تعد العاصمة الإدارية الجديدة أحد أبرز المشاريع التي يراهن عليها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وذلك رغم تحذيرات وانتقادات المعارضة وخبراء اقتصاد لما تتضمنه من مشاريع عالية التكاليف تزيد من الأعباء الاقتصادية لقيامها على القروض.
في المقابل، يرى مؤيدو النظام أن هذه المشاريع والمدن الجديدة وسيلة لتحقيق التنمية الاقتصادية بجذب الاستثمارات الأجنبية وحل مشكلات مزمنة كالزيادة السكانية التي تستنزف المحافظات المليونية مثل القاهرة والإسكندرية، بالإضافة إلى توفير الآلاف من فرص العمل.
وارتفع إجمالي الديون الخارجية لمصر بنسبة 17.2% لتصل إلى 92.6 مليار دولار بنهاية يونيو/حزيران العام الماضي، مقابل 79 مليارا نهاية الشهر نفسه عام 2017، في ظل غياب العائد الاقتصادي الذي يكفل سدادها لغياب الإنتاج وضعف القدرة التصديرية، مما قد يؤدي لأزمة مرتقبة في السيولة، وفقا لتصريحات عضو اللجنة الاقتصادية بالبرلمان النائب عمرو الجوهري.
وتتضمن العاصمة الجديدة منشآت ومباني إدارية مثل البرلمان الجديد ومجلس الوزراء وباقي الوزارات ودار الأوبرا، بجانب أحياء سكنية بأسعار مليونية للشقة الواحدة حيث يصل سعر المتر الواحد إلى 12.6 ألف جنيه.
وافتتح السيسي مؤخرا مجمع أديان يضم مسجد الفتاح العليم الذي يعد أكبر صرح ديني بالشرق الأوسط بمساحة 250 ألف متر مسطح ويتسع لنحو 12 ألف مصل، وتتكتم الدولة عن تكلفته لكن تأرجحت التصريحات غير الرسمية ما بين أربعمئة مليون ومليار جنيه (الدولار الأميركي يساوي 17.68 جنيها).
وقد صلت تكلفة كاتدرائية العاصمة الإدارية الجديدة أربعمئة مليون جنيه وفق تصريحات المهندس حسني جريس مدير المكتب الفني للمشروع بشركة أوراسكوم، وبنيت على مساحة 15 فدانا بما يعادل 63 ألف متر مربع، بمساحة بناء عشرة آلاف متر مربع.
برج العاصمة
وبدأ العمل بصب القواعد الخرسانية لثمانين ساعة متواصلة للبرج الذي تنفذه شركة CSCEC (سي أس سي إي سي) الصينية، وصمم على شكل مسلة فرعونية، ويصل طوله إلى ألف متر ليكون أعلى من برج خليفة في دبي الذي يصل طوله إلى 828 مترا.
ولم تعرض الحكومة معلومات عن تكاليف البرج، إلا أنه وفقاً لمصدر رفيع فإن البنوك الصينية تقدم قرضا بقيمة 85% للمشروع الذي تصل إجمالي تكلفته إلى ثلاثة مليارات دولار، وفقاً لوكالة بلومبرغ الأميركية.
ويتضمن مراكز تسوق ومقاهي ودور سينما ومراكز ترفيه بجانب شقق فندقية على ارتفاع 250 طابقاً.
ومن أبرز مشروعات العاصمة الجديدة النهر الأخضر الذي صمم ليكون أطول نهر صناعي في العالم بمساحة ضعف مساحة السنترال بارك في الولايات المتحدة بطول 35 كيلومترا، والتكلفة الإجمالية ما يقرب من 35 مليار جنيه وفق بيانات وزارة الإسكان.
القصور الرئاسية
ورغم وجود ثلاثين قصرا رئاسيا أبرزها قصر القبة والاتحادية، ينشئ النظام المصري قصورا رئاسية بمدينة العلمين الجديدة، ووفقا لتصريحات محافظ مطروح اللواء علاء أبو زيد فإن المشاريع الجديدة لإنشاء العلمين الجديدة تبلغ خمسة مليارات دولار.
بالإضافة إلى القصر الجمهوري، تبلغ تكلفة الحي الحكومي المتضمن للقصر حوالي مليار جنيه حسب المتحدث باسم مشروع العاصمة الإدارية الجديدة اللواء خالد الحسيني.
وتشمل المشاريع الجديدة قطارا كهربائيا يربط مدن العبور والشروق والعاشر من رمضان بالعاصمة الإدارية الجديدة، وتم الإعلان عن اتفاق قرض مع بنك صيني وتمويله بمبلغ 1.2 مليار دولار.
“العاصمة الإدارية الجديدة وما يرافقها من مشروعات تابعة تمثل نموذجا صارخا لكيفية إهدار موارد الدولة المحدودة وتوريطها بقروض بالعملة الصعبة لا حاجة لنا بها في ظل أوضاع اقتصادية لا نحسد عليها، وكان من الضروري قبل البدء في مشروع كبير كهذا بتكلفته المرتفعة التي تتعدى خمسمئة مليار دولار كحد أدنى، تقييم المشروع عبر دراسة جدوى واضحة وتوافق مجتمعي من الشعب والمؤسسات ذات الصلة كمجلس النواب ونقابة المهندسين بما تملكه من خبرات” بهذه الكلمات بدأ الخبير الاقتصادي أحمد صالح حديثه للجزيرة نت.
ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن قرار بناء العاصمة الادارية الجديدة لم يأخذ حقه من التفكير، بدليل تبنيه في وقت قصير دون أي حوار مجتمعي بصورة تخالف الدستور الذي يحدد أن القاهرة هي العاصمة الأم.
وتساءل: ألم يكن الأجدى إنقاذ عشرات الآلاف من المصانع المغلقة أو المتعثرة، وتحسين المعيشة بدلاً من مشروع يبدو أنه يستهدف مصلحة طبقة من الأثرياء فقط؟
وتابع “مثل هذا الإنفاق على مشروعات السيسي يمثل ترفا شديدا يعكس خللا في الأولويات بالنسبة لدولة مدينة بقرابة مئة مليار دولار وتفرض عليها سياسة تقشفية من صندوق النقد الدولي تضطرها لرفع الدعم عن البنزين والكهرباء والصحة والتعليم ومقررات التموين”.
نقلة نوعية
في المقابل، قال رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والإستراتيجية د. رشاد عبده إن المشاريع العقارية تدعم اقتصاد الدول بإقامة مجتمعات عمرانية جديدة.
ولفت -في حديث للجزيرة نت- إلى وجود توجه مدعوم من النظام المصري لتغيير صورة البلاد للأفضل عبر المشاريع القومية التي تعد مناخا جيدا للتنمية إذا ما تم استغلالها بصورة صحيحة.
وبحسب عبده فإن الأمر لا يتوقف عند العاصمة الإدارية وما بها من مشروعات، فهناك ما يزيد على عشر مدن جديدة يجري العمل على بنائها على مستوى عال من التخطيط والجودة، مما يوفر مناخا آمنا للمستثمر.
وشدد على أن هذه المشاريع تقلل نسب البطالة وهو ما حدث بتوفير خمسمئة ألف فرصة عمل في الوقت الذي عادت فيه السياحة لمصر، وارتفعت نسبة المستثمرين الأجانب العام الماضي.
المصدر : الجزيرة