يُبرز تناقض تصريحات أنقرة أنها تعيش مأزقا مع اقتراب انهيار متوقع لآمالها بشأن السيطرة على منبج، مما يضيّع فرصها في إخلاء المنطقة من وحدات حماية الشعب الكردية. وكانت أنقرة قد أعلنت أنها اتفقت مع واشنطن على تشكيل قوة عسكرية مشتركة لتنسيق الانسحاب الأميركي من سوريا في غياب تأكيد لذلك من جانب واشنطن، وقبل ذلك أعلنت تركيا أنها توصلت إلى تفاهم مع روسيا في ما يتعلق بمنبج رغم أن الوقائع على الأرض تبين العكس.
واشنطن – تكشف التصريحات التركية بشأن خارطة الطريق المرتقبة بشأن الشمال السوري عن تناقضات كبيرة في الموقف التركي، حيث قالت أنقرة إنها تنسق مع واشنطن بشأن الانسحاب الأميركي من سوريا بعد أن كانت قد صرحت في السابق أنها اتفقت مع موسكو في هذا الشأن.
وأعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، تشكيل قوة مهام مشتركة بين أنقرة وواشنطن بهدف تنسيق انسحاب القوات الأميركية من الأراضي السورية، وفق ما نقلت وكالة الأنباء التركية الأناضول عقب مشاركته في اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء في التحالف الدولي لمكافحة تنظيم داعش.
لكن تصريحات وزير الخارجية التركي وتأكيده على الاتفاق مع واشنطن بشأن الشمال السوري بعد انسحاب القوات الأميركية، لم يقابلها أي تأكيد من جانب واشنطن التي أوضحت أنها بصدد مناقشة الخطة المحتملة فقط مبينة أنه لم يتم التوصل إلى أي تفاهم أو تنسيق معلن.
وكانت مسؤولة أميركية قد أوضحت “نجري مفاوضات مع نظرائنا الأتراك حول ما يمكن القيام به بالنسبة إلى المنطقة العازلة”، دون أن تكشف عن المزيد من التفاصيل حول طبيعة القوة الدولية التي يمكن أن تشرف على منطقة مماثلة.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره التركي رجب طيب أردوغان تحدثا عن خطة لإقامة “منطقة آمنة” على الحدود التركية السورية، لكن تعقيدات كثيرة تحول دون ترجمتها على الأرض.
وتحمل تصريحات جاويش أوغلو في حد ذاتها الأمر ونقيضه في الوقت نفسه، ففي حين أكد أنه جرى التنسيق مع واشنطن مشيرا إلى وجود نوع من السرعة في تطبيق خارطة الطريق حول منبج السورية، رغم الظروف الجوية السيئة.
فقد قال “إن كان المقصود بالمنطقة الآمنة، هو إنشاء منطقة عازلة للإرهابيين، فإن تركيا سترفض هذه الخطوة”، في دليل واضح على أن الاتفاق لم يتم بعد وأن الطرفين ما يزالان في مرحلة التفاوض.
وتسعى تركيا لإنشاء منطقة آمنة بدعم لوجستي من الحلفاء وتقول إنها تريد إخلاء المنطقة من وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من الولايات المتحدة.
وتبرز التناقضات التركية أيضا في ذكر جاويش أوغلو أن بلاده تبحث مع المسؤولين الروس فكرة إنشاء المنطقة الآمنة على غرار التنسيق القائم بين أنقرة وواشنطن حول هذا الموضوع. ويبدو هذا الأمر بعيدا جدا عن الواقع خاصة أن الوزير التركي أكد أن الموقف التركي رافض للسماح للمواليين للنظام السوري بملء الفراغ في المناطق التي ستنسحب منها القوات الأميركية، في ظل دعم موسكو لنظام بشار الأسد.
وتعلق تركيا آمالها على الاستيلاء على منبج، منذ أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قرار انسحاب القوات الأميركية من سوريا، مما سيمكنها من ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني في العمق السوري.
وقال جاويش أوغلو إن عناصر حزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه أنقرة “إرهابيا”، ما زالوا داخل منبج داعيا إلى ضرورة إخراجهم من هذه المنطقة.
لكن موسكو تعارض بشدة مساعي أنقرة لفرض سيطرتها على منبج. وأصبحت الحدود الشمالية لسوريا موضع مساومة رئيسية بين روسيا وتركيا وإيران، منذ إعلان القرار الأميركي.
ويعد 80 بالمئة من سكان منبج من العرب السنة فيما يمثل الأكراد 15 بالمئة من السكان والبقية أقليات تركمانية وشركسية. ويفضل العرب عودة النظام السوري مدفوعين بشعور معادي لوحدات حماية الشعب الجماعة المسلحة الكردية التي ترأس قوات سوريا الديمقراطية التي تدعهما واشنطن، وفق تقرير لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط.
كما يشكك السكان المحليون في الجماعات غير المنتمية لوحدات حماية الشعب والتي ينظر إليها على أساس أنها بديلة لسيطرة النظام، إذ يرفض سكان منبج وفق ما وصفه معهد واشنطن “خيار الحماية التركية”.
ولا يرغب سكان المنطقة في عودة سيطرة الجيش السوري الحر المدعوم من تركيا على أساس أن فترة سيطرته تميزت بالفوضى والابتزاز والاختطاف.
وتشير العديد من التقارير إلى وجود قوي للمسلحين الموالين لنظام الأسد في منبج إلى جانب علاقاتهم الجيدة مع القبائل العربية هناك.
فيما تشير الدوريات المشتركة بين “قوات سوريا الديمقراطية” والقوات الروسية في الفترة الأخيرة في شمال منبج إلى أن فرضية تسليم واشنطن للمنطقة لأنقرة تبدو غير ممكنة.
وتعد استعادة نظام الأسد لسيطرته على منبج تمهيدا لبسط سيطرته على كامل منطقة شرق الفرات.
العرب