بترشيح الأميرة أوبولراتانا ماهيدول، الشقيقة الكبرى لملك تايلند، لمنصب رئيسة الوزراء تسجل سابقة تاريخية في تلك الدولة، التي تنفرد بألقاب أخرى في محيطها، فهي أكثر دولة آسيوية شهدت انقلابات عسكرية، وملكها السابق ظل على العرش طيلة 70 عاما، وبعد وفاته ظل جثمانه عاما كاملا في القصر الملكي قبل حرقه ليصبح بعد ذلك “شخصية مقدسة”.
وتشكل هذه السابقة التاريخية التي لم تعرفها تايلند منذ إعلانها ملكية دستورية عام 1932، اختبارا للعسكر الذي يتحكم في القرار السياسي منذ الانقلاب العسكري عام 2014 وإعلان ولائه للملك.
كما تشكل تلك الانتخابات التي تعد الأولى منذ الانقلاب العسكري الأخير، اختبارا للملك نفسه خصوصا وأن الحزب الذي رشحها اختارها لمواجهة الحزب الموالي للعسكر، مما يلقي بظلال على المستقبل السياسي للبلاد عقب الانتخابات العامة المقررة يوم 24 مارس/آذار المقبل.
وقبل أقل من شهرين من إجراء تلك الانتخابات، أعلن حزب “تاي راكسا تشارتا” -الذي أسسه حلفاء رئيس الوزراء الأسبق تاكسين شيناوتراـ ترشيح الأميرة أوبولراتانا، وأعلن الحزب “تشرفه” بترشيحها للمنصب لتصبح الشخصية الملكية الأولى التي تنخرط في السياسة بصورة مباشرة.
وقال الحزب “عملت الأميرة (أوبولراتانا، 67 عاما) على تعزيز صناعة السياحة التايلندية لمدة تصل إلى عشر سنوات، وترى أن الوقت أصبح مناسبا للتطوع للعمل رئيسة للوزراء لمساعدة الشعب والبلاد”.
والأميرة المرشحة هي أول مولود للملك الراحل بوميبول أدولياديج وزوجته الملكة سيريكيت، ورغم أنها كانت أقرب بنات الملك إليه، فإنها قد تبرأت منه عام 1972 عندما تزوجت من أميركي كان يدرس في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، مضحية باثنين من ألقابها الملكية، وعاشت في الولايات المتحدة مع زوجها بيتر جونسون الذي أنجبت منه ثلاثة أطفال.
بعد طلاقها من زوجها في أواخر التسعينيات، انتقلت إلى تايلند عام 2001، وعلى الرغم من عدم استعادة لقبها الملكي، يعاملها الشعب التايلندي كسائر أفراد العائلة المالكة.
وتناقض شخصية أوبولراتانا الجذابة والمعروفة باختلاطها بالعامة، شخصية شقيقها الملك مها فاجيرالونغكورن، ومنذ عودتها إلى تايلند انخرطت في أعمال خيرية، لا سيما مؤسسة “أن تكون رقم 1” لمحاربة انتشار المخدرات بين الشباب.
كما أنها كثيرا ما تشجع السياحة والأفلام التايلندية في المنتديات الدولية. بشكل عام، ومثل معظم أفراد العائلة المالكة، نأت بنفسها عن الاضطرابات السياسية الأخيرة في تايلند.
ويخضع الحزب الذي رشحها لرئاسة الوزراء، لنفوذ تاكسين شيناواترا، رئيس الحكومة السابق الملياردير المقيم في المنفى الاختياري، والذي يقع في قلب انقسام سياسي مرير منذ عقود، جعله منبوذا من الجيش والنخبة في بانكوك رغم أنه يحظى بشعبية واسعة وسط فقراء الريف.
في مواجهة الجيش
ويضع هذا الترشيح الأميرة في مواجهة مباشرة مع حزب عسكري أعلن عن مرشحه اليوم، وهو زعيم المجلس العسكري الحاكم برايوت شان أوشا.
ويترأس برايوت المجلس العسكري الحاكم منذ نحو خمس سنوات، وضع خلالها دستورا جديدا سعيا لتغيير نظام سياسي برمته لضمان إمساك الجيش بالسلطة بعد الانتخابات العامة الشهر المقبل.
لكن الدخول المفاجئ للأميرة أوبولراتانا على خط الانتخابات قد يفسد على الأرجح خطط الجيش. ومن ثم يعد اختيار الأميرة أوبولراتانا إعادة إنتاج صدمة للسياسة التايلندية، التي شهدت اضطرابات واسعة خلال العقد الماضي.
وترتب على وفاة الملك بوميبول عام 2016 حالة من عدم اليقين، حيث كان بمثابة قوة استقرار منذ توليه العرش في عام 1946.
أما العنصر الآخر المزعزع للاستقرار في السياسة التايلندية فقد كان انتخاب تاكسين شيناواترا رئيسا للوزراء عام 2001، وقد أعطته سياساته الشعوبية أغلبيات انتخابية غير مسبوقة، لكنه استاء من الطبقة الحاكمة التقليدية، بما في ذلك الملكيون والجيش.
لم يصبر الجيش على تاكسين طويلا فانقلب عليه عام 2006. وقد ظل في المنفى منذ عام 2008 لتجنب عقوبة السجن بعد تهم فساد يصر على أنها ذات دوافع سياسية.
ويتفق معظم مراقبي السياسة التايلندية على أن تاكسين كان يسعى بقوة إلى إقامة علاقات جيدة مع شقيق أوبولراتانا الملك الحالي مها فاجيرالونكورن، والصداقة مع الأميرة نفسها.
ولما كان الملك الحالي يفتقر إلى المستوى نفسه من الولاء الذي كان يكنه معظم التايلنديين لوالده الراحل، فإنه رأى أن الحكمة التقليدية تقتضي منه أن يشدد قبضته على السلطة بالتحالف مع الجيش.
لكن الدخول المفاجئ لأخته أوبولراتانا إلى السياسة -المفترض أنه بمباركته- يثير التساؤلات حول ما إذا كانت الشراكة الطويلة الأمد للقصر مع الجيش في خطر، وهل هناك إمكانية لعودة النشاط السياسي في البلاد إلى سابق عهده في ظل وجود قادة الجيش الحاليين؟
المصدر : الجزيرة + وكالات