توافق تحالفي الفتح وسائرون على استبعاد فالح الفياض من الترشّح لتولي منصب وزير الداخلية يفتح الطريق أمام رئيس الحكومة العراقية لاستكمال كابينته الوزارية وهو أمر حيوي لاستقرارها، لكنه لا يخلو من أمر مقلق يتمثّل في أن تقارب الغريمين السياسيين يسهّل استصدار تشريع لإنهاء الوجود العسكري الأجنبي على الأراضي العراقية، ما سيكون أمرا بالغ الحرج لحكومة بغداد.
بغداد – فتحت حالة الوفاق المتنامية بين تحالفي الفتح وسائرون الطريق أمام رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي للتقدم خطوة باتجاه استكمال كابينته الوزارية المنقوصة إلى حدّ الآن من ثلاث حقائب رئيسية هي الداخلية والدفاع والعدل، التي حال تنافس الكتل السياسية على شغلها، واختلافاتها الشديدة على أسماء المرشّحين إليها دون تعيين وزراء على رأسها والإبقاء على إدارتها بالوكالة.
وتجسّد وفاق التحالفين اللذين تنافسا بشراسة خلال الانتخابات النيابية الماضية واختلفا حول عدّة قضايا من بينها علاقة العراق بإيران، في استبعاد مرشّح تحالف الفتح القريب من طهران فالح الفياض الرئيس السابق لهيئة الحشد، من المنافسة على منصب وزير الداخلية بعد أن ظلّ ترشيحه موضع اعتراض تحالف سائرون المدعوم من رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الرافع لشعار استقلالية القرار العراقي عن دوائر التأثير الخارجية وعلى رأسها التأثير الإيراني القوي.
وقال النائب عن تحالف الفتح حامد عباس الجمعة متحدّثا لشبكة رووداو الإعلامية إنّ “المفاوضات الحثيثة التي جرت بين تحالفي الفتح وسائرون توصلت إلى قرار باستبعاد فالح الفياض من الترشح لشغل حقيبة الداخلية”، مشيرا إلى أن “أسماء بديلة تم طرحها بين التحالفين.. وفق معايير خاصة جرى الاتفاق عليها”.
وأضاف ذات النائب أن “الجلسة الثانية أو الثانية للبرلمان العراقي خلال الفصل التشريعي الثاني ستشهد تقديم المرشح لحقيبة الداخلية”، غير أنّه استدرك نافيا وجود “اتفاق نهائي حول الأسماء البديلة”.
وفي تأكيد لوجود تقدّم في موضوع استكمال الكابينة الوزارية، قال زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم إنّ الحقائب الشاغرة في حكومة عادل عبدالمهدي سيجري ملؤها في غضون أسابيع.
وتدعم تصريحات الحكيم إشارات صدرت من أطراف مختلفة، تشير إلى حلحلة ملف الوزارات الشاغرة، مع إقناع فالح الفياض بالانسحاب من سباق الترشح لحقيبة الداخلية.
وأبلغ مصدر سياسي عراقي “العرب” بأن “الصيغة التي انسحب بموجبها الفياض من المنافسة على حقيبة الداخلية، تنص على تسميته نائبا لرئيس الحكومة لشؤون الأمن، بعد تثبيته في منصبه الذي مازال يشغله، وهو مستشار الأمن الوطني”.
وبرغم شيوع أنباء انسحاب الفياض، فإن الأطراف السياسية تتحفظ على قائمة المرشحين للداخلية، فيما تقول المصادر إنها تضم ثلاثة أسماء.
ويقول مراقبون إن إيران لن تتخلى عن مكافأة الفياض على مشاركته في قطع طريق الولاية الثانية على رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي الذي تراه طهران مقرّبا من واشنطن. وإذ تعسّر أن تكون المكافأة هي حقيبة وزارة الداخلية، فإنّ منحه منصبا بلا صلاحيات هو منصب نائب رئيس الوزراء سيكون أقلّ إثارة لاعتراض خصومه.
وفي ما يتعلق بحقيبة الدفاع، يحافظ رئيس البرلمان السابق سليم الجبوري على أبرز الحظوظ لشغلها، بالرغم من أن ترشيحه في الإساس يثير السخرية في الأوساط الصحافية، إذ لم يسبق للرجل أن شغل أي منصب على صلة بالشؤون العسكرية.
وتقول مصادر “العرب” إن شطب اسم الفياض من قائمة المرشحين لحقيبة الداخلية، سيحفز القوى السياسية السنية على طرح مرشحين آخرين لحقيبة الدفاع ربما لن يكون الجبوري من بينهم.
ويساعد توافق الفتح وسائرون رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي على سدّ الشغور في وزارة الداخلية إحدى أهم الوزارات في حكومته بالنظر إلى دورها الأمني في بلد تمثّل استعادة الاستقرار هاجسه الأوّل، لكنّه تقارب مقلق جدّا من جهة مقابلة.
فالقضية الرئيسية التي جمعت التحالفين المختلفين حدّ التضاد في بعض الأحيان، هي إخراج القوات الأجنبية، وتحديدا الأميركية الموجودة على الأراضي العراقية من خلال تشريع يسعيان إلى استصداره في البرلمان الذي يمتلكان فيه عددا كافيا من المقاعد لتمرير أي قانون.
وسيكون استصدار تشريع ملزم للحكومة بشأن وجود القوات الأجنبية على الأراضي العراقية بالغ الإحراج لحكومة عبدالمهدي التي تواجه مجموعة معقّدة من المشكلات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية وتلاحقها احتجاجات الشارع المطالب بتحسين الأوضاع المعيشية والتصدّي لظاهرة الفساد.
وليس بمقدور بغداد في الوقت الراهن “إجبار” الولايات المتّحدة على سحب قواتها من العراق، وهي قوّات وإن تواتر النفي بشأن صبغتها القتالية والتأكيد على أن دورها يقتصر على تأطير القوات العراقية وتدريبها على مواجهة الإرهاب، تظلّ جزءا من استراتيجية الولايات المتّحدة للإبقاء على موطئ قدم لها في منطقة يتزايد التنافس على عليها.
ولا تزال ارتباطات العراق بالولايات المتحدة سياسيا واقتصاديا كبيرة، بحيث لا تفتقر واشنطن لأوراق الضغط على حكومته، وعلى رأسها في الفترة الحالية مطالبتها بالالتزام الصارم بالعقوبات الاقتصادية الشديدة التي تفرضها واشنطن على طهران.
العرب