بعد مرور خمس سنوات على ضمّ روسيا شبه جزيرة القرم، التي كانت تحت السيادة الأوكرانية، في 18 مارس/ آذار 2014، يعتبر نائب رئيس مجلس تتار القرم، ناريمان جلالوف، أنّ السلطات الجديدة عجزت عن استيعاب أبناء شعبه الذين ما زالوا يشعرون بالتهميش تحت السيادة الروسية.
يقول جلالوف لـ”العربي الجديد”: “ثمة إجماع بين تتار القرم على أنّهم لم يقبلوا بتغيير الوضع السياسي، ويتمنون، سواء علناً أو سراً، استعادة وحدة الأراضي الأوكرانية”. ويضرب مثلاً على ذلك من خلال عزوف التتار عن المشاركة في الحياة السياسية الروسية، مضيفاً: “لم تزد نسبة مشاركة التتار في الانتخابات الرئاسية التي جرت في الذكرى الرابعة للضمّ في عام 2018 عن 10 إلى 15 في المائة، بحسب تقديراتي، وأغلبهم موظفون حكوميون خضعوا لضغوط إدارية”.
حول الحياة اليومية والأوضاع الاقتصادية في القرم ما بعد الضمّ، يتابع: “لا تختلف الحياة اليومية للتتار عنها لدى القوميات الأخرى. لا مجال للحديث عن أيّ ازدهار اقتصادي، باستثناء بعض المشاريع، مثل طريق تافريدا السريع، وتطوير المطارات. وهناك مشاكل في قطاعي الصحة والتعليم، والقوة الشرائية للسكان في تراجع، إذ لم يعودوا قادرين سوى على تغطية احتياجاتهم اليومية. خصصت موسكو دعماً مالياً كبيراً، لكنّه أهدر في منظومة الفساد”.
يشكل تتار القرم البالغ عددهم ربع مليون نسمة تقريباً، نحو 10 في المائة من إجمالي سكان شبه الجزيرة، كما أنّهم سكانها الأصليون، في حين أنّ مدينة بخشي سراي هي مركزهم التاريخي منذ حقبة خانية القرم في القرن السادس عشر. لكنّ ذلك لم يمنع السلطات السوفييتية من تهجيرهم من القرم في مايو/ أيار 1944 بتهمة التعاون مع الاحتلال النازي. وبعد مرور 75 عاماً على الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945)، يذكر جلالوف أنّ التهميش ما زال مستمراً، مشيراً إلى الفضيحة الأخيرة المتعلقة بإصدار كتاب تدريس تاريخ القرم الذي يقدم التتار على أنّهم “متعاونون مع الاحتلال النازي وأعداء السلطة السوفييتية ومسلمون يكرهون الروس”، ويبرر الكتاب عملية التهجير.
على العكس من التتار، يشعر سكان القرم من الأصول الروسية بارتياح كبير لما يعتبرونه “استعادة الوحدة” مع وطنهم الأم، وفق ما يوضحه مؤسس جبهة “سيفاستوبول – القرم – روسيا”، فاليري بودياتشي، الذي يصف المزاج العام لدى السكان بأنّه “ممتاز”، من دون أن ينكر وجود مشاكل وتحديات اقتصادية. يقول بودياتشي لـ”العربي الجديد”: “جرى تنفيذ بعض المشاريع الكبرى، مثل طريق تافريدا، وجسر كيرتش، لكنّ كل ذلك يعدّ من إنجازات السلطات الفيدرالية، بينما يتحكم الموظفون المحليون والدولة العميقة الأوكرانية على الأرض، ما يبقي على منظومة الفساد كما هي”.
منذ ضمّ القرم، عملت موسكو جاهدة على ربط شبه الجزيرة بباقي أراضي روسيا حتى يتسنى الوصول إليها براً من دون المرور بأوكرانيا، بما في ذلك بناء جسر كيرتش البالغ طوله 19 كيلومتراً والرابط بين إقليم كراسنودار والقرم. أما طريق “تافريدا” السريع البالغ طوله 290 كيلومتراً، فربط مدينتي كيرتش وسيفاستوبول، تسهيلاً لحركة السيارات داخل شبه الجزيرة. وبالرغم من أنّه كان من المنتظر أن يساعد بناء الجسر في تخفيض أسعار السلع في القرم، يقرّ بودياتشي بأنّ استشراء الفساد يحول دون تحقيق ذلك على أرض الواقع. بودياتشي، الذي سبق له أن دين بتهمة “الانفصالية” بسبب عمله على “استعادة الوحدة” مع روسيا، حين كانت القرم تتبع لأوكرانيا، يشكو أيضاً من أنّه لم يجرِ ردّ الاعتبار له حتى الآن، في ظل الإبقاء على مفعول جميع الأحكام الجنائية الصادرة بحقه.
إلى ذلك، أظهر استطلاع للرأي أجراه “مركز عموم روسيا لدراسة الرأي العام” وصندوق “الرأي العام” عشية الذكرى الخامسة لضم القرم، استمرار الأغلبية الساحقة من سكان روسيا القارية وشبه الجزيرة في دعم عملية الضمّ، لكن مع تحفظات على نتائجه الاجتماعية والاقتصادية. وبحسب الاستطلاع، فإنّ 89 في المائة من سكان القرم كانوا سيصوتون في وقتنا الحاضر، لصالح الانضمام لروسيا أيضاً، بينما أعرب 79 في المائة من الروس على مستوى البلاد عن تقييمهم الإيجابي لذلك الحدث. لكن، على عكس سكان القرم الذين اعتبر 72 في المائة منهم أنّ الانضمام إلى روسيا أثر إيجاباً على حياتهم، رأى أكثر من 60 في المائة من المستطلعة آراؤهم في روسيا القارية أنّ ضم شبه الجزيرة لم يؤثر على أيّ ناحية من حياتهم، كما أعلن 14 في المائة منهم عن تداعيات اجتماعية واقتصادية سلبية للضمّ.
وكانت روسيا قد ضمت القرم قبل خمس سنوات، بعد موجة من الاضطرابات في كييف وموافقة مجلس الاتحاد (الشيوخ) الروسي على استخدام القوات الروسية في أوكرانيا وإجراء استفتاء تقرير المصير في شبه الجزيرة ذات الأغلبية الناطقة بالروسية. وبعد إعلان استقلال جمهورية القرم عن أوكرانيا بشكل أحادي الجانب، وقّعت القرم على اتفاقية الانضمام إلى روسيا في مثل هذا اليوم من عام 2014.
العربي الجديد