توفي في احدى مستشفيات أنقرة الرئيس التركي الاسبق سليمان ديميريل، في 17/6/2015 الذي تولى رئاسة الحكومة ما بين عامي 1993 و2000 ، في مرحلة توصف بعدم الاستقرار في تركيا، شغل خلالها منصب رئيس الوزراء خمس فترات، انتهت اثنتان منهما بانقلابين عسكريين أطاحا بحكومته.
ولد “ديميريل في 1/11/1924 في مدينة اسبارطة، جنوب غربي تركيا، وأتم دراسته الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدينتي اسبارطة وأفيون، ليلتحق بجامعة اسطنبول التقنية، ويتخرج من كلية الهندسة المدنية عام 1949. لُقب بـ”أبي السياسة التركية”، بقبعته المخملية، التي لم تكن تفارقه، واعتبر أنها أصبحت “رمز الديمقراطية” في بلاده، وقال فيها: “هذه القبعة ليست لي، إنها ملك الشعب الآن”.
خاض ديميريل غمار الحياة السياسية عام 1962، عندما أصبح عضو الهيئة الإدارية لـ “حزب العدالة” في تلك الفترة، وفي غضون سنتين، وتحديداً في 28 /11/ 1964، اختير أميناً عاماً للحزب. شغل منصبي وزير دولة ونائب رئيس الحكومة الائتلافية، التي ساهم في تشكيلها، عام 1965.
وديميريل الذي درس الهندسة، له الفضل في بناء السدود ومحطات توليد الطاقة، وله جهوده من أجل تحقيق الديمقراطية في تركيا، وتنمية اقتصادها، الذي واجه آنذاك مشاكل معقدة، منها معدلات التضخم الهائل والبطالة والديون الخارجية. وشهدت ايام حكمه اضطرابات دينية، وتزايد حراك الأقلية الكردية، رافقها توترات مع دول الجوار، وتنامي الصراعات بين التقليد والحداثة، وانتشرت الإضرابات العمالية كما تم تشكيل حركات عمالية وطلابية يسارية -البعض منها كان مسلحًا- تُعارضها الجماعات اليمينية القومية المسلحة والإسلامية وقام الجناح اليساري بتنفيذ هجمات تفجيرية، وعمليات سرقة، واختطاف، ومنذ نهاية 1968، وعلى نحو متزايد خلال عامي 1969 و1970، كان يقابل العنف اليساري بعنف يميني متطرف، بل ويتجاوزه، خاصة من منظمة “الذئاب الرمادية”، كما شهدت هذه الفترة عددًا من الاغتيالات السياسية.
لم تكن الاضطرابات وحدها هي من أطاحت بحكومة سليمان ديميريل، ولكن الانشقاقات الداخلية في حزبه حيث انسحب 41 نائب برلماني من حزب العدالة وأسقطوا حكومة ديميريل الثانية عام 1969، فاضطر لتشكيل حكومة جديدة لكنها كانت هشة لم تصمد أمام الاضطرابات في البلاد خاصة مع اضطرادها في أوائل عام 1971، وقيام اليسار المسلح ومجموعات الطلاب بخطف جنود أمريكيين ومهاجمة المصالح الأمريكية، كما ظهر إلى الساحة حزب “النظام الوطني الإسلامي” الذى جاهر برفض مبادئ الجمهورية الكمالية، وهو الأمر الذى استفز قادة الجيش الذين اتهموا ديميريل بفقد السيطرة -رغم أن الجيش يعد هو المسؤول الأول عن الاضطراب في تركيا الذي بدأ مع الانقلاب الأول على مندريس.
يعرف انقلاب 1971 عموما بـ”انقلاب المذكرة” حيث أرسل الجيش مذكرة عسكرية إلى سليمان ديميريل طالبه فيها بالتنحي، وعلى إثر قراءة بيان الجيش عبر الإذاعة فضّل ديميريل الاستقالة على المقاومة، لتندلع بعدها موجة جديدة من العمليات المسلحة قادها ما يعرف بـ”جيش التحرير التركي” اثر اختار الجيش نهات إريم لقيادة الحكومة، وهو الأمر الذى قبله عصمت إينونو رئيس حزب الشعب، بينما رفضه بولنت أجاويد الأمين العام للحزب.
عمل السيد ديميريل مديرا للأشغال الهيدروليكية الحكومية في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي في ظل حكومة رئيس الوزراء عدنان مندريس، وبعد ان أكمله الخدمة العسكرية الإلزامية، بدأ نجمه يسطع في العمل السياسي، ليصبح اصغر رئيس لوزراء تركيا يشغل هذا المنصب بعد فوز حزبه العدالة في انتخابات أكتوبر عام 1965 وهو في سن 41.
في عام 1969، فاز حزبه مرة أخرى في الانتخابات، ما أتاح له ولاية ثانية، انطلقت خلالها مشاريع الأشغال العامة الكبيرة، بما في ذلك انشاء أول جسر على البوسفور، يربط بين ضفتي المضيق الاوربية والاسيوية، ومع هذا زادت حدة التوتر بين الحكومة والجيش على خلفية العديد من القضايا الاقتصادية وأعمال الإرهاب المحلي، والخلاف بين تركيا واليونان بشأن قبرص.
في عام 1980، اطيح به عبر انقلاب عسكري، حيث منع من ممارسة السياسة لمدة 10 سنوات بموجب دستور عام 1982، وعقب السماح بتشكيل الأحزاب السياسية مجدداً بعد الانقلاب، أسس ديميريل حزب تركيا الكبيرة، مع بعض المقربين له من السياسيين، إلا أن الحزب أُغلق، ووُضع ديميريل قيد الإقامة الجبرية، بدعوى انتهاكه حظر العمل السياسي المفروض عليه.
أُلغي حظر العمل السياسي على ديميريل عام 1987، وفاز حزبه تحت اسم “الطريق القويم” في الانتخابات البرلمانية عام 1991، وشكل حكومة ائتلافية مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي الشعبي.
ومن بين السمات التي عرف السيد ديميريل وقدرته على تشكيل ائتلافات والتوسط بين قادة الجماعات المتنافسة، فعلى سبيل المثال، عزز السيد ديميريل التقاليد الديمقراطية الوليدة عن طريق إقناع الجيش إلى البقاء بعيدا عن السياسة المدنية. وفي عام 1996 نجح ديميريل في تقييد كلا الجانبين، الجيش الذي اضحى قلقا من قبل ما كان يعتبر تهديدا متزايدا من الإسلاميين في الحكومة المدنية.
وكثيرا ما وصف بأنه يفتقر إلى الكاريزما في الأماكن العامة، ولكنه كان من ذوي المهارات العالية وراء الكواليس، منتقديه يرون أنه كان نموذجاً لثقافة تضع السلطة فوق المبادئ، وساعد في ترسيخ مظاهر المحسوبية والثراء الحرام. حاول التخفيف حدة التوتر بين بلاده والاتحاد السوفيتي، مؤكدا على عدم التنازل عن ولائه للمعسكر الغربي، حيث انضمت تركيا إلى حلف الناتو في عام 1952.
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية