يواصل الإسلاميون في ليبيا مناوراتهم لتقويض جهود توحيد مؤسسات الدولة وإنهاء الانقسام والفوضى العاصفة بالبلاد، حيث يخططون لتشكيل قوة قوامها عسكريون سابقون محسوبون على نظام العقيد الراحل معمر القذافي، تمثل المنطقتين الجنوبية والغربية.
وحذر مصدر مطلع من مدينة مصراتة في تصريحات لـ”العرب” من جهود يقودها محسوبون على القيادي في جماعة الإخوان المسلمين علي الصلابي، لاستمالة إحدى الشخصيات العسكرية التي ما زالت تدين بالولاء لنظام القذافي لقيادة تلك القوة، لتكون قوة موازية للجيش الذي يقوده المشير خليفة حفتر.
وقال المصدر، الذي رفض الكشف عن هويته، إن الإسلاميين يبحثون حاليا عن شخصية عسكرية قوية تحظى بثقة مختلف القبائل الليبية، ليلتف حولها العسكريون، الذين اختار أغلبهم الابتعاد عن العمل العسكري منذ سقوط النظام الذي فتح الباب لهيمنة الميليشيات أو ما كان يسمى حينئذ بـ”الثوار”.
وأضاف أن “الإسلاميين يحاولون صناعة رديف لحفتر كي يواصلوا اللعب على المتناقضات ويخلقوا مساحة للمناورة ليس سعيا للمصالحة كما يدعون ولكن لإدامة الفوضى وهي المناخ المناسب لاستمرارهم”.
ويتهم الليبيون تيار الإسلام السياسي الذي أحكم قبضته على البلاد مباشرة بعد سقوط نظام القذافي، بالتمكين للميليشيات وتقويض جهود بناء المؤسستين الأمنية والعسكرية. ولطالما كانت تلك الميليشيات سواء المتطرفة كمجالس شورى الثوار أو غيرها ذراعا عسكرية لضرب خصوم الإسلاميين.
ومع احتراق ورقة الميليشيات وتصاعد الأصوات المحلية والدولية الرافضة لها، لم يجد الإسلاميون من سبيل سوى الاحتماء بشعارات جديدة من قبيل المصالحة.
وتقود حكومة الوفاق بدعم من بعثة الأمم المتحدة منذ سبتمبر الماضي، جهودا لتنفيذ الترتيبات الأمنية لإخراج الميليشيات من العاصمة، بحسب ما أكد المبعوث الأممي غسان سلامة، وهي الخطوة التي لن تقتصر على طرابلس.
ويعدّ الفريق علي كنة قائد القوات الجوية في عهد القذافي ومسؤول الجيش في جنوب ليبيا إبان حكمه، أحد أبرز الشخصيات العسكرية التي يراهن عليها الإسلاميون لقيادة تلك القوة. وكنة عسكري ذائع الصيت ويحظى بشعبية في صفوف أنصار النظام السابق، بالإضافة إلى أنه يقود قوة عسكرية شكلها في 2016.
ويتخذ كنة الذي ينحدر من قبائل الطوارق من الجنوب مقرا له، ويقول إنه على مسافة واحدة من جميع الأطراف الموجودة على الساحة. لكن مراقبين يرجحون أن يكون أقرب إلى الإسلاميين من حفتر وسلطات الشرق.
ويستند هؤلاء في قراءتهم على عدة معطيات أبرزها تسليم ميليشيات القوة الثالثة عقب طردها من قبل الجيش في 2017، لحقل الشرارة النفطي لقوات علي كنة.
وكان كنة أعلن في 2016 عن تشكيل قوة عسكرية في الجنوب، وهي الخطوة التي حملت دلالات مشبوهة، باعتبار أنه لم يتم التنسيق مع القيادة العامة للقوات المسلحة، وهو أمر فسّر بأن الهدف من ورائه ضرب قيادة الجيش ومحاولة تقسيمه.
ويكمن تمسك الإسلاميين بكنة لإدراكهم بأنه قادر على أن يجمع ضباط وجنود النظام السابق في الشتات، والكثيرون يثقون فيه ويرفضون الانضمام للجيش الحالي بزعم أن قائده حفتر قاتل ضدهم في صفوف حلف شمال الأطلسي ناتو.
لكن مصادر قالت لـ”العرب” إن كنة رفض عرض الإسلاميين. وفي تصريحات نشرها موقع محلي، الجمعة، بدت وكأنها رسائل طمأنة للداخل، أعرب كنة عن تأييده لجهود توحيد المؤسسة العسكرية التي تجري في القاهرة.
وأضاف “نحن باركنا اجتماعات القاهرة لتوحيد المؤسسة العسكرية رغم عدم دعوة ممثل للجنوب بصفة رسمية، ولا بد أن نذكر أن هناك عددا كبيرا من منتسبي القوات المسلحة في الجنوب لن يكون هناك توحيد للمؤسسة العسكرية دون وجودهم في المعادلة، ونتمنى في النهاية توحيد المؤسسة العسكرية”.
وينظر الكثير من الليبيين إلى محاولات الإسلاميين وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين، على أن هدفها هو التشويش على جهود توحيد المؤسسة العسكرية التي تقودها القاهرة منذ أكثر من سنة. وتوقفت تلك الجهود مع إصرار حفتر على ضرورة أن يخضع الجيش لسلطة قائد أعلى منتخب من قبل الشعب، ما يعني رفض تولي رئيس المجلس الرئاسي الحالي فايز السراج للمنصب.
وبالإضافة إلى كنة، يراهن الإسلاميون على آمر سلاح الجو الليبي السابق الفريق ركن الريفي علي الشريف، الذي ينحدر من مدينة الجفرة.
ويذكي هذان الرهانان ما يشاع بأن الإخوان يحاولون شق الجيش من المنطقة الجنوبية. وفي حال نجح حفتر في ضم الجنوب إلى باقي مناطق نفوذه، سيكون قد تمكن من إحباط هذا المخطط.
وأطلق الجيش منتصف يناير الحالي عملية عسكرية لتطهير الجنوب من الإرهاب والعصابات التشادية المسلحة. وأثارت الخطوة غضب الإسلاميين وحلفائهم المحليين والدوليين.
ونقل موقع صحيفة “المرصد” عن مصادر دبلوماسية غربية رفيعة أن فايز السراج حسم أمره بالتصدي للعملية العسكرية التي أطلقتها القيادة العامة للجيش الليبي في الجنوب ضد عصابات المعارضة الأجنبية والتنظيمات الإرهابية.
وأضافت تلك المصادر أن تحرك السراج المرتقب بالخصوص سيأتي، إن تم، بناء على تنسيق وثيق وتوافق مع رئيس مجلس الدولة والقيادي في حزب العدالة والبناء خالد المشري.
وترى أن خطة التصدي هذه تتمحور على تنصيب آمر عسكري للمنطقة الجنوبية يكون تابعا للمجلس الرئاسي بصفته القائد الأعلى شرط أن يتوفر معيار معين للعسكري الذي سيشغل هذا المنصب.
وأوضحت المصادر أن معيار السراج والمشري يستند إلى تعيين شخص على أساس قبلي متين، يمكّنه من حشد أبناء قبيلته وحلفائها أولا، وتدعيمه عند الحاجة بقوات من الغرب ثانيا، ومن ثم منع الجيش من بسط سيطرته على كامل المنطقة أو على الأقل إظهاره بأنه ليس لوحده هناك وليس محل إجماع وبأن هناك أطرافا محلية وقبلية تعارضه.
ويقلل متابعون من خطورة هذه الخطوة إن تمت على مستقبل القوات المسلحة بقيادة حفتر. ويرى هؤلاء أنه في صورة نجاح الخطوة فسيكون الإسلاميون قد حققوا هدفين؛ الأول منع حفتر من السيطرة على كامل الجنوب، والثاني الإعلان رسميا عن وجود قوة نظامية موزاية للجيش، ما يعني إفشال مشروع توحيد المؤسسة العسكرية، وضمان استمرار الفوضى.
ولا يستبعد مراقبون نجاح الإسلاميين في عقد تحالف مع أنصار النظام السابق، خاصة بعد لقاء دكار في مايو الماضي. وبدأت ملامح التقارب بين الطرفين منذ أكثر من سنتين، وهو ما بينه إطلاق سراح عدد من السجناء المحسوبين على النظام السابق من سجون مصراتة.
واحتدم التنافس مؤخرا على ورقة أنصار النظام السابق، وكان المشير خليفة حفتر أول من دعا العسكريين إلى الالتحاق بالمؤسسة العسكرية، كما كان له دور في تمرير قانون العفو العام وهو ما أكده الناطق باسم الجيش العميد أحمد المسماري، الأربعاء الماضي.
وبدورهم، غيّر الإسلاميون من نبرة خطابهم بشأن رموز النظام السابق. وكان عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين علي الصلابي؛ أكد أنه لا يمانع ترشّح سيف الإسلام القذافي وكافة خصومه السياسيين للانتخابات باعتبارهم لونا من ألوان الطيف الليبي.
وعبر الصلابي خلال كلمة له في منتدى الحوار بالجزائر عن “إيمانه بحق كافة الليبيين في الترشح للانتخابات والوصول إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع، معربا عن أمله في انعقاد مؤتمر شامل للمصالحة لا يقصي أيا من الشخصيات المؤثرة”.
العرب