“مسيرة مليونية لمنع العهدة الخامسة”.. “كلنا صوت واحد.. لا للخامسة”.. “لا للخروج للشارع والجز بالبلاد في ثورة”.. “لا للأيادي الخارجية”، شعارات تقاذفها دعاة كسر حاجز الصمت في الجزائر والمتخوفون من وصول هذه المسيرات بالبلاد لثورة دموية يصعب الخروج منها.
ينتظر الجزائريون بكثير من القلق والحماس يوم الـ22 من الشهر الحالي، ترقبا لما قد تفضي إليه المسيرات السلمية التي دعا إليها النشطاء الشباب عبر منصات التواصل الاجتماعي وتلاقي صدى كبيرا، في ظل مشهد سياسي يصفه البعض بـ”الغامض”.
ودعا النشطاء إلى الخروج للشوارع بعد صلاة الجمعة المقبلة لترديد شعارات مناهضة لترشح الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة لولاية جديدة، بعد عشرين سنة قضاها في الحكم، معتبرين قراره خوض المعترك الانتخابي للرئاسيات في أبريل/نيسان المقبل القطرة التي أفاضت كأس “غضب الشعب”.
ويجتهد النشطاء، مطلقو مبادرة المسيرات السلمية، في التوعية عبر منصات التواصل الاجتماعي، على أن تتحلى طريقتهم التي اختاروها للتعبير عن رفضهم “بالحكمة وألا تنساق خلف أي صوت قد يجرها نحو العنف مهما كانت المفاجآت في الميدان وقتها”.
وتشمل المبادرة كل ولايات الوطن، حيث إنها ليست الأولى خلال المرحلة الجارية، فقد سبقتها مسيرات شعبية، خرج فيها آلاف الجزائريين للشارع حاملين أعلاما سودا، تنديدا منهم بما اعتبروها “إهانة غير مسبوقة في تاريخ البلاد”.
وتظاهر المئات الأسبوع الماضي في مختلف مناطق الجزائر وخرجوا مردّدين شعارات مطالبة بتوقيف “تمرير” العهدة الخامسة التي أثارت جدلا كبيرا بعد بعث بوتفليقة رسالة لشعبه يعلن فيها رسميا ترشحه للانتخابات الرئاسية.
حملة اعتقالات
ونادى المحتجون خلال المسيرات بعدم استخدام أسلوب التخويف، مشيرين إلى أنّه لم يبق في يد الشعب سوى الخروج للشارع لوقف ما وصفوه بـ”انتهاك دستور البلاد”، في حين برز عدد من المدونين خلال الأسبوع الماضي يدعون -عبر فيديوهات- الشعب للتّظاهر السلمي.
ويتخوّف كثيرون ممن أطلقوا الحملة من واقع حرية التعبير في الجزائر، خاصة بعد اعتقال مدوّنيْن أعلنا مناهضتهما للعهدة الخامسة، لكن أطلق سراحهما بعد ضغوط من أصوات حقوقية في البلاد.
وأشار الناشط الحقوقي والصحافي سعيد بودور إلى أن “النظام السياسي بالجزائر متخوف من توسع رقعة الاحتجاجات في الشارع وتحولها إلى صورة شعبية تطالب بإسقاط النظام بأكمله، وقد ظهر ذلك جليا في الشعارات التي رفعت في الاحتجاجات الأخيرة”.
وفي حديثه للجزيرة نت، توقع بودور “المزيد من الاعتقالات خلال الوقفات السلمية المقررة هذه الجمعة وكذا التي دعت إليها حركة مواطنة يوم 24 فبراير/شباط الحالي بالعاصمة”.
وأضاف الناشط أن “السلطة تغيّرت لكن الأساليب لم تتغير، فهي تعاقب كل من يخالف طرحها ويعارض سياستها، هناك قنوات أغلقت خلال مشروع العهدة الرابعة وجرائد تم خنقها بمطرقة حرمانها من الإعلانات تارة وبسندان تسديد ديون المطابع تارة أخرى”.
وأضاف المتحدث أن “ما تبقى من إعلام بعد مشروع العهدة الرابعة فهم الدرس وأعلن مساندته العهدة الخامسة دون استثناء، وحتى المواقع الإلكترونية اعترضت مصالح محافظة العاصمة على تأسيس نقابتها لأنها لا تستطيع السيطرة على المنابر الإعلامية الإلكترونية”.
واعتبر بودور “تأخر صدور المراسيم التنظيمية مؤشرا على ضيق مساحة التعبير عن الرأي الحر في وسائل الإعلام الجزائرية، حيث أصبح الشباب يضطر لفتح فضاءات تدوينية للتعبير عن أفكارهم، وهو ما دفع بالسلطة إلى اعتقالهم وسجنهم بحجة الجرائم المعلوماتية”.
بوتفليقة يحذّر
وفي رسالة وجهها الرئيس الجزائري لشعبه بمناسبة يوم الشهيد (18 فبراير/شباط)، وحذّر فيها ممّا وصفها بالمخاطر، قال “نحن نعيش في فضـاء يَعجُّ بمخاطر وبتقلبات يجـب علينا الحرص على حفظ الـمكاسب والتجند لتحقيق المزيد من التقدم”.
واعتبر مراقبون أن بوتفليقة حاول إيصال عديد الرسائل أياما قبيل المسيرات الشعبية المرتقبة عبر مختلف ولايات الوطن، مذكرا بما مرّت به بلاده خلال العشرية السوداء وسنوات الدم، “لقد عرفت الجزائر الـمستقلة هزة عنيفة أثناء الـمأساة الوطنية”.
وذكّر بوتفليقة ببرنامجه الذي كان سببا في إنهاء مرحلة دموية من تاريخ الجزائر، فقد “استطاعت البلاد أن تتجاوز مأساتها الوطنية بالوئام الـمدني، ثم بالـمصالحة الوطنية اللتين أنعم بهما علينا الله”.
غضب وخوف
وتتعالى الأصوات عبر منصات التواصل الاجتماعي المنادية بمقاطعة المسيرات السلمية التي دعا إليها نشطاء، ولاقت استجابة ملفتة، حيث اعتبر المتخوفون أن الحركة التي يعيشها الشارع الجزائري فتيل أول لـ”إشعال نار الفتنة”.
ومع تضارب الآراء، يتراشق الداعون للاحتجاج والمقاطعون فيما بينهم، فيتّهم أصحاب مبادرة المسيرات السلمية الشعبية من يدّعون أن هذه الحركة ستجر البلاد نحو منزلق أمني خطير بـ”التطبيل للولاية الخامسة واستخدام أسلوب التخويف لإسكات الشارع”.
في المقابل يصف المتخوفون من المسيرات أصحاب المبادرة بالمنفّذين لمخطط “الأيادي الأجنبية التي تهدف للفتك بأمن البلاد، خاصة في المرحلة الحساسة التي تمر بها الجزائر، وسط حالة الاضطراب التي تعيشها المنطقة وبعض دول الجوار”.
الجزيرة