الخلاف الأميركي التركي على إدارة الأوضاع في شمال سوريا يصعد ويهبط بشكل سريع، وبدا أن الطرفين اتفقا على خطة بشأن ذلك، إلا أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتحدث عن إنشاء منطقة آمنة، في حين يصفها نظيره التركي رجب طيب أردوغان بالعازلة، وكأن الاتفاق لم تتحدد ملامحه بعد.
وكان أردوغان قد قال في كلمة مؤخرا بالبرلمان إنه ينظر بإيجابية إلى خطة ترامب لإنشاء تلك المنطقة بعرض 20 ميلا (32 كيلومترا) في شمال سوريا، مؤكدا إمكانية توسيعها، ومضيفا “يمكننا نحن إنشاؤها في حال تلقينا الدعم المالي”.
ولفت أردوغان إلى ضرورة أن تقام المنطقة العازلة بالتشاور مع جميع الأطراف المؤثرة، بما فيها الدول الضامنة في مفاوضات أستانا (تركيا وروسيا وإيران)، مشددا على رفضه مشاركة وحدات حماية الشعب الكردية في العملية، وختم كلمته بأن “اختلاف مواقف أنقرة وواشنطن بشأن سوريا أمر محزن”.
يلمان: تركيا ستشاور روسيا وإيران بسبب فقدانها الثقة بواشنطن (الجزيرة)
تخوف تركي
ورأى الباحث الأكاديمي التركي أنس يلمان أن واشنطن تريد إنشاء منطقة آمنة دون أن تقدم تفاصيل أكثر، في حين تخشى أنقرة من أن تكون هذه المنطقة بمثابة حماية للتنظيمات التي تعدها إرهابية.
وقال يلمان للجزيرة نت “لا مشاحة في التسمية بالنسبة لتركيا سواء كان اسمها آمنة أو كان عازلة، المهم إنشاء منطقة في شمال سوريا نحمي عبرها المدنيين السوريين ونحافظ على الحدود التركية من أي اعتداءات تنفذها وحدات حماية الشعب الكردية في أراضينا”.
وأضاف أن تصريح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بإنشاء المنطقة الآمنة بدلا من العازلة “يستهدف استمرار دعم وحماية حزب العمال الكردستاني وفروعه بسوريا (وحدات حماية الشعب) التي هاجمت تركيا”.
وتابع يلمان -وهو مدير المكتب الدولي في جامعة ابن خلدون التركية- أن التناقض بين تصريحات المسؤولين الأميركيين وترامب يجعل الأمور معقدة، وإذا غيرت الولايات المتحدة قرار الانسحاب بسبب هجوم تنظيم الدولة الإسلامية الأخير في منبج فإن فرصة التوصل إلى حل سياسي ستتعقد وستزداد فرص تنفيذ عملية عسكرية تركية بالمنطقة.
وتوقع الكاتب التركي أن تشرك تركيا كلا من روسيا وإيران في مشاورات المنطقة العازلة بسبب فقدانها الثقة بواشنطن.
وفي ضوء الخلاف بين واشنطن وأنقرة يعتقد يلمان أن أميركا لن تفرط بتركيا حليفها التقليدي في الناتو والشريك الأكثر موثوقية في الشرق الأوسط، وفي الجانب الآخر فإن تركيا معنية بعلاقة منسجمة مع أميركا من خلال دفعها نحو التخلي عن دعم “القوات الإرهابية” في المنطقة، حتى أنها رحبت بفكرة الانسحاب الأميركي كإشارة إلى إنهاء الدعم.
تفاهم قلق
من جهته، قال الباحث السوري في مركز عمران للدراسات الإستراتيجية معن الطلاع للجزيرة نت “في حين تريد تركيا تلك المناطق غير مهددة لأمنها وسحب كافة أنواع التسليح من الحدود تسعى واشنطن لتوفير إطار سياسي يكفل لحلفائها في سوريا الأمن والحفاظ على مكتسباتهم، وما بين الطموحين ستبقى تلك المنطقة أسيرة التفاهم الأمني القلق الذي ربما يبقى مجالا للشد والجذب واحتمال لجوء أنقرة إلى مسار أستانا لتحقيق هدفها”.
وأوضح أن هناك فرقا في القانون الدولي بين وظيفة المناطق الآمنة والمناطق العازلة، إلا أن الاثنتين تتطلبان قرارا من مجلس الأمن وفرض حظر جوي ووجود قوات على الأرض، فالمنطقة العازلة يتم فرضها أثناء النزاعات المسلحة بالاتفاق بين الدول المتحاربة لتطبيق الهدنة.
وأضاف الباحث السوري “هناك إرهاصات لتحسين العلاقة الثنائية بحكم رؤية واشنطن لضرورة الاتفاق مع أنقرة ما بعد الانسحاب، وسيشهد ذلك مناخا تفاوضيا دقيقا يجمع بين إعادة تشكيل الإدارة الذاتية (الكردية) والإدارة المشتركة الأمنية”.
ويبقى المسرح السوري محكوما بمنطق “التفاهمات الأمنية الظرفية” بين الفواعل الدولية والإقليمية، إلا أن تلك التفاهمات لم تشهد تطورا ملموسا على مستوى التركي الأميركي وبشكل يفضي إلى إدارة مشتركة لبعض الملفات العالقة، في ظل سعي واشنطن لتسليم قواعدها بعد انسحابها إلى الأكراد في سوريا، في حين تصر أنقرة على إلغاء القواعد نهائيا أو تسليمها إليها لتسلم لاحقا إلى قوى محلية سورية.
المصدر : الجزيرة