الجزائر – تصطدم رغبة العديد من رموز السلطة الجزائرية، في الذهاب إلى تسوية سريعة للوضع السياسي المتأزم في البلاد، وتقديم تنازلات للشارع بغية احتواء موجة الغضب المتصاعدة، بتصلب النواة الصلبة في النظام، حيث باءت مساعي التعقل المبذولة إلى حد الآن بالفشل، الأمر الذي يضع البلاد على حافة المجهول.
وأفاد مصدر مطلع لـ”العرب” بأن عددا من عقلاء السلطة بذلوا مساعي لتهدئة الأوضاع بالبلاد، وتقديم نصائح التعامل الحكيم مع حراك الشارع المتنامي، إلا أنها اصطدمت بتعنت النواة الصلبة في النظام، وعلى رأسها أشقاء الرئيس المنتهية ولايته عبدالعزيز بوتفليقة، وقائد أركان الجيش الجنرال أحمد قايد صالح، المتمسكون بتمرير الولاية الرئاسية الخامسة بشتى الوسائل.
وأضاف المصدر أن العديد من الشخصيات السياسية والرسمية التي كانت في وقت سابق، توصف بـ”أذرع الرئيس″ تلتزم الصمت، كتعبير منها عن رغبتها في عدم التورط في أي مآلات سلبية للوضع السياسي والغضب الشعبي في البلاد، وتكتفي بمراقبة التطورات عن بعد.
وما زالت شخصيات ثقيلة متوارية عن الأضواء، كما هو الشأن بالنسبة إلى الأمينين العامين السابقين لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، عمار سعداني وعبدالعزيز بلخادم الذي نقل عنه قوله “لا يدرون ما يفعلون ولا كيف يتصرفون”، في إشارة إلى تعامل النواة الصلبة للنظام الحاكم.
وتوارى عمار سعداني عن الأضواء منذ الانتخابات التشريعية التي جرت في مايو العام 2017، رغم ما أشيع عنه من دعمه للمرشح المستقل الجنرال المتقاعد علي غديري، في حين تم استدعاء بلخادم من جهات وصفت بـ”الفوقية” بعد تنحية الأمين العام جمال ولد عباس، وتعويضه بمنسق عام، في أكتوبر الماضي، بعد الإطاحة برئيس البرلمان الأسبق سعيد بوحجة.
وإذ لم يفصل بلخادم في ظروف وملابسات عودته إلى الواجهة الحزبية، فإنه أكد حينها للصحافيين، أنه جاء لـ”تطهير الحزب من الدخلاء ومن المال الفاسد”، إلا أن الظاهر أن مهمة الرجل تعطلت في الأسابيع الماضية، حيث اختفى عن الأضواء رغم جسامة الأحداث المتسارعة في البلاد.
ويبدو أن استبعاد بلخادم من الدائرة الضيقة المشرفة على إدارة الحملة الانتخابية، أثبت له أنه ما زال غير مرغوب فيه لدى السلطة القائمة، وهو ما قابله بتصريح مثير ذكر فيه أنه لن يقوم بأي حملة دعائية للرئيس بوتفليقة، إلا إذا طلب منه هو شخصيا ذلك، وهو ما يشير إلى أن الرجل على علم بأن ترشح بوتفليقة قرار خارج عن نطاقه وليس رغبة شخصية.
وأشارت تسريبات أخيرة، إلى أن رجل الظل في قصر الرئاسة المستشار الشخصي والشقيق الأصغر سعيد بوتفليقة، قد التقى في مناسبتين المدير السابق لجهاز الاستخبارات الجنرال محمد مدين (المعروف بالجنرال توفيق)، وأن اللقاءين ناقشا الأوضاع في البلاد.
واللافت أن الرجلين تربطهما علاقات متوترة منذ مسلسل جهاز الاستخبارات، والإطاحة بكبار ضباطه وعلى رأسهم الجنرال توفيق نفسه، بإيعاز من مهندس تفكيك مراكز النفوذ داخل السلطة وتقوية نفوذ قصر الرئاسة سعيد بوتفليقة بداية من العام 2013 إلى العام 2015، إلا أن موجة الغضب الشعبي أعادت الحرارة إلى العلاقة بين الرجلين، وخبرة عراب المخابرات لربع قرن قد تكون مفيدة للخروج من المأزق.
ولم تستبعد دوائر متابعة أن تكون اتصالات سعيد بوتفليقة والجنرال توفيق، لبلورة إحدى الخطط البديلة للسلطة في حالة استمرار ضغط الشارع وإرغام السلطة على سحب ترشح عبدالعزيز بوتفليقة، بتبني ترشح الجنرال المتقاعد علي غديري، المدعوم من مدير المخابرات السابق.
وشكلت الاستقالة المفاجئة للوزير السابق والعضو البرلماني عن حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم سيد أحمد فروخي، الذي أعلن عن التحاقه ودعمه للحراك الشعبي، وهو الذي كان متصدر قائمة الحزب بالعاصمة في الانتخابات التشريعية الأخيرة، مؤشرا على بداية تفكك ماكنة السلطة السياسية والمالية والإعلامية.
وتسجل يوميا استقالات جماعية لقياديين فاعلين على مستويات مختلفة في الحزب، ولإعلاميين ورجال أعمال ونقابيين من تنظيماتهم، رفضا لترشيح بوتفليقة ودعما للحراك الشعبي.
ولا يزال خطاب الجنرال أحمد قايد صالح، يمثل أبرز موقف متشدد للنواة الصلبة الرافضة لأي تنازل لمطالب الشارع. وبعد اللغط الذي أثير حول مقاطع وردت على لسانه حول من وصفهم بـ”المغامرين والمغرر بهم”، في إشارة إلى المتظاهرين، جدد قايد صالح الثلاثاء تحذيراته من العودة بالبلاد إلى “الدماء والدموع″، ما اعتبر تهديدا بالعودة إلى القوة التي لازمت العشرية السوداء.
وقال قايد صالح إن “دور الجيش وأسلاك الأمن، هو حماية البلاد والشعب من زارعي الفتنة، الذين يريدون إعادة الجزائر إلى الدماء والدموع، والشعب يجب أن يتعلم كيف يتعامل مع ظروف بلاده، وأن هناك بعض الأطراف يزعجها رؤية الجزائر آمنة مستقرة”.
العرب