حراك الجزائر.. بين خياري الترقب والعودة للشارع

حراك الجزائر.. بين خياري الترقب والعودة للشارع

تتضارب الآراء في الجزائر حول ما قد يلفظه الشارع، بعد إعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عدوله عن الترشّح لولاية رئاسية خامسة، بين من يعتقد أن رسالة الرئيس أطفأت غضب الشارع،
ومن يراها فتيلا جديدا سيشعل غضب مئات الآلاف من المتظاهرين الداعين لسقوط النظام.

وقرر بوتفليقة -في رسالة وجهها للشعب أمس الاثنين- تأجيل الانتخابات الرئاسية المقررة في 18 أبريل/نيسان المقبل، وعدم ترشحه لعهدة خامسة، إضافة إلى إجراء “تعديلات جمة” على تشكيلة الحكومة، وتنظيم الاستحقاق الرئاسي عقب الندوة الوطنية المستقلة تحت إشراف حصري للجنة انتخابية وطنية مستقلة.

وفي هذا السياق، نفى المحلل السياسي الدكتور عبد العالي رزاقي فرضية توقف الشارع عن حراكه الرافض للنظام وبقاء بوتفليقة على رأس السلطة، قائلا “لن تتوقف المسيرات وستستمر، حتى يحدث التغيير الحقيقي الذي طالب به الشعب”.

وقال رزاقي للجزيرة نت إن رسالة السلطة لم تستجب ولا لبند واحد من مطالب الشارع، مضيفا “هناك نوع من التّحايل ومحاولة التسويق إلى أنها قدمت شيئا، ولكن الواقع يؤكد حدوث المراوغة”.

وأرجع المتحدث التعجيل في العدول عن الولاية الخامسة “للضغط الدولي الذي تعرضت له السلطة في الجزائر، بعد الإضراب العام الذي شمل كل القطاعات في البلاد، والذي شلّ الموانئ والمؤسّسات البترولية وشركات الغاز”.

وتوقّع أن يخرج الجزائريون بأعداد مضاعفة الجمعة المقبل، مطالبين برحيل كل رؤوس النّظام الذي رافقهم عشرين سنة، ومحاكمة الفاسدين فيه، مؤكّدا أن الطّلبة الذين تم إبعادهم من العاصمة قسرا نحو ولاياتهم سيقودون الحراك، خلال الفترة المقبلة “كل في منطقته”.

واعتبر رزاقي قرارات بوتفليقة مغازلة للشعب، في الوقت الذي “فرض التمديد لآجال غير معلومة”، متسائلا حول دلالات إظهار الأخضر الإبراهيمي مع الرئيس “كلّما تعلّق الأمر بإثبات أن صحته بخير”.

إثبات الصدق
وأشار الدكتور في العلوم السياسية إلى أن السلطة تلجأ للإبراهيمي “لتثبت للأمم المتحدة صدقها”، مستنكرا تعيين رمطان لعمامرة في منصب نيابة الرئيس.

وقال المتحدث “حاولوا من خلال توزيع المهام على الوزراء أن يسيروا وفق نظام الحصص، أي لكل منطقة في الجزائر مسؤول في النظام، وهذا ما نرفضه”.

وبرّر رزاقي احتفال الآلاف أمس في الشوارع بأن المحتفلين لم يفهموا فعليا القرارات التي جاء بها رئيسهم، مشيرا إلى أنه “يحق لهم الفرح باعتبارها خطوة للأمام للشعب، رغم المغالطات التي احتوتها”.

وتذمّر رزاقي من لجوء السلطة للمادة 107 من الدستور، التي تنص على أن الجزائر مهددة بأخطار يمكن أن تطيح بالمؤسسات الدستورية، وعليه يتدخل الرئيس، في الوقت الذي كان يجب تطبيق المادة 102 التي خرج من أجلها الشعب.

وقال إن بوتفليقة برسالته تلك مدّد لنفسه بالبقاء في السلطة لسنة أو سنتين، مضيفا “لو كان هنالك شخص واحد عاقل في السلطة لكان يفكر في مستقبل البلاد، واللّجوء إما لحل الدستور الذي يترتب عليه أن تكون السلطة للشعب وحده، أو تفعيل المادة 102”.

تلاشي المظاهرات
من جهته، عبّر المحلل السياسي سليم قلالة عن ارتياحه للقرارات التي جاءت بها رسالة بوتفليقة أمس، متوقعا “تراجع زخم المسيرات تدريجيا، حيث ستنقسم الآراء بمواصلة الحراك، لما تم اعتباره بالاستجابة لمطلب أساسي نادى به المتظاهرون، ألا وهو العدول عن الخامسة”.

وقال قلالة في تصريح للجزيرة نت إن “الرسالة لم تستجب للمطلب الثاني، الذي نادى به المحتجون، والمتمثّل في تغيير النظام، ورغم ذلك سيكتفي المتظاهرون بهذا القدر من القرارات منتظرين ما ستفرزه المرحلة المقبلة”.

واعتبر المتحدّث أن ما حصل من تغييرات أمس انتصار للشعب الجزائري، وللمسيرات التي جاءت حضارية في “اتحادها وتنظيمها وتنوعها، فهي ليست حزبية أو من تيار واحد، بل هو الشعب بجميع مكوناته”.

وقال قلالة إنه يكفي للشعب فخرا أن ولاية بوتفليقة كرئيس منتخب ستنتهي في التاريخ القانوني، حسب ما يمليه الدستور، مشيرا إلى أن “هناك فرقا بين أن يكمل بوتفليقة سنته كرئيس منتخب وبين أن يأخذها كرئيس غير منتخب، حاليا هو رئيس مدّد لنفسه سنة لتوافقات سلطوية، الأمر الذي سيعيد معظم المتظاهرين إلى بيوتهم”.

ورقة العودة
وأشار قلالة إلى أن الجميع يعلم الآن أن الشعب لم يزك بوتفليقة، وأن الفترة الجارية “جعلت الشارع الجزائري حذرا وسينقص إقباله على الشارع، ولكنه يحمل دائما ورقة العودة للتظاهر في حال محاولة التلاعب بمطالبه مستقبلا”.

وتوقّع المحلل السياسي تلاشي المظاهرات تدريجيا، معتبرا أن “ما قدمته السّلطة حل وسط ممهّد لتغيير مرتقب، الأمر الذي سيلقى استجابة لدى الأوساط الشعبية، التي كانت رافضة وغاضبة خلال الفترة السابقة”.

واعتبر المتحدث أن إصرار السلطة على التّمديد الذي جاءت به الرسالة الأولى، وأكدته الثانية “خارطة طريق تم الاتفاق عليها منذ مدة وعلى أعلى مستوى في هرم السلطة، الدليل على ذلك عدم التخلي عن هذا الخيار رغم كل الضغوط”.

وعن دلالات القرارات التي جاءت بها الرسالة الأولى قال المتحدث “إنها جاءت لتقلّص مهام بوتفليقة الذي سيقود البلاد في مرحلة انتقالية”.

المصدر : الجزيرة