الباحثة شذى خليل
من أبرز نتائج الحرب على العراق بعد عام 2003 ، ظهور الميليشيات والأحزاب المتعددة ، منها المتنفذة في الدولة والتي تمارس الخطف والسلب والاستيلاء على الممتلكات الشخصية لأبناء الشعب ، ثم امتدت واتسعت لتشمل أراضي وعقارات الدولة في بغداد والمحافظات ، وتصدَّرت ميليشيات وفصائل مسلحة قائمة المستولين على تلك العقارات ، مع الضعف الحكومي لإيقافها.
في ظل الأزمة المالية التي يمر بها العراق ، والحرب الطائفية ، وبعدها الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي ، تسيطر الأحزاب والكتل السياسية والمليشيات على مئات العقارات والبنايات والمواقع في العاصمة بغداد وباقي المحافظات والمناطق الاستراتيجية والصناعية والتجارية والخدمية ، وعلى المئات من البنايات والقصور والأماكن السياحية ، التي كانت تعود للنظام السابق والمسؤولين فيه ، حيث استولت تلك الأحزاب على تلك القصور في المحافظات الجنوبية والوسطى ، فيما استولت حديثاً على تلك المواقع غرب وشرق بغداد ، حيث دخلت المليشيات للمحافظات السنية وبسطت سيطرتها على تلك البنايات والمواقع التي تقدر بمليارات الدولارات ، فضلاً عن العاصمة بغداد التي تعتبر بمثابة المدينة المجزأة بين الجماعات المسلحة والأحزاب .
حيث أصبحت الأحزاب تسيطر على مناطق كاملة في بغداد ، مثلا الجادرية والكرادة الحيويتين وسط العاصمة ، لحزب معين ، ومناطق الزعفرانية لحزب آخر ، إذ أصبحت كل منطقة باسم شخصية معينة تابعة لأحزاب او جماعات متنفذه ، او الاصح متمردة على القانون ، والدولة غير قادرة على ردعها ، اذ قامت تلك العصابات بتقسيم المناطق وبيعها ، مثلا الزعفرانية 28 محلة في الأساس ، بعد الاستيلاء والسيطرة قسمت الى 56 محلة ، يعني تضاعفت محلاتها ، وأصبحت تقسم القطع وتباع بمكاتب علنية ، ويبنى عليها وهي ملك الدولة .
اليوم في العراق 291 حي عشوائي ، وهي في تزايد ، في حين تسيطر مليشيا عصائب أهل الحق وسرايا السلام وبعض المليشيات الأخرى على عدد من المقرات والأبنية والمواقع في مناطق شرقي بغداد ذات الأغلبية الشيعية ، كمناطق بغداد الجديدة والمشتل والحسينية ومدينة الصدر.
فيما يسيطر حزب الدعوة على أجزاء من مطار المثنى ، ويتخذه كمقر مركزي له ، وترفض هذه الأحزاب تسليم هذه العقارات للحكومة العاجزة عن محاسبة هذه الأحزاب ، كونها عصابات كبيرة مدعومة ومسيطرة على مفاصل ومقدرات الدولة ، وتشغل عددًا كبيرًا من الأبنية الحكومية مقابل إيجارات ورسوم رمزية ، خصوصاً وإنَّ هذه الأحزاب وميليشياتها هي متمكنة من اقالة وإعفاء وتنصيب مديري دوائر وموظفين كبار وفقاً لمزاجها وأهوائها ومصالحها الشخصية و الحزبية.
الاستيلاء والبناء العشوائي في العراق:
تشير الدراسات إلى أن أكثر من 10% من سكان العراق يعيشون في سكن عشوائي .
تعود آخر دراسة حول المجمعات السكنية غير الرسمية في البصرة ، الى عام 2014، وفقا الى زهرة الجابري مسؤولة التخطيط العمراني في مجلس المحافظة ، والتي أشارت الى تحديد “48 الف و 520 منزلا” عشوائيا .
ووفقا لوزارة التخطيط ، يسكن 3,2 مليون نسمة من نساء وأطفال ورجال في حوالى أربعة آلاف مجمع سكني عشوائي موزعة في عموم العراق ، ما يعني وجود حوالى عشرة بالمئة تقريبا من سكان البلاد في هذه المجمعات.
الاستيلاء والبناء العشوائي في البصرة:
يتواجد في محافظة البصرة واحد من كل خمسة من هذه المجمعات العشوائية ، لتأتي في المرتبة الثانية بعد محافظة بغداد.
وتخسر ميزانية البصرة ، المخصصة وفقا لعدد سكانها ، اعتمادا على الاحصاء الرسمي ، مبلغا يوازي كلفة بناء كل منزل يبنى بشكل عشوائي ، لأن هذه المجمعات غير مثبتة ضمن المخطط السكاني للمحافظة.
اما الضرائب ورسوم المياه والكهرباء ، فإن سكان العشوائيات لا يدفعونها ، مؤكدة ان ذلك يؤثر على “الموازنة الخاصة بالتعليم والصحة وغيرها من الخدمات”.
الاستيلاء والبناء العشوائي في ديالى:
أما في محافظة ديالى ، فإن المليشيات والأحزاب المتنفذة قامت بالاستيلاء على الاملاك العامة والادعاء بعائديتها لجهات سياسية تابعة لمسؤولين وسياسيين ، لكنها تابعة بالحقيقية الى ملكية الدولة .
وبحسب مراقبين ، فإن هناك صاحب بستان في خانقين متجاوز على أرض الدولة بمساحة 1600م ، وقام بمراجعة دوائر مختصة بحجة أن البستان تابع له من أجل الاستيلاء على الأرض ، وعرقلة عمل البلدية في استرجاعها ، وكثير من جهات أخرى تقوم باستغلال المناصب للمكاسب الشخصية والمنفعة الخاصة ، فضلا عن وجود ظاهرة الرشاوى لإنجاز المعاملات في عدد من دوائر محافظة ديالى ، الأمر الذي يستوجب متابعة من قبل الجهات الحكومية الرقابية المعنية ، وإلى ضرورة اتخاذ كافة الإجراءات القانونية الكفيلة بمحاسبة هؤلاء للحد من هذه الظواهر .
من جهتها ، أكدت عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية “نجيبة نجيب” إن الفوضى التي عمّت العراق بعد 2003 ، وغياب مركزية الدولة ، ساهما بشكل كبير باستيلاء الأحزاب والكتل السياسية على العقارات في المحافظات كافة في ظل المحسوبية والمنسوبية.
هذا فضلا عن ضعف الأجهزة الرقابية ، وانعدام سيطرة الدولة على الممتلكات ، التي فسحت المجال لهيمنة الأحزاب وحتى الفصائل المسلحة لاحتلال البنايات والقصور والعقارات العامة ، ووجود بعض الجهات الرسمية التي تستولي على عقارات الدولة ، لكنها غير مرخص لها بشغل هذه الأماكن ، ولو كانت هناك إجراءات صارمة لما تمكن هؤلاء من الاستيلاء عن الأملاك العامة .
وأضافت نجيب ، ان الدولة العراقية يمكن لها أن ترفع دعاوى قضائية للقضاء العراقي وتغرم هؤلاء بما انتفعوا به من تلك العقارات التي تعود لملكية الشعب ، فالأحزاب اليوم في العراق لديها أملاك طائلة وليست فقيرة .
وتؤكد اللجنة المالية النيابية في توضيحاتٍ لها ، انه لم يبق للحكومة سوى 60% فقط من الأملاك التي مازالت تحت تصرفها ، فيما باعت الحكومة السابقة بزعامة نوري المالكي 40% من عقارات الدولة ، أما الآن فقد شرعت الحكومة بدراسة فكرة التصرف بأكثر من 600 ألف عقار تابع للدولة ، ضمن خطتها لمواجهة الأزمة المالية بفعل تراجع أسعار النفط .
وفي سياق متصل ، وصفت عضو اللجنة الاقتصادية في البرلمان العراقي نورة البجاري ، حجم الفساد والصفقات المشبوهة في هذا الملف بأنه “أكبر ملف فيه فساد” ، مؤكدة أن “قسماً من تلك العقارات والقصور والبنايات تقدّر بمليارات الدولارات ، فيما باعت الحكومة بعضها بأثمان بخسة ، على أساس أنها أسعار الدولة ، أو في المزادات الصورية التي تعلن عنها ، وهي أيضاً يشوبها الفساد ، حيث لا تخضع لمعايير المزادات الحقيقية ، وتخضع لمصالح أشخاص متنفذين في الدولة”.
وبينت البجاري ، ان “بعض الأحزاب السياسية والشخصيات استولت على هذه البنايات الكبيرة ، وكأنها ملكٌ لها ، وادعت أنها تضحي لأجل البلد ، ولها الفضل في تغيير النظام السابق ، ومن ثم تمت السيطرة على الكثير من العقارات بهذه الحجة”.
وتابعت البجاري “استولى بعض المتنفذين على بيوت كبيرة لمسؤولين في النظام السابق تم التجاوز عليها ، وبعضهم زوّروا لها سندات وتم شراؤها من الدولة بأسعار زهيدة لا تساوي شيئاً”.
وأضافت البجاري ان ” نحو 600 ألف عقار تمتلكها الدولة هي الآن مستغلة من قبل متنفذين ، وأغلب الكتل لا تريد فتح هذا الملف كونه يضرب مصالحها ، موضحةً أن بعض العقارات تم بيعها لأشخاص وأحزاب سياسية ” .
ويؤكد خبراء في القانون ، ان هذه العقارات بعضها تم إيجارها ، والبعض تم شراؤها بأثمان بخسة ، تنم عن صفقات فساد وتحت ضغط من المتنفذين ، إذ ان هذه الأبنية خاضعة لقانون بيع وإيجار أموال الدولة.
وان لجان التثمين تم التلاعب بها بحجة أسعار السوق ، رغم أن هذه التقييمات المالية واضحة الضرر للدولة ، وتخضع مثل هذه التصرفات القانونية تحت بند التجريم وفق قوانين العقوبات العراقية ، وهيئة النزاهة هي المختصة بالنظر بمثل هكذا دعاوى عندما يتم تحريكها.
وتثير ظاهرة استيلاء الأحزاب والميليشيات على عقارات الدولة ، مخاوف لدى ناشطين في مجال حقوق الإنسان ، من تنامي نفوذ الفصائل المسلحة ، ما يشكل تهديدًا خطيرًا لحياتهم المدنية ، ويبعث على التساؤل حول دور الحكومة وقدرتها على إيقاف هذه الفوضى على حد تعبير عدد كبير منهم.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية