ثلاث دول عربية مهمومة هذه الفترة بالبحث عن طريقة لتأبيد نظام الحكم القائم فيها لعقود، لكن كل منهمك في إخراجها على طريقته: الجزائر وموريتانيا ومصر.
في الجزائر أطلق عليه البعض تعبير «المرور بالقوة» أي محاولة الطبقة النافذة هناك أن تمرر رغم أنف الجميع ترشيح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لمدة رئاسية جديدة رغم كل الاعتراضات الشعبية العارمة التي عبرت عن نفسها في مظاهرات ضخمة في المدن الجزائرية المختلفة وفي باريس. «معيز ولو طاروا» أرادها هؤلاء النافذون في كل خطوة، من قرار الترشح لخمس سنوات مقبلة رغم عجزه صحيا، إلى تقديم هذا الترشح إلى المجلس الدستوري رغم صرخات الغاضبين المزمجرة ورغم جدل تقديمها شخصيا أو عبر وكيل، إلى الإصرار على الاحتفاظ بهذا الترشح بل والهروب إلى الأمام عبر تقديم مقترح إجراء انتخابات رئاسية جديدة خلال عام والقيام بإصلاحات هامة، من المفارقة أن العشرين عاما التي قضاها في الحكم لم تكفه للقيام بها. والآن لا أحد يدري ما إذا كان هذا العناد الذي يديره النافذون من وراء صورة بوتفليقة، المقيم حاليا في المستشفى بجينيف، سيستمر ولو أدى إلى ما يمكن أن يؤدي إليه أم أن عودة ما للرشد ما تزال واردة وكيف؟
في مصر، لا حديث الآن إلا عن التعديلات الدستورية التي ستجعل من عبد الفتاح السيسي رئيسا إلى غاية 2034 وكل معترض على ذلك هوجم وشوّه ولفقت له التهم المختلفة فالمطلوب حاليا المسارعة بتمرير هذه التعديلات والترويج لها في كل محفل وتخوين كل معترض. هكذا يجد الشعب المصري الذي انتفض ضد حكم حسني مبارك في كانون الثاني/يناير 2011 بعد ثلاثين عاما من الحكم وشبح التوريث، ولم يعجبه أداء محمد مرسي مفضلا عدم انتظار محاسبته عبر صناديق الاقتراع، مستعجلا دعم من ظنه المنقذ، يجد نفسه اليوم في وضع أسوأ بكثير من سنوات مبارك التي حافظت دائما على هامش يضيق ويتسع من حرية الرأي والتعبير والصحافة. ما من أحد الآن بات يتجرأ على نقد «الريس» فلا صوت غير صوته وسط خنوع كامل وترهيب واضح وصل برئيس الدولة إلى أن يعرب علنا بأنه «زعلان» من مجرد هاشتاغ منتشر: #إرحل يا سيسي، رغم أنه تعبير صادق عن مزاج عام في البلاد.
طالما لم تحل هذه المعضلة المقترنة دائما بتفشي الفساد وضياع الحقوق فالربيع العربي سيزهر دائما حتى وإن ظن المتكالبون ضده أنه انتهى. خرج السودانيون وخرج الجزائريون ولا شيء يمنع خروج غيرهم طالما ما زال بين ظهرانينا حكام على الشاكلة التي تعرفونها جميعا
أما في موريتانيا، فقد تفتق ذهن أبناء الصحراء على ما هو أذكى بكثير وأسلم. خلال شهر كانون الثاني /يناير الماضي، بدأ البعض هناك يعدون المباخر والبخور للشروع في حملة وطنية تدعو إلى تعديل الدستور لفتح الباب أمام ترشح الرئيس محمد ولد عبد العزيز لولاية رئاسية ثالثة. أمرهم الرئيس بالتوقف فتوقفوا مما يدل على أن مثل هذه الحملات ليست سوى عمليات مفتعلة ومعدة سلفا ولا علاقة لها لا بالشعب ولا بالعفوية. انتهت الحفلة قبل أن تبدأ وتوقف كل حديث عن تعديل الدستور. قبل أيام، اختارت الأغلبية الرئاسية وزير الدفاع محمد الغزواني لانتخابات يونيو/ حزيران المقبل لتثبت أن الحمق العربي الرسمي ليس بالضرورة قدرا محتوما حيث يمكن مع بعض المكر ضمان استمرار نفس النظام بأقل ما يمكن من الاستفزاز ودون الدخول في مواجهات مفتوحة مع الشعب الشاعر بالإهانة على غرار ما يشعر به الجزائريون اليوم. الموريتانيون واعون بلا شك أن «الرئيس ووزير دفاعه وجهان لعملة واحدة» كما كتب أحدهم وأن من اختير هو جنرال وبالتالي ففي المسألة «استمرار للحكم العسكري المستبد مع تغير العنوان»، لكن ذلك لا يغير في شيء في أن القيادة الموريتانية اختارت سبيلا أكثر دهاء من مصر والجزائر واستطاعت أن تتجنب الدخول في مواجهة مفتوحة مع الشعب رأت أن لا لزوم لها طالما أنها تستطيع أن تؤمن نفس الهدف بأسلوب أقل استفزازا وافتضاحا.
يجب ألا ننسى السودان أيضا، عمر البشير الذي لم تكفه ثلاثون عاما في الحكم استكثر على الشعب أن يتنازل أمامه فيلغي السعي إلى التعديلات الدستورية التي تسمح بإعادة ترشيح نفسه، اكتفى بالحديث عن تأجيلها لا غير فكان أن استمرت الاحتجاجات ضده ودعوات إسقاطه. هو الآن منغمس في محاولة كسب الوقت جامعا في نفس الوقت بين بلادة أسلوب السيسي وعناد جماعة بوتفليقة ليثبتوا لنا جميعا أن مأساة الحكم والتداول السلمي عليه ما زالت المعضلة الأبرز في بلادنا العربية.
طالما لم تحل هذه المعضلة المقترنة دائما بتفشي الفساد وضياع الحقوق فالربيع العربي سيزهر دائما حتى وإن ظن المتكالبون ضده أنه انتهى. خرج السودانيون وخرج الجزائريون ولا شيء يمنع خروج غيرهم طالما ما زال بين ظهرانينا حكام على الشاكلة التي تعرفونها جميعا.
القدس العربي