بغداد – تتناغم التصريحات الإيرانية، مع تصريحات قياديين في ميليشيات عراقية منضوية في الحشد الشعبي، تلوّح باستهداف الوجود العسكري الأميركي في العراق، ودخول سوريا للمشاركة في أي نزاع محتمل مع إسرائيل.
وبدا واضحا أن زعماء ميليشيات عراقية موالية لإيران، يحاولون استثارة الشارع العراقي لكسب تأييده في أي مواجهة من هذا النوع، وهو خيار لم تعد نتيجته مضمونة، وفقا لمراقبين، لاسيما مع إصرارهم على الربط بين التصعيد مع إسرائيل والوجود الأميركي العسكري في العراق.
ويقول جواد الطليباوي، أبرز زعيم عسكري ميداني في ميليشيا عصائب أهل الحق التي يقودها قيس الخزعلي، المعروف بولائه الثابت لمرشد إيران علي خامنئي، إن “القوات الأميركية المنتشرة في بعض محافظات العراق، لن تكون في مأمن إذا تعرض محور المقاومة إلى ضربات أميركية إسرائيلية”.
ويضيف أن “الشعب العراقي وجمهور المقاومة” سيتخذان “موقفا مشابها” للموقف من تنظيم داعش.
وعمليا، لم يعد هذا النوع من التصريحات يلهب حماسة الشارع العراقي الذي أرهقته الحروب الطويلة، إضافة إلى أنه يعاني تحت وطأة نقص الخدمات الناجم عن فساد الطبقة السياسية ومصاعب العيش في ظل ندرة فرص العمل.
وبدت تصريحات الطليباوي كأنها صدى لتصريحات أطلقها المسؤول البارز في الحرس الثوري الإيراني، العميد حسين سلامي، الذي قال إن “استراتيجيتنا هي إزالة إسرائيل من الجغرافيا، ولو قامت بعمل يؤدي إلى حرب جديدة، فبالتأكيد ستكون الحرب التي ستؤدي إلى إزالتها”.l
وتزامنت تصريحات الطليباوي مع تهديدات أطلقها زعيم ميليشيا العصائب قيس الخزعلي، بشأن الاستعداد لـ”إخراج القوات الأميركية من العراق بالقوة، والرد بشكل غير محدود على أي هجوم إسرائيلي داخل الأراضي العراقية”.
ويرى الخزعلي أنه “لم يعد هناك مبرر لبقاء الآلاف من الجنود الأميركيين بالعراق بعد هزيمة داعش”، مهددا بـ”طرد القوات الأميركية في نهاية المطاف بالقوة إذا لم تستسلم لإرادة البرلمان والشعب العراقيين”.
ويعبر عن ثقته بنجاح تصويت برلماني عراقي يدعو إلى انسحاب القوات الأميركية من البلاد.
ويستند إلى جهود تقودها كتلته البرلمانية “الصادقون”، لحث مجلس النواب العراقي على تشريع قانون يلزم الحكومة بإخراج القوات الأجنبية من البلاد، معتقدا أن هذا المشروع سيحظى بالتأييد اللازم.
ويقول الخزعلي “إذا أرادت الولايات المتحدة فرض وجودها في العراق بالقوة وتجاوز الدستور والبرلمان، فيمكن للعراق أن يعاملها بنفس الطريقة ويخرجها بالقوة”، مشيرا إلى أن “أمن إسرائيل هو جزء من الأمن القومي الأميركي، فالولايات المتحدة موجودة في سوريا والعراق، ليس لمواجهة داعش، بل للحفاظ على أمن إسرائيل، وهذا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال عدم الاستقرار في منطقتنا”.
وقال بوضوح “إذا ضرب الكيان الصهيوني أهدافا داخل العراق، بغض النظر عن الذريعة، فإن العراق كدولة ذات سيادة سيدافع عن نفسه وسوف يكون ردنا غير محدود على أي هجوم إسرائيلي”.
ويبدو أن الخزعلي يعلق على الأنباء التي تشير إلى أن تل أبيب حذرت بغداد، عبر واشنطن، بأنها ستهاجم مقرات جميع الميليشيات النشطة في سوريا على أرض العراق.
وتقول مصادر سياسية مطلعة في بغداد لـ”العرب” إن “رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي، يحاول النأي بحكومته عن هذا التصعيد”، مشيرة إلى أن “الحكومة لا تستطيع احتواء تحركات الميليشيات التي تحظى بدعم إيراني مطلق، ولا تستطيع تهدئة المخاوف الأميركية في هذا الشأن”.
ويرى مراقبون أن اندلاع نزاع من هذا النوع، من شأنه أن يطيح سريعا بحكومة عبدالمهدي، التي لم تستطع حتى الآن استكمال حقائب الأمن، بسبب خلافات سياسية تقع على إيران مسؤولية جانب كبير منها.
ويريد الإيرانيون ضمان وصول وزير للداخلية موال لهم، وهذا ما يعارضه بشدة الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر، وهو ما عطل تسمية وزير للداخلية، رغم مرور 100 يوم على تشكيل الحكومة في بغداد.
ويتفاقم القلق لدى الميليشيات الموالية لإيران في العراق من أن تكون هدفا لهجمات إسرائيلية مباغتة على غرار تلك التي تتعرض لها معسكرات ومخازن أسلحة تابعة لحزب الله في سوريا.
وقال مراقب سياسي عراقي إن زعماء الميليشيات واثقون من أنهم سيكونون عاجزين عن الرد المباشر على تلك الضربات، لذلك يلجأون إلى التهديد بنشر الفوضى والهلع بين الناس العاديين كما لو أن البلاد تعيش في حالة طوارئ. كما يعمدون إلى الضغط على الحكومة من خلال دفع مجلس النواب إلى استصدار قرار ينص على منع القوات الأجنبية، “المقصود هنا القوات الأميركية”، من التواجد على الأراضي العراقية.
وأضاف المراقب في تصريح لـ”العرب” أنه إذا ما كانت حكومة عبدالمهدي قد قررت النأي بنفسها في ما يتعلق بالانتشار العسكري الأميركي، ولم ترد على التصريحات الإسرائيلية في شأن توجيه ضربات استباقية لمواقع الميليشيات في العراق، فلأنها تدرك جيدا صعوبة أن يغامر مجلس النواب بمراجعة الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة التي تتيح لها إمكانية نشر قواتها على الأراضي العراقية.
وتدرك الحكومة العراقية أن القرار الأميركي لا رجعة فيه لأنه يمثل الجزء المتمم للعقوبات المفروضة على إيران، التي قد لا تملك القدرة على صياغة موقف رسمي عراقي مناصر لها في مسألة العقوبات وما يترتب عليها من إجراءات، لذلك لجأت إلى التصعيد من خلال الميليشيات الحليفة التي باتت تستشعر خطر الضربات الإسرائيلية المتوقعة.
وإذا ما كانت عصائب أهل الحق من دون الميليشيات الأخرى قد بدأت ذلك التصعيد فلأنها تمثل ورقة محروقة أميركيا تحاول الميليشيات من خلالها اختبار ردود الفعل الأميركية والإسرائيلية.
العرب