمريكي للعراق، ترفع هذا الشعار في الذكرى السنوية لاستشهاد سيدنا الحسين، ونحن نعيش في عالم ما بعد الحداثة في العقد الأول للقرن الأول من الألفية الثالثة، ممن سيكون الثأر؟ لندرك انه موجه ضد السنة على جرم لم يقترفوه. فهذا الشعار من المحال بمكان، أن يؤسس لثقافة تعايش وتسامح بين المسلمين السنة والشيعة، بل بوسعه فقط أن ينشأ جيلاً شيعياً يتربى على أحقاد طائفية، يسلك ضد أبناء الطائفة السنية سلوك استئصالي، بوصفها امتداد ليزيد بن معاوية.
أما على الجانب السني فقد رفع شعار “الخلافة الإسلاميّة” من قبل تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الذي يدمر الأوطان، ويهدم الهوية، ويقوض الانتماء، ويزيل الحدود ويعطّل القانون، ويسوق الناس إلى غاية مبهمة هي الخلافة الجامعة، وكيان افتراضي هو الدولة الإسلامية، وتشريعٍ مختلَف فيه هو الشريعة، ويبسط الأمن الرعب والتخويف، ويفرض السلم بالحرب والقتال، ويحمل الناس على الخضوع والإذعان بالقهر والإكراه.
وعلى الارجح فان الانقسام الطائفي ليس مسألة سيوسيولوجية فحسب، وهو ليس تكوين اجتماعي نافر أو شاذ وإنما هي –بالتعريف- مشكلة سياسية، تتعلق بنظام حكم يفتقر إلى أسباب صيرورة تحوله إلى نظام الشرعية الشعبية والوطنية. وهكذا لا دواء لداء الطائفية في العالم العربي إلا بتأسيس الدولة والاجتماع السياسي على علاقات مواطنة، وما تجترحه- إلى جانب الولاء للوطن- من حقوق مدنية وسياسية تعيد تعريف الناس من مدخل المواطنة والمساواة، لا بما هم جماعات عصبوية مغلقة تعرف نفسها بهوياتها الصغرى الفرعية.
وكما لا يمكننا إغفال الصراع الخفي والظاهر بين المملكة العربية السعودية وإيران على قيادة العالم الإسلامي، إذ كل منهما يعتقد أنه الأجدر والأكثر شرعية في تمثيل المسلمين، وما يجري في اليمن حالياً من عدم إيران للحوثيون يصب في هذا الإتجاه.

بناء على ما تقدم، على إيران أن تدرك انه ليس من مصلحتها أن تتخذ من الحروب الطائفية وسيلة للتمدد في العالم العربي، لأنه لن يكون بمقدورها تحقيق حلمها الإمبراطوري، الذي لا يتطلب هزيمة الحكام العرب فحسب، وإنما أيضاً إخضاع السواد الأعظم من الشعوب العربية لها، وهو أمر يتعذر تحقيقه. وعليها أن تعي أيضاً أن الآثار السلبية للحروب الطائفية سترتد عليها، جراء الانقسامات الداخلية سواء كانت طائفية أو عرقية التي تعرفها طهران. وعليه، فأنه من السهولة بمكان ان تستغل هذه الانقسامات في تأجيج الصراعات العرقية والطائفية داخلها، مما سيمهد إلى تمزيق وحدتها الإقليمية حتماً.
نخلص بالقول أن حالة الحرب الطائفية في العلاقات العربية-وخاصة الخليجية- الإيرانية التي تحكمها حتمية الجوار الجغرافي ليس الأسلوب الأمثل في إدارة الصراع بينهما، فتلك الحقيقة الوجودية تفرض عليهما التشابك في العلاقات بدلاً من الاشتباك.

د.معمر فيصل خولي

مركز الروابط للدراسات الإستراتيجية والسياسية