بين فكي كماشة.. ما خيارات تركيا بصفقة “إس 400″؟

بين فكي كماشة.. ما خيارات تركيا بصفقة “إس 400″؟

تواجه العلاقات التركية الأميركية منذ عام 2015 توترا متصاعدا، بسبب استياء أنقرة من دعم الولايات المتحدة للوحدات الكردية في سوريا وانعدام الثقة بين الحليفين في حلف شمال الأطلسي (ناتو).

وتأتي صفقة تركيا لشراء صواريخ “إس 400” الروسية حاليا على رأس المسائل الخلافية بين أنقرة وواشنطن، حيث ترى الولايات المتحدة أن نظام الدفاع الصاروخي الروسي يمكن أن يضرّ بتكنولوجيا الناتو، إلى جانب تحفظها على تغلغل موسكو في المنطقة.

وكان الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان أكّد أنّ شراء بلاده منظومة “إس 400” الصاروخية الروسية “لا علاقة له” بأمن الولايات المتحدة، وذلك في ردّ منه على تحذير أطلقته وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) لأنقرة في وقت سابق.

وأمام هذه التهديدات المتبادلة والمصالح المتضاربة، ما خيارات تركيا في حال نفذت واشنطن تهديدها بحظر بيع طائرات “إف 35” وصواريخ “باتريوت” لتركيا؟ وهل هي مستعدة للتضحية بمنظومة تسليح أميركية متطورة مقابل صواريخ روسية؟ وهل أنقرة مستعدة للدخول في أزمة مع الناتو مقابل تقاربها مع الخصم التاريخي روسيا؟

خيارات محدودة
يقول الإعلامي التركي طه عودة أوغلو إن “تركيا لا تملك خيارا آخر أمام تعنت أميركا طوال السنوات الماضية في مدها بمنظومة باتريوت أو طائرات إف 35، لذلك لجأت إلى شراء منظومة صواريخ إس 400 الروسية، خاصة بعد ما سحبت واشنطن منظومة صواريخ باتريوت الدفاعية من أنقرة بالتعاون مع دول الناتو عام 2014، في الوقت الذي كانت فيه أنقرة بحاجة ماسة لهذه الصواريخ”.

ويعتقد عودة أوغلو -في حديثه للجزيرة نت- أن أردوغان الذي يستعد لخوض انتخابات محلية حاسمة في 31 مارس/آذار الجاري، لن يتراجع عن الصفقة الروسية، مشيرا إلى أن تركيا في حال إصرارها على إتمام الصفقة الروسية فإنها تخاطر بألا تتسلم طائرات “أف 35” الشبح المقاتلة التي تنتجها شركة “لوكهيد مارتن” الأميركية، ويمكن أن تواجه عقوبات بمقتضي قانون التصدي لخصوم أميركا.

ونقل عودة أوغلو عن مسؤولين عسكريين أتراك أن “امتلاك أنقرة إس 400 سيغنيها عن استخدام مقاتلات أف 16 للدفاع عن المجال الجوي التركي، وسيخولها الرد السريع على التهديدات الخارجية”.

وأضاف أنه بفضل “إس 400″ لن تضطر أنقرة إلى إقلاع مقاتلاتها وتوجيهها إلى مسافات بعيدة لمواجهة الخطر القادم من الخارج، وبذلك تكون قد وفّرت تكاليف التحليق، فضلا عن أن عدم دمج المنظومة الروسية في شبكة الناتو سيحد من قابلية رصدها على اعتبار أنها ستعمل بمفردها من دون الاستعانة برادارات الناتو”.

ويرى الإعلامي المقرب من الحكومة التركية أن تحدي أنقرة في إتمام الصفقة الروسية وعدم الرضوخ للتهديدات الأميركية، يعني تزايد فرص العقوبات الأميركية الاقتصادية على أنقرة.

واستدرك بالقول “لكن أردوغان يدرك جيدا أن الابتعاد عن الغرب سيكون بمثابة ضربة قاسية لتركيا وسيؤدي إلى المزيد من التدهور الاقتصادي في البلاد وفقدان ثقة المستثمرين في الاقتصاد التركي، لذا فإنه سيحاول بعد انتهاء الانتخابات المحلية في بلاده إقناع واشنطن بقبول حل وسط أو المقايضة في بعض الملفات لإنهاء الأزمة بين الحليفين”.

وأكد عودة أوغلو أن من الصعب على تركيا خسارة أميركا في هذه المرحلة المعقدة التي تشهد ترتيبات جديدة للمنطقة، وكذلك لا تستطيع واشنطن تحمل النتائج التي يمكن أن تترتب عليها خسارة تركيا.

يشار إلى أن زعيم الحركة القومية في تركيا دولت بهجلي قال تعليقا على موقف واشنطن من شراء تركيا للصواريخ الدفاعية الروسية، “لسنا دولة خاضعة للاستعمار، ولا ندور في الفلك الأميركي”.

اتساع الشرخ
وأعلن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار أن إحجام الحلفاء عن تزويد تركيا بالمنظومات الجوية لحماية نفسها من التهديدات، اضطرها إلى شراء إس 400 التي سيتم وضعها في أكتوبر/تشرين الأول المقبل فوق الأراضي التركية”.

وفي هذا السياق، قال الخبير العسكري التركي سمير صالحة للجزيرة نت إن “العلاقات التركية الأميركية لا تعاني اليوم من إخفاق تام في إزالة أسباب التوتر الكثيرة بين البلدين بسبب تباعد الرؤى وتضارب المصالح، بل من احتمال اتساع الشرخ وتحوله إلى خصومة وعداء سياسي وأيديولوجي ثابت”.

ولفت الخبير صالحة إلى أن “البنتاغون والكونغرس يقولان إنه في حال حصول تركيا على الصواريخ الروسية فإن المواجهة معها ستصل إلى محاولة إخراجها من تكتل تصنيع مقاتلات أف 35 الحديثة، وقطع الطريق على وجود الضباط والخبراء الأمنيين الأتراك في غرف التخطيط الإستراتيجي للناتو، تجنبا لوقوع عملية تسرب للمعلومات والخطط الحربية والاستخباراتية”.

ويرى الخبير العسكري التركي أن المشكلة الكبرى ستكون عندما يطالب البلدان حلفاءهم الآخرين بتحديد خياراتهم والالتحاق بعملية الاصطفاف الجديدة، مبينا أن أول من سيطالب بدفع الثمن وتحمل المسؤوليات هو الناتو الذي يجمعه بتركيا منذ أكثر من ستة عقود تحت سقف واحد.

ويعتقد صالحة أن الكارثة الحقيقية ستكون عندما تلوح إسرائيل بموقعها ودورها وحصتها الإقليمية، وتصب الزيت فوق النار، لتأجيج التصعيد أكثر فأكثر ضد تركيا شريك الأمس وعدو اليوم في المنطقة.

وأضاف أن “التحدي التركي الأميركي في ذروته اليوم، والمسألة لن تنتهي مع ما طالب به رئيس القيادة الأوروبية للجيش الأميركي، القائد الأعلى لقوات الناتو، الجنرال كورتيس سكاباروتي، بضرورة عدم إعطاء تركيا طائرات أف 35 حال مضيها قدما في شراء المنظومة الروسية، كما أن أنقرة تقول إنها جاهزة لبحث شراء مقاتلة الجيل الخامس الروسية سوخوي 57 إذا ما حاولت واشنطن إبعادها عن شراكة تصنيع وتسويق المقاتلة أف 35”.

قرار سيادي
وكان وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس قال قبل عام ونصف إن واشنطن لن تعرقل خطوة تركية من هذا النوع، فهذا قرار سيادي ينبغي احترامه، لكنه لم يتردد في تذكير الأتراك بأن عمل منظومات “إس 400” لا يتطابق عمليا مع المعدّات العسكرية للناتو الذي تعدُّ تركيا من أعضائه.

وأوضح الخبير العسكري التركي صالحة أنه في حال تم نشر المنظومة بشكل يمكنها من مراقبة أجواء منطقة بحر إيجة، فإن تركيا ستحقق تفوقا جويا لافتا، وستلعب المنظومة دورا في حل الخلافات القائمة بين تركيا واليونان في بحر إيجة.

وختم صالحة بالقول إن تركيا وقعت الصفقة التجارية مع روسيا بعرض مغر، كما أن رئيس قسم المعلومات في أسطول البحر الأسود الروسي ألكسي روليوف يشيد بالمناورات البحرية المشتركة مع تركيا في البحر الأسود، مركز النزاع التاريخي بين أنقرة وموسكو.

واعتبر الخبير أن “الأهم اليوم هو أن الأحجار تتحرك مجددا على رقعة الشطرنج الإقليمية، وتكاد المعادلات والتوازنات الكلاسيكية المعروفة تتحول إلى سراب يتبدد في العامين المقبلين”.

الجزيرة