الوجود الامريكي في العراق والطموح الإيراني في المنطقة

الوجود الامريكي في العراق والطموح الإيراني في المنطقة

تحاول إيران زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى قاعدة عين الأسد العسكرية بغرب العراق في 26 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، لفتح جبهة جديدة في صراع النفوذ الذي تخوضه ضدّ الولايات المتحدة الأمريكية، مدارها هذه المرّة قانوني تشريعي، وأداتها مجلس النواب العراقي.وتشجّع طهران حلفاءها السياسيين الذين يشكّلون كتلة وازنة في المجلس على سنّ قانون يلزم حكومة بغداد بإنهاء الوجود العسكري الأميركي على الأراضي العراقية.

مما لا شك فيه، يبقى رحيل القوات الأمريكية يمثل الأولوية بالنسبة للكتل السياسية الموالية لإيران في العراق، هل هذه الأولوية مردها الحفاظ على استقلال العراق وعدم الانتقاص من سيادته الوطنية، أم أن رحيل تلك القوات يأتي إطار خدمة المصالج الجيوستراتيجية لإيران؟ ويبدو أن الاحتمال الثاني هو الأقرب للتحليل السياسي السليم.

  إذ وفرت زيارة ترامب لقاعدة عين الأسد العراقية فرصة ذهبية لإيران، ومناصريها في العراق، لتكتيل جهودهم للانتقام من موقف الرئيس ترامب، فرض العقوبات على إيران، وإيجاد ظروفٍ تساعد على التعجيل بإجبار الولايات المتحدة الأميركية للانسحاب من العراق، الأمر الذي سيطلق يد إيران في العراق بشكل كامل ونهائي، ويفسح المجال لها لتحقيق مشروعها الإمبراطوري، بالسيطرة على الامتداد البري من حدود الصين وحتى البحر المتوسط. وهو مشروعٌ يهدّده الوجود القوي للولايات المتحدة في العراق وسورية وأفغانستان. ولذلك تسعى إيران لطرد الولايات المتحدة من العراق وأفغانستان، لينفتح لها الطريق لتنفيذ مشروعها الاستراتيجي بعيد المدى، والذي تهدّده إجراءات الرئيس ترامب، بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من اتفاق 5+1 النووي مع إيران. ويبقى حينئذ تحدٍ واحد لإيران، ومشروعها الطموح، وهو تصفية أو تدجين الوجود السني القوي في المحافظات العراقية الوسطى الثلاث، وهي ديالى وبغداد والأنبار، وهو إجراءٌ تتكفّل به المليشيات الحليفة لها في غياب أي وجود عسكري فعلي أميركي على الأرض العراقية، حيث سيغيب معه أي دور سياسي ذي مغزى للولايات المتحدة.

فوجود القوات الأمريكية في العراق تربك حسابات إيران في العراق والبيئة الإقليمية،  فالإيرانيون يعتقدون أن الاستراتيجية الأميركية في توسيع نفوذ الولايات المتحدة العسكري في العراق، خطيرة إلى درجة تصعب مواجهتها. فالمتابعون للشأن السياسي والعسكري في العراق أشاروا إلى أن وزارة الدفاع الأمريكية عدلت خطط الانسحاب من سوريا، لتنسجم مع خطط طارئة لتعزيز الانتشار في العراق، موضحين أن الانسحاب الأميركي من سوريا لن يكتمل، ما لم تكتمل ترتيبات تعزيز الانتشار في العراق، وأن الولايات المتحدة نقلت معدات عسكرية ثقيلة من سوريا إلى مواقع في محافظة الأنبار غرب العراق”، مؤكدين أن التعزيزات العسكرية تتدفق على قاعدة عين الأسد في هذه المحافظة، التي تعد أكبر موقع تجمع للقوات الأميركية بالقرب من الحدود السورية. وفضلا عن ذلك، نقلت القوات الأميركية معدات وأسلحة إلى مواقع عسكرية في محافظة صلاح الدين شمال غرب العراق.ومن شأن تحركات من هذا النوع أن تربك الحسابات الإيرانية في العراق، إذ كانت طهران تعوّل على الاستفادة من الانسحاب الأميركي من سوريا، لكنها الآن تواجه انتشارا عسكريا أميركيا واسعا داخل العراق.

 إن طموح إيران إلى إزاحة الولايات المتحدة من “طريقها” الذي تعمل على مدّه صوب ضفة المتوسّط بمجرّد قانون يصدر عن مجلس النواب العراقي يبدو هدفا غير واقعي، لأن زيارة ترامب إلى العراق لم تكن خالية من الرسائل السياسية والعسكرية ومنها:  لا يزال العراق، بشطريه العربي والكردي، يمثل أهمية استراتيجية كبرى للانتشار الاستراتيجي الأميركي في المشرق العربي. ويمثل هذا الحضور الأميركي في العراق ردعاً للاستحواذ الإيراني النهائي على العراق، وعقبة بوجه الانتشار الاستراتيجي للمشروع الإيراني الطموح في تأمين الوجود من حدود الصين وحتى المتوسط. ويمثل الحضور الأميركي العسكري ذو المغزى في العراق رافعة لإدامة التأثير الأميركي على التوجهات الاستراتيجية النهائية للحكومة العراقية. ويمثل هذا الحضور بديلاً كبيراً، وهو ذو اعتمادية عالية على إدامة الحضور الأميركي القوي، سواء في حالة إنهاء الحضور الأميركي في أماكن أخرى، كقاعدتي إنجرليك في تركيا، أو العديد في قطر، لأي سبب. ويمثل الحضور العسكري الأميركي دعماً لحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، كالأكراد مثلاً، على الرغم من أن صدقية هذا الدعم في ظل مجابهة ساخنة مع الأعداء المحتملين ستظل محكومة بمصالح الولايات المتحدة فقط.

وعلىه يبدو أن الهدف الإيراني بإنهاء الوجود العسكري الأميركي على الأراضي العراقية، ومتمثّلا في هزيمة واشنطن في معركة التواجد العسكري، أصالة أو وكالة، على الأراضي العراقية وإمساك الطرق الواصلة بين العراق وسوريا ولبنان، فإنّ المسعى يبدو طوباويا، إذ لن يكون بمقدور الحكومة العراقية الجديدة والتي تنتظرها تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية جسام أن تفتح جبهة صراع جديدة ضد الولايات المتحدة بعد أن توصّلت بجهد جهيد إلى استثناء ظرفي محدّد بثلاثة أشهر من العقوبات الأميركية على إيران والتي كان الالتزام بتنفيذها سيشكّل لها معضلة في توفير الغاز والطاقة الكهربائية. وبحسب المتابعون للشأن العراقي فإن رئيس الوزراء الحالي عادل عبدالمهدي لا يفكر في تغيير الوضع الخاص، الذي تتحرك بموجبه القوات الأميركية على الأرض العراقية. وحتى لو صدر قرار من مجلس النواب العراقي يطالب بالانسحاب القوات الامريكية من العراق، فرئيس الوزراء لن يستجيب لذلك القرار، لأنه صدر على صيغة قرار وليس قانوني، وهناك فرق في التكييف القانوني بينهما. فالأجواء الإقليمية ملبدة بالغيوم، فهناك قلق حقيقي من الغارات التي تشنها إسرائيل على الحدود العراقية السورية”عكاشات”، والتي تستهدف القوات الإيرانية وحلفائها، ومنهم الحشد الشعبي، وخشية أن تمتد هذه الغارات إلى الداخل العراقي، لذلك يسعى عادل عبدالمهدي أن يجنب العراق الانعكاسات الخطيرة للغارات الإسرائيلية على الوجود الايراني في سوريا، كما أيضًا يحاول بكل جهد أن يحافظ على التوازن بين واشنطن وطهران.

وحدة الدراسات العراقية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية