السعودية تواجه إيران في العراق على أرضية الاقتصاد

السعودية تواجه إيران في العراق على أرضية الاقتصاد

إذا كانت إيران تقيم نفوذها في العراق على عوامل سياسية وطائفية وتحاول الاستفادة إلى أقصى قدر ممكن من علاقتها بالبلد، فإنّ للسعودية من المقدّرات الاقتصادية والإمكانيات المالية ما يجعلها قادرة على قلب المعادلة، بحيث تجعل العراق هو المستفيد الأول ماديا من العلاقة معها، على أن تجني هي فوائد أبعد مدى ذات صلة بإنشاء حزام للاستقرار من حولها يكون أكثر ممانعة للتمدّد الإيراني.

بغداد – أجرى وفد سعودي رفيع سلسلة لقاءات مع كبار المسؤولين العراقيين في بغداد، ركزت على تطوير العلاقات بين البلدين، ولاسيما في المجال الاقتصادي.

ووصل الوفد السعودي بعد ساعات فقط من إنهاء الرئيس الإيراني حسن روحاني زيارة إلى العراق استمرت ثلاثة أيام، وأحاط الجدل بنتائجها.

وتوضّح الزيارتان بشكل جلي ملامح التنافس بين طهران والرياض على دور في العراق المتجّه بشكل تدريجي نحو مرحلة من الاستقرار بعد تجاوزه مرحلة عصيبة خلال فترة المواجهة العسكرية ضدّ تنظيم داعش، وستكون للعوامل التنموية والاقتصادية أهمية كبرى في الوصول إلى الاستقرار المنشود وتثبيته.

ومن هنا مأتى ثقة السعودية صاحبة المقدّرات الاقتصادية الضخمة في منافسة إيران التي استفادت في وقت سابق من العامل الطائفي لتوطيد نفوذها في العراق، لكنّ أهمّية هذا العامل تراجعت بشكل واضح لدى الغالبية العظمى من العراقيين الذين أصبحوا منشغلين بتحسين أوضاعهم المعيشية، وغير مهتمّين بما يرفعه الساسة الموالون لإيران من شعارات.

وخلال الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الإيراني حسن روحاني برز بشكل واضح أنّ بلاده تحاول الاستفادة إلى أقصى قدر ممكن من العلاقة مع العراق، وتحديدا في عملية الالتفاف على العقوبات الشديدة المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة، ما يعني أنّ بغداد مرشحّة لتحمّل العبء السياسي وحتى الاقتصادي أكثر مما هي مرشّحة للاستفادة من علاقة متكافئة مع طهران.

وتبدو السعودية على استعداد لقلب هذه المعادلة بأن تجعل العراق مستفيدا بشكل مادي مباشر من تنمية العلاقات بين البلدين، على أن تجني الرياض فوائد أبعد مدى على رأسها ضمان الاستقرار من حولها وتقليص تمدّد إيران في بلدان المنطقة.

وترأس الوفد السعودي إلى العراق، وزير التجارة والاستثمار ماجد القصبي، يرافقه وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان، ومحافظ الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة سعد القصبي، ونائب وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية لشؤون الصناعة عبدالعزيز العبدالكريم، والسفير السعودي في بغداد عبدالعزيز الشمري، ومساعد محافظ هيئة الطيران المدني لأمن الطيران محمد بن سعد الدوران.

وبدا من خلال تركيبة الوفد السعودي، أن طابع الزيارة اقتصادي، بعدما قطعت بغداد والرياض شوطا طويلا في إطار التنسيق لتعاون اقتصادي واسع. ويعول قطاع واسع من العراقيين على الدور السعودي في تعزيز اقتصاد البلاد.

ويقول مراقبون إن المناطق الشيعية والسنية على حد السواء في العراق تترقب دورا سعوديا مميزا في تنشيط الاقتصاد، بسبب الإمكانات الكبيرة للمملكة، وسمعة الشركات السعودية في مختلف المجالات.

وحظي الوفد السعودي باهتمام عراقي عالي المستوى، إذ عقد اجتماعات منفصلة مع الرئاسات العراقية الثلاث.

وعبر رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي عن “بالغ ترحيبه برئيس وأعضاء الوفد السعودي، وشكره وتقديره لاهتمام القيادة السعودية بتطوير العلاقات مع العراق”.

العقوبات الاقتصادية الأميركية الشديدة على طهران تحول علاقة العراق بإيران إلى عبء سياسي واقتصادي على بغداد

وقال عبدالمهدي “إننا نتطلع لإقامة أفضل العلاقات مع المملكة العربية السعودية في جميع المجالات ونعتز بالرغبة المشتركة والمتطابقة لإرساء علاقات واسعة على أسس صحيحة لصالح الشعبين في البلدين الشقيقين”، مشيرا إلى “الأهمية الاستراتيجية التي يوليها العراق للعلاقات مع المملكة وسياسة الانفتاح على دول الجوار التي تنتهجها الحكومة العراقية”.

وأكد عبدالمهدي “عزمه على المضي بتوسيع العلاقات الثنائية وأن تتوج المباحثات المشتركة بتوقيع اتفاقيات مهمة خلال زيارته القريبة إلى المملكة العربية السعودية”.

ونقل رئيس الوفد السعودي “تحيات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد محمد بن سلمان لرئيس مجلس الوزراء وحرص القيادة السعودية على أمن واستقرار وازدهار العراق وتعميق علاقات التعاون في المجالات كافة، والرغبة في أن تشهد العلاقات المزيد من التطور والتنسيق والتوصل إلى اتفاقيات تخدم المصالح المشتركة”.

وبحسب مكتب رئيس الحكومة العراقية، فقد “جرى خلال اللقاء بحث الاستعدادات لعقد اللجنة العراقية السعودية المشتركة، حيث أبدى الجانب السعودي استعداده للتعاون الاقتصادي والنفطي والربط الكهربائي والمشاركة بجهود إعمار العراق”.

وشارك في هذا اللقاء، نائب رئيس الوزراء العراقي وزير النفط ثامر الغضبان، ووزير التجارة محمد هاشم عبدالمجيد، ورئيس هيئة الاستثمار سامي الأعرجي، ورئيس جهاز التقييس والسيطرة النوعية سعد عبدالقادر، ورئيس الدائرة العربية في وزارة الخارجية السفير إسماعيل شفيق، ورئيس سلطة الطيران المدني علي خليل، وعدد من المستشارين في مكتب عبدالمهدي.

وخلال استقباله الوفد السعودي، أكد الرئيس العراقي برهم صالح أن “العراق حريص على تعزيز آفاق التعاون الاقتصادي والتجاري مع المملكة العربية السعودية لما فيه مصلحة الشعبين الشقيقين”.

وقال صالح إن “العراق يسعى لخلق منظومة من المصالح الاقتصادية المشتركة مع المملكة ودول المنطقة عموما”، مشددا على أن “بغداد تتطلع لأن تكون ساحة لتلاقي مصالح الأشقاء والأصدقاء وبما يحقق الرفاهية والتقدم لشعوب المنطقة”.

وأكد صالح أن “العراق يسعى إلى تقريب وجهات النظر بين دول المنطقة لتحقيق الاستقرار فيها والابتعاد عن النزاعات والصراعات العبثية”، مشيدا بـ”حرص المملكة في الانفتاح على العراق وسعيها الجاد لتعزيز الروابط الأخوية بين الشعبين الشقيقين”.

وخلال استقبال رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي للوفد السعودي، جرى “بحث العلاقات الثنائية بين العراق والمملكة العربية السعودية، واستعراض آفاق التعاون المشترك، وتفعيل الاتفاقيات التجارية في القطاعات كافة”.

وأكد الحلبوسي “عزم السلطة التشريعية على توفير كل أشكال الدعم؛ للنهوض بالقطاع الاستثماري وتذليل العقبات التي تقف أمام تطويره”.

وفي حدث لفت اهتمام المراقبين استقبل مستشار الأمن الوطني العراقي فالح الفياض، وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان حيث بحث الجانبان “تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين” في جميع “المجالات والجهود الدولية في مكافحة الإرهاب”. وكان السبهان استقبل الفياض في الرياض نهاية يناير الماضي، إثر زيارة لم يعلن عنها بشكل رسمي.

ويقول السياسي العراقي أثيل النجيفي “على الرغم من كل الانتقادات التي توجه إلى زيارة روحاني من جهة والسبهان من الجهة الأخرى إلى بغداد، إلاّ أنني أنظر إليها بإيجابية، لأنها تعبر عن تعامل دول وليست منظومات موازية للدولة”، في

إشارة إلى تدخل الحرس الثوري الإيراني في ملف السياسة الخارجية الإيرانية، وإصراره على إدارة الملف العراقي، بعيدا عن المؤسسة السياسية التي يمثلها روحاني ووزير خارجيته.

العرب