ماذا توقعت المخابرات الأمريكية أن يبدو العالم في عام 2015؟

ماذا توقعت المخابرات الأمريكية أن يبدو العالم في عام 2015؟

قبل فترة وجيزة من أحداث 11 سبتمبر، توقع بعض المسؤولين تحولًا جوهريًا في طبيعة السُلطة؛ فقبل تسعة أشهر من هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وبعد أيام من وقف المحكمة العليا لإعادة فرز الأصوات في فلوريدا، وتسليم الرئاسة إلى جورج دبليو بوش، نشر مسؤولو الاستخبارات الأمريكية بعض التوقعات في 85 صفحة لما سيبدو عليه العالم في عام 2015. إنه عالم يبدو مألوفًا في بعض الحالات، وغريبًا تمامًا في حالات أخرى؛ إنّه عالمٌ تتبدّد فيه الطاقة وتتلاشى تدريجيًا.

المستقبل الموضح في تقرير مجلس الاستخبارات الوطني عن “الاتجاهات العالمية لعام 2015“، الذي نُشر في ديسمبر عام 2000، يحتوي على العديد من الأصداء المعاصرة، كما أشار زملائي في موقع “ديفنس وان”. فهناك التقلب المالي؛ والهجمات الإلكترونية مجهولة المصدر، واتساع الانقسامات الاقتصادية؛ والصين أصبحت حازمة بشكل متزايد، وكوريا الشمالية تمتلك أسلحة الدمار الشامل؛ وزيادة الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة من أمريكا الوسطى؛ وروسيا الزئبقية الاستبدادية التي لا تزال ضعيفة داخليًا ومرتبطة من الناحية المؤسسية بالنظام الدولي من خلال المقعد الدائم في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، وشرق أوسط ممزق من “الضغوط الديموغرافية، والاضطراب الاجتماعي والتطرف الديني والأيديولوجي، والإرهاب“، يتشكّل من تأثير مزعزع للاستقرار للتكنولوجيا الجديدة وجاذبية الإسلام السياسي.

ولكن هناك أيضًا تطورات يصعب أن نتصورها في عام 2015: منها قيام دولة فلسطينية جديدة، وحصول العراق على أسلحة نووية، واليابان تفقد مكانتها باعتبارها ثالث أكبر اقتصاد في العالم. وبدلًا من كونها دولة تعاني من 13 عامًا من الحرب، كما تصوّرت هذه الدراسة أفغانستان “المعزولة دوليًا” وهي تقدّم “ملاذًا آمنًا للمتطرفين الإسلاميين والجماعات الإرهابية” (كان يتحصن أسامة بن لادن هناك في ذلك الوقت).

وبدلًا من التنبؤ بصراع طاحن بين القوات الموالية لروسيا والمؤيدة للغرب في أوكرانيا، كتب مسؤولون أمريكان أن “الأوكرانيين من جميع المشارب السياسية من المرجح أن يختاروا الاستقلال بدلًا من إعادة إدماجهم في مجال النفوذ الروسي.” إنّهم توقعوا أن معظم التقدم التكنولوجي في السنوات الخمس عشرة المقبلة لن يكون لها تأثير إيجابي كبير على الاقتصادات الأفريقية،” وغياب الدور الذي لعبته الهواتف المحمولة في إذكاء ديناميكية اقتصادية جديدة في جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا.

وفي عام 2015، لاحظوا أنّ “الأجندة الأوروبية ستضع المكونات النهائية للاندماج في الاتحاد الأوروبي” هذا الاندماج الذي بات مهددًا من قِبل الأزمة الاقتصادية الجارية في المنطقة. كما اقترح التقرير سيناريوهات بديلة أكثر جرأة، واعترف أنّه من غير المرجح: توحيد الكوريتين، وظهور “تحالف إرهابي دولي له أهداف معادية للغرب ويمتلك أسلحة الدمار الشامل“، ومطالبة الصين من اليابان تفكيك برنامجها النووي، ودفع الولايات المتحدة للتوصل إلى مساعدات طوكيو؛ إذ تندفع القوى العالمية نحو “حرب كبرى.”

وكان موضوع الدراسة الرئيس هو “العولمة”، هذا المصطلح المثير للجدل في أواخر التسعينات. إنّ الاقتصاد المعولم، بشكل عام، يجعل العالم أكثر استقرارًا من الناحية السياسية في عام 2015، وذلك وفقًا للتقرير، الذي اعتمد على مشاورات مجتمع الاستخبارات مع خبراء خارجيين. لكنّ العولمة، والتقدم التكنولوجي المصاحب لها، من شأنها أيضًا أن تحطم طبيعة السلطة.

“كما توقّع المسؤولون الأمريكان أنّ الولايات المتحدة ستواصل دورها المهيمن على الساحة العالمية، ولكن الحكومات سوف تسيطر بشكل أقل على تدفق المعلومات، والتكنولوجيا، والأمراض، والمهاجرين، والأسلحة، والمعاملات المالية، سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة، عبر حدودها“.

وما تُسمى بـ “الجهات الفاعلة غير الحكومية” — التي تتراوح بين الشركات غير الربحية إلى تجار المخدرات والشبكات الإرهابية الحرة العابرة للحدود — سوف “تلعب دورًا متزايدًا في الشؤون الوطنية والدولية على حد سواء.” “نوعية الحُكم، على الصعيدين الوطني والدولي، ستحدد إلى حد كبير مدى نجاح الدول والمجتمعات في مواجهة هذه القوى العالمية.“

لا تزال هذه الرؤية المستقبلية المتشظية للسُلطة ضبابية؛ فالتقرير، على سبيل المثال، لم يذكر تنظيم القاعدة أو أسامة بن لادن. لكنّ التغطية الإعلامية للدراسة في ذلك الوقت ركّزت على نفاذ البصيرة. “إنّ العالم على شفا عهد جديد قد يشبه سيناريو فيلم جيمس بوند، والذي تتحدد فيه الشؤون الدولية من قِبل المنظمات الكبيرة والقوية بدلًا من الحكومات“، وذلك حسب ما ذكرته صحيفة تلغراف.

توسّع توني كارون في تفسير نتائج التقرير في صحيفة “التايم”

أصبحت مشكلة إدارة الشؤون العالمية أكثر صعوبة من خلال تراجع سلطة الدولة. وتمكنت الحرب الباردة، والمصطنعة، من تنظيم كل الصراعات الإقليمية في العالم في نظام عالمي للصراع نجح من قِبل دولتين لهما مصلحة كبيرة في تجنب عدم الاستقرار الذي يمكنه سحبهما إلى مواجهة خطيرة للغاية.

بعد انتهاء الحرب، بدأت العديد من ولايات الإمبراطورية السوفييتية القديمة في الانهيار، وتسريع الجريمة والفوضى والعنف القبلي والإرهاب. ولذلك؛ فإنّ المشكلة المعترف بها في تقرير “الاتجاهات العالمية لعام 2015″ هي أن الحكومات لا تملك آليات متطورة للتعامل مع “الجهات الفاعلة من غير الدول.”

“لم يتوقع تقرير “الاتجاهات العالمية لعام 2015″ الكثير من الوقائع الدولية التي من المرجح أن تمتد إلى العام الجديد، مثل: صعود الدولة الإسلامية، والمواجهة المباشرة بين القوات الأوكرانية والميليشيات المدعومة من روسيا، والهجوم الإلكتروني من كوريا الشمالية على شركة سوني. لكنه توقع وجود ديناميكية متقلبة بين الدول الضعيفة والقوية من جهة، والجهات الفاعلة غير الحكومية وشبه الحكومية من جهة أخرى، وهي السمة المشتركة بين كل هذه التطورات.

كما كتب موسى نعيم في مجلة “ذي أتلانتيك” هذا الصيف: “تنكّر الجنود كمدنيين وتجنيد المسلحين المدنيين هي ممارسات قديمة. ولكن في القرن الحادي والعشرين، اكتسبت هذه الممارسات إمكانات غير مسبوقة كأدوات للحرب.” وفي عام 2000، أشار مسؤولون في الاستخبارات الأمريكية إلى هذه الظاهرة. وفي عام 2015، فإنّ جميع هذه الأمور ماثلة أمام أعيننا.

التقرير