أحمد قذاف الدم: القبائل “الحكيم” الذي يجمع شمل ليبيا

أحمد قذاف الدم: القبائل “الحكيم” الذي يجمع شمل ليبيا

يستعد مؤتمر يحمل اسم “القبائل والمدن الليبية” لعقد لقاء موسع، هو الثالث من نوعه خلال سبع سنوات، يوم 7 فبراير المقبل، في منطقة راس لانوف، شرقي مدينة سرت. ويتوقع أن يتخذ المؤتمر قرارات يمكن أن تغيّر دفة المسار السياسي والعسكري في عموم البلاد، أو على الأقل فتح ثغرة جديدة في محاولة لحل الأزمة الليبية.

وبالتزامن مع هذه الاستعدادات أصدر “المجلس الاجتماعي لقبيلة القذاذفة” بيانا، الأحد الماضي، أعلن فيه تفويض سيف الإسلام في كل ما لها وما عليها مع غيرها من القبائل والمدن.

ويصرّ المبعوث الأممي غسان سلامة على عقد المؤتمر الجامع خلال الفترة المقبلة. وأجرت “العرب” حوارا مع أحمد قذاف الدم المبعوث الخاص السابق للزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، لشرح أبعاد هذه المسألة وتأثيراتها على الأزمة الليبية.

ومؤخرا، تطرقت العديد من المناقشات إلى المغزى من الزيارات القبلية التي يقوم بها قذاف الدم في محافظات مصرية، بما فيها محافظة مطروح المتاخمة للحدود الليبية. وكانت تتردد في الكثير من الجلسات أسئلة عمّن سيتقدم لقيادة ليبيا؟ ومن أي قبيلة، وإذا كان من قبيلة القذاذفة فمن سيكون؟ هل هو قذاف الدم، أم سيف الإسلام القذافي؟

لكن قذاف الدم أدلى بإجابات قاطعة لـ”العرب”، بشأن مستقبله في ليبيا، قائلا “أدّيت واجبي مع القذافي، ومتحمّل مسؤوليتي في كل ما حدث.. ولا أبحث عن وظيفة، لكن العار سيلاحق من لا يبادر بإنقاذ ليبيا”.

وفي ما يخص بيان “المجلس الاجتماعي لقبيلة القذاذفة” بشأن تفويضها لسيف الإسلام القذافي، في كل ما للقبيلة وما عليها، يعلق بقوله إن “هذا قرار لا يحتاج إلى بيانات، فمعظم القبائل الليبية ترى أن سيف الإسلام لديه مشروع سابق (ليبيا الغد)، وضم هذا المشروع عشرات الآلاف، بل مئات الآلاف من شباب ليبيا، ومن كل المدن، وليس من القذاذفة فقط، وليس من مناطق جهوية فقط”.

ويضيف قذام الدم أنه “عندما تتجمّع هذه العوامل تجعل سيف الإسلام قادرا على تجميع كافة الأطراف، وهو لديه رصيد لدى الليبيين، ليس بمعنى أن يكون صراعا على السلطة، أو أن يكون حاكم ليبيا، فهذا يرجع للصناديق”.

سيف الإسلام الغائب
عن سبب عدم ظهور سيف الإسلام القذافي علانية منذ صدور العفو عنه قبل عامين، يقول إنه “بالتأكيد سيظهر عندما يكون هناك ما يقول، فمعه فريق يعمل، ويزور الدول، ويتواصل مع العالم، وقد شاهدتمْ هذا الفريق في أكثر من بلد”.

وتحدث قذاف الدم عن أهمية دور القبيلة والمتغيرات الجارية في عموم البلاد، وعند سؤاله عن مكان وجود سيف الإسلام القذافي، قال إنه “موجود في ليبيا، بالطبع، ولم يغادرها، وعُومل باحترام شديد من قبيلة الزنتان، عندما كان في الأسر”.

وكان سيف الإسلام محتجزا لدى قوات عسكرية في بلدة الزنتان في جنوب غرب طرابلس، إلى أن شمله قرار بالعفو العام، صدر من مجلس النواب الذي يعقد جلساته في طبرق، ويعد أعلى سلطة منتخبة في البلاد منذ 2014.

ولأول مرة تجري الإشارة بشكل مباشر إلى دور قبلي، ومن قبيلة بعينها، ساهم في الحفاظ على حياة سيف الإسلام، المطلوب منذ عام 2011 للمحكمة الجنائية الدولية، حيث يقول قذاف الدم “قبيلة الزنتان عاملت سيف الإسلام باحترام.. هذا يُحسب لها”.

ويشير إلى أن “التكتلات القبلية تسعى للسلام.. الآن نحن نريد أن نحسم أمر بلدنا، في مؤتمر راس لانوف.. نجمّع كل القبائل في تنظيم واحد، وقيادة شعبية اجتماعية واحدة، وقد ينتج عنها مجلس شيوخ، وربما تنتج عنها إرادة ليبية حرة خالصة، دون تدخل أجنبي، هذا شيء إيجابي، وسننجح فيه”.

ويتابع “نحن نعمل من أجل ألا تنقسم ليبيا، وألا يكون هناك شرق وغرب وجنوب، ونريد أن نقطع الطريق أمام المؤامرة الكبرى (لتقسيم ليبيا). نحاول كذلك على المستوى العسكري لملمة القوات المسلحة، وعلى الصعيد السياسي هناك اختلاف بالطبع بيننا وبين البعض”. ويشير إلى أن حسم هذا الأمر يكون عبر صناديق الاقتراع.

ويعتقد قذاف الدم أن التركيبة القبلية في ليبيا ساهمت في تسريع إعادة بناء الجيش منذ عام 2014 وحتى الآن، مشيرا إلى أن المبادرة ظهرت لأول مرة في الشرق، “كانت من أطراف قبلية في بنغازي وبعض المدن مجموعات من شباب القبائل أرادوا أن يدافعوا عن أنفسهم، وعن أبنائهم، لأن الجماعات المتطرفة في بنغازي كانت قد استهدفت أكثر من 650 ضابطا سابقا، وعسكريين، وفنيين وخبراء وقضاة”.

ويوضح أنه “حين جاء خليفة حفتر (قائد الجيش الليبي الوطني)، وأراد أن يعيد بناء القوات المسلحة، التحمت به كل القبائل للدفاع عن مدنها وقراها.. التحم العسكريون مع بعضهم بعضا، لأن هذه مهمة وطنية وليست سياسية”.

تشير الكثير من المعطيات إلى أن معادلات مختلفة آخذة في التغيّر منذ شهور، لكن نتائجها لم تكن لتظهر إلا في هذه الأيام، حيث زاد نشاط القبائل، وزاد كذلك نشاط المبعوثين من سيف الإسلام القذافي إلى دول وحكومات حول العالم، أهمها روسيا، وأصبح الجيش الوطني الذي يقوده المشير خلفية حفتر أكثر تماسكا وقدرة منذ إعادة تكوينه قبل ثلاث سنوات. وفي بيت قذاف الدم في القاهرة لا يمر يوم أو يومان إلا ويزوره وفد من الوفود القبلية أو العسكرية أو من النشطاء، وشخصيات موالية للنظام السابق وأخرى محسوبة على ثورة فبراير التي أطاحت بالقذافي.

وتدور كل اللقاءات والتفاهمات حول ما يجب فعله لإخراج ليبيا من النفق المظلم، بعيدا عن المبادرات الدولية التي لم تُفضِ إلى شيء يذكر. ويقول قذاف الدم “الآن المعادلة تغيّرت.. لم يعد الصراع بين أنصار ثورة الفاتح (ثورة 1969) ومن جاء مع الناتو (ثورة 2011)”.

ولقبيلة القذاذفة تحالف تاريخي مع قبيلتي أولاد سليمان وورفلة، كبيرة العدد، كما لها تحالف آخر مهم مع قبيلة المقارحة، ويتركز وجود كل هذه القبائل في الوسط والجنوب.

وتعرضت هذه التحالفات لهزات عبر محطات تاريخية، لكنها لم تؤثر عليها كثيرا، منها في التاريخ الحديث، قيام ضباط من قبيلة ورفلة بمحاولة قلب نظم حكم القذافي في تسعينات القرن الماضي، كما أن قبيلة أولاد سليمان دخلت في اقتتال مع قبيلة القذاذفة في مدينة سبها في إقليم فزان جنوبا، قبل نحو عامين.

ويقول قذاف الدم عن المناوشات التي وقعت في سبها بين القذاذفة وأولاد سليمان، فيصفها قذاف الدم بأنها كانت “فتنة، من بعض العملاء.. لقد كان حلف القذاذفة مع القبائل الأخرى، قائما وقويا، إلى أن بدأ التآمر عليه ضمن مخطط لزرع الفتنة بين القذاذفة وأولاد سليمان، لكن يظل هذا الحلف أقوى من كل الفتن”.

وتعد بلدة هراوة، المجاورة لسرت، المعقل الرئيسي لقبيلة أولاد سليمان، كما أن معقل قبيلة ورفلة يتركز في مدينة بني وليد، تتحكم هذه المدن الثلاث في طرق رئيسية تربط شرق ليبيا بغربها وجنوبها، ويشترك معظم أبنائها في عادات بدوية مثل اقتناء الإبل، والرعي، وحُب حياة الصحراء.

أول شرارة أنبأت بعودة دور القبيلة في ليبيا، انطلقت مع زيارة لمصر قام بها أحد رموز القبائل من غرب ليبيا، وهو محمد المُبَشِّر، الذي جاء قبل نحو شهرين، ودخل بموكبه عبر الحدود البرية، ولبى دعوات لقبائل مصرية وليبية مقيمة بمصر، وهو في طريقه من السلوم إلى القاهرة.

ويقوم المبشّر بالتحضير لمؤتمر اسمه “المؤتمر الوطني الجامع”، وهو من بين محاولات عدة للاعتماد على ممثلي القبائل والمدن، في حل الأزمة الليبية، وقد يُعقد المؤتمر في تونس، ما آثار قلق الكثير من الخصوم من عودة القبائل للعب الدور الذي كانت تقوم به في السابق وتأثير ذلك على التوازنات الراهنة.

ويوضح قذاف سبب القلق بقوله إن معظم من جاؤوا لحكم ليبيا بمساعدة حلف الناتو، “لا قبائل لهم.. حتى مَن لهم قبائل تبرّأت منهم.. ما يدنّس شرف القبيلة هو أن تتعامل مع عدو أجنبي.. ليبيا أساسها قبائلي ولهذا الغرب يحاول أن يخلق بينها انشقاقات”.

وفي الأعوام الثلاثة الأخيرة وصل التنافس بين إيطاليا وفرنسا ودول أوروبية أخرى على ليبيا، إلى مضارب القبائل، حيث حاولت كل من روما وباريس استضافة رموز قبلية من مناطق مختلفة في ليبيا، لكن يبدو أنها لم تأت بنتيجة. ويؤكد قذاف الدم “نحن كقبائل نلتقي مع بعضنا البعض، لكن لماذا نذهب إلى روما أو باريس، أو إلى خارج بلادنا، ما يحتاج لترميم هو البنية السياسية، أما العسكرية والاجتماعية فليس هناك خلاف حولهما داخل ليبيا”.

وينهي حديثه مع “العرب” بثقة عمّا لدى ليبيا من إرث اجتماعي وسياسي، قائلا “نحن قادرون على إخراج ليبيا مما هي فيه، بدلا من كل هذا الضجيج، ونعوّل اليوم على مؤتمر القبائل الذي سيعقد في راس لانوف، وأتمنى ألا يغيب عنه أحد، ويلتحق به الجميع، ونتناقش دون تأثيرات خارجية ، وأن ترفع هذه الدول أيديها عنا”.

العرب