بعدما أقرّ الكونغرس مشروع قانون الميزانية التكميلية وتعهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإقراره، ينتظر أن يعلن ترامب حالة الطوارئ القومية لتوفير تمويل بناء الجدار عند حدود المكسيك، مما يستدعي التوقف عند بعض الأسئلة لنفهم حالة الطوارئ.
وكان مجلس الشيوخ قد صوّت على مشروع الميزانية بأغلبية 83 صوتا مقابل 16 صوتا، في حين كانت نتيجة التصويت في مجلس النواب 300 مؤيد مقابل اعتراض 128 عضوا.
ولم يتضمن مشروع القرار تقديم 5.7 مليارات دولار طلبها ترامب لبناء الجدار، مما قد يدفع ترامب لتنفيذ تهديده وإعلان حالة الطوارئ على الحدود من أجل مواجهة “الأزمة الإنسانية” والأزمة المتعلقة “بالأمن القومي”، كما يقول.
ماذا يعني إعلان الطوارئ القومي في الولايات المتحدة؟ وهل يختلف عن حالة الكوارث الطبيعية أو المناخية؟
هو حق يمنحه الكونغرس للسلطة التنفيذية، وعلى رأسها الرئيس، للتعامل مع الأزمات الطارئة بسرعة وحسم، ويحق له أن يتجنب أي قيود أو حدود على قراراته المتعلقة بالتعامل مع الأزمات.
ويتطلب إعلان “قانون الطوارئ القومي” أن يبلغ الرئيس الكونغرس بوجود أزمة طارئة وإعلان ما يتطلب للتعامل معها، ويفرض القانون على الرئيس أن يبلغ دوريا الكونغرس بمستجدات الأزمة.
ويختلف ذلك عن إعلان الرئيس حالة الكوارث في ولاية معينة نتيجة تعرضها لأعاصير أو عواصف ثلجية كبيرة مثلا، ويمنح هذا الإعلان حق توجيه أموال فدرالية للتعامل مع الكارثة، وقد لا تكون لها تبعات سياسية، أما حالات الكوارث القومية الصحية -مثل انتشار الأوبئة- فتخضع لحالة الطوارئ القومية.
لماذا يسمح القانون الأميركي للرئيس بحق فرض حالة الطوارئ القومية؟
لا يسمح الدستور الأميركي للرئيس بتجميد القوانين أو حل الكونغرس والحكم كدكتاتور، بل يمنحه حق مواجهة الحالات الطارئة بما يستدعي سرعة الحركة واتخاذ قرارات حاسمة أمام ظروف طارئة تمثل تهديدات كبرى، ودون تعدّ على سلطات الكونغرس أو استقلال القضاء، أي يجب احترام مبدأ الفصل بين السلطات.
ما القوانين المنظمة لفرض حالات الطوارئ القومية؟
يسمح القانون للرئيس بفرض حالة الطوارئ مدة عام واحد، ويمكن تجديدها. وهناك قانونان حاكمان لهذا الموضوع وهما:
“قانون حالة الطوارئ القومي” الذي تم إقراره عام 1976.
“قانون الطوارئ الاقتصادية الدولية” الذي تم إقراره عام 1977، ويختص بمنح الرئيس حق فرض عقوبات أو معاقبة الحكام المستبدين أو الإرهابيين أو منظمات أجنبية تضر بالمصالح الأميركية.
وينبغي على الرئيس في الحالتين أن يؤكد وجود “تهديدات غير طبيعية وخطيرة على الأمن القومي والمصالح الأميركية”.
لماذا يلجأ ترامب لفرض حالة الطوارئ القومية؟
نظرا لرفض الكونغرس طلبه تخصيص مبلغ 5.7 مليارات دولار لتمويل الجدار العازل الذي وعد ببنائه أثناء حملته الانتخابية، يلتف ترامب على الكونغرس الذي يعدّ الجهة الوحيدة المخولة بتحديد أوجه الإنفاق والمخصصات للبرامج والجهات الحكومية في الميزانية العامة للدولة.
ويرى كثير من الخبراء أن تمسك ترامب بفكرة الجدار وتمسك خصومه بالرفض يتعلقان بانتخابات الرئاسة القادمة، كما يمثل جانب من القضية تعدّيا من ترامب على اختصاص أصيل للكونغرس.
لكن هل هناك حاليا أزمة تستدعي فرض حالة الطوارئ؟
يعتقد الرئيس أن هناك أزمة على الحدود مع المكسيكي بشقيها الإنساني والأمني، وقد غرد ترامب قائلا “المجرمون يدخلون بلادنا من الحدود الجنوبية، وهناك عمليات تهريب للبشر وجلب للمخدرات، وعلينا التعامل مع كل هذه الأمور”.
وتدّعي إدارة ترامب أن “الإرهابيين” يدخلون من الحدود الجنوبية، إلا أن ما جرى هو زيادة في أعداد العائلات القادمة من أميركا الوسطى التي تسعى للتقدم بطلبات اللجوء. وتُصعّب القوانين الأميركية ترحيل هذه العائلات أو احتجازها لفترات طويلة أثناء النظر في طلبات اللجوء التي قد تستغرق أعواما.
ماذا يترتب على إعلان الطوارئ القومي، وماذا يتغير في طرق اتخاذ القرار؟
تزداد مخاوف الخبراء والسياسيين في واشنطن من إعلان “حالة الطوارئ” لما لها من تداعيات قانونية ودستورية على التوازن الدستوري بين مراكز القوى الرئيسة، خاصة تلك التي تحكم علاقات البيت الأبيض بالكونغرس. والأصل أن الكونغرس هو الجهة التي تصنع القرار المتعلق بالميزانية بشرط ألا يعترض الرئيس مستخدما حق النقض، الذي يستطيع الكونغرس تخطيه بأغلبية الثلثين.
ويخشى بعض الجمهوريين من أن يكون خيار “الطوارئ” بداية لاستخدام هذا الحق وتسييسه من أجل أهداف داخلية ضيقة، وأن يكون بناء الجدار بداية مبررا لها في المستقبل. ويخشى الجمهوريون من استغلال أي رئيس ديمقراطي في المستقبل حالة قتل جماعي في مدرسة من أجل إعلان حالة الأزمة بذريعة انتشار الأسلحة، ثم فرض حظر على تجارة الأسلحة لخطورتها على “الأمن القومي”؛ فحق حمل السلاح من أهم قضايا الحزب الجمهوري.
ما الحالات التي يخول فيها القانون الأميركي للرئيس إعلان الطوارئ؟
القانون فضفاض في هذه النقطة، إذ يمنح الكونغرس الرئيس حق إعلان حالة الطوارئ القومية دون تحديد محكم لها، لكن جرى العرف من كل الرؤساء على استخدام القانون لمواجهة الأزمات التي تتعلق بقضايا خارجية غالبا، وتكون محل إجماع الحزبين المتنافسين، دون التعدي على سلطة الكونغرس فيما يتعلق بالميزانية.
وسيعد تمويل الجدار المرة الأولى التي تُستغل فيها صلاحيات قانون الطوارئ من أجل خدمة “هدف سياسي ضيق” لا يدخل في صلاحيات الرئيس بل هو حق للكونغرس.
ما أشهر الحالات التي سبق أن أعلن فيها رؤساء أميركيون حالة الطوارئ؟
طبقا لبيانات معهد برينان للدراسات القانونية، تم فرض حالة الطوارئ القومية في 58 حالة، واستخدم هذا الحق كل الرؤساء منذ تمرير القانون، إلا أن معظم الحالات لا تجذب الاهتمام لتداعياتها البسيطة وللاتفاق العام عليها.
وهناك 31 حالة طوارئ قومية في الوقت الراهن، يعود أقدمها إلى عام 1979 عندما فرض الرئيس جيمس كارتر الطوارئ القومية لتجميد أصول الحكومة الإيرانية أثناء أزمة احتجاز الرهائن الأميركيين، ويتم تجديدها سنويا.
ومن أشهر الحالات الأخرى:
إعلان الرئيس باراك أوباما حالة الطوارئ القومية بسبب انتشار فيروس إنفلونزا الخنازير عام 2009.
إعلان الرئيس جورج بوش الابن حالة الطوارئ القومية عقب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.
هل ستكون هذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها ترامب حالة الطوارئ القومية؟
لا، فقد استخدمها ترامب ثلاث مرات على النحو التالي:
ديسمبر/كانون الأول 2017: تجميد أصول وممتلكات أي شخص متورط في انتهاكات حقوق الإنسان والفساد.
سبتمبر/أيلول 2018: فرض عقوبات على أشخاص ومؤسسات روسية لتدخلهم في الانتخابات الأميركية.
نوفمبر/تشرين الثاني 2018: تجميد أصول وممتلكات أشخاص متورطين في تدهور الأوضاع في نيكاراغوا.
ما خيارات خصوم ترامب لمواجهة قراره؟
تعتقد الخبيرة القانونية إليزابيث جويتين أن “فرض حالة الطوارئ عملية سهلة وبسيطة، ولا يوجد الكثير من العقبات القانونية أمامها حتى لو لم تكن هناك أزمة تستدعيها”.
سيلجأ خصومه للقضاء، لكن المحاكم تتردد في التدخل بالقضايا المرتبطة بالأمن القومي التي للرئيس اليد العليا في اتخاذ القرار بخصوصها، ومن الصعب أن تقبل المحاكم الفدرالية الحكم في قضايا تشكك في تعريف “حالة الطوارئ” وفيما إذا كان ترامب يُضخم من خطورة الأوضاع عند الحدود.
عمليا وتاريخيا تتردد المحاكم في تغيير أو رفض قرارات للرئيس تتعلق بالأمن القومي، ومثال ذلك حظر دخول مواطني عدد من الدول الإسلامية على خلفية تهديد الأمن القومي، حيث دعمت المحكمة الدستورية العليا قرار الرئيس.
من منح الرئيس هذه الصلاحيات؟ ومن يستطيع أن يحجبها عنه؟
الكونغرس هو الجهة التي تصنع القانون ويمكنها إلغاؤه أو تجميده، ويحق له خلال 15 يوما أن يصوت ضد قرار الرئيس، لكن على الكونغرس تحقيق أغلبية الثلثين كي يلغي قرار الرئيس ويتغلب على الفيتو الرئاسي.
ولدى الحزب الديمقراطي أغلبية 235 عضوا مقابل 200 عضو للجمهوريين في مجلس النواب، فهو يتمتع بأغلبية لا تتخطى 55% من الأصوات، أما في مجلس الشيوخ فيتمتع الجمهوريون بأغلبية 53 مقعدا مقابل 47 للديمقراطيين؛ لذا فإن من الصعب وصول العدد المعارض للرئيس إلى نسبة الثلثين، أي 66 عضوا في مجلس الشيوخ و287 عضوا في مجلس النواب.
هل سينهي بناء الحاجز الحدودي قضية الهجرة غير النظامية؟
يدعي ترامب منذ بدء حملته الانتخابية أن وجود حاجز حدودي على الحدود مع المكسيك سيحل أزمة تدفق المهاجرين غير النظاميين، لكن الكثير من الخبراء يعتقدون أن فرض الطوارئ لهذا السبب فكرة خاطئة وهدر للمال العام، فليست هناك أزمة على الحدود، خاصة مع انخفاض عدد المهاجرين غير النظاميين خلال العامين الأخيرين، كما أن أكثر من 40% من المهاجرين غير النظاميين يدخلون الولايات المتحدة بطرق شرعية.
الجزيرة