في منتدى سانت بطرسبرج الاقتصادي: السياسة تطغى على البزنس

في منتدى سانت بطرسبرج الاقتصادي: السياسة تطغى على البزنس

russia-economic-forum-18062015--01

يسمّى “دافوس الروسي”. لكنّ هذه التسمية الّتي كانت منطقية عندما كان الناتج المحلي الإجمالي الروسي يسجّل نموًّا بنسبة 10 % قد خسرت منذ أنّ دخل اقتصاده في حالة سبات، تقريبًا؛ بسبب الضربة المزدوجة من انخفاض أسعار النفط والعقوبات الدولية المفروضة على روسيا لمعاقبتها على موقفها تجاه جارتها أوكرانيا. وبالتالي؛ كانت النسخة التاسعة عشر من المنتدى الاقتصادي في سانت بطرسبرج الذي عقد بين يومي 18 و20 يونيو حدثًا أكثر سياسة من الاقتصاد. وبالنسبة لروسيا، يتمثّل التحدي الوحيد في أن تظهر للعالم أنّ العقوبات لم تؤثر عليها وليست معزولة على المستوى الدبلوماسي.

تعقد هذه القمّة الاقتصادية في سياق خاصّ للغاية قبل أيام قليلة من اجتماع وزراء الشؤون الخارجية للدول الأعضاء في الاتّحاد الأوروبي الّذين سيصادقون على تجديد الإجراءات الّتي تحدّ من ولوج الأسواق المالية من 5 بنوك روسية وثلاث شركات نفط وثلاث شركات أسلحة روسية حتّى شهر يناير الماضي، على إثر القرار الّذي اتّخذ الأربعاء الماضي من قبل السفراء الأوروبيين المجتمعين في بروكسل. وفي حين كان من الممكن أن يكفي صوت واحد لإفشال التدبير، لم تعارض أيّ دولة تجديد العقوبات؛ الأمر الّذي يمنع عددًا من الشخصيات الروسية دخول الأراضي الأوروبية. ولا حتّى اليونان، الّتي كان وزيرها الأوّل ألكسيس تسيبراس ضيف الشرف في منتدى سانت بطرسبرج.

ولكن، هل تمّ التوقيع على اتّفاقيات؟ أليست هذه إشارة على أنّ التعاون مستمرّ؟

في الواقع، كانت هناك العديد من الاتّفاقيات، ولاسيّما في مجال الطاقة؛ إذ أعلن عملاق الغاز الروسي يوم الخميس عن تمديد خطّ أنابيب الغاز نورث ستريم الّذي يصل إلى ألمانيا متجاوزًا أوكرانيا عبر بحر البلطيق بالتعاون مع إيون الألمانية وشركة شل الهولندية والـ OMV النمساوية. ويوم الجمعة، أشار وزير الطاقة اليوناني بانايوتيس لافزانيس إلى اتّفاق جرى التفاوض عليه منذ عدّة أشهر من ليمتدّ أنبوب الغاز “ترك ستريم” بين روسيا وتركيا إلى الأراضي اليونانية.

وتبلغ تكلفة المشروع -على مبدأ التمويل المشترك- 2 مليار دولار. ولئن كانت هذه العقود مفيدة من أجل معنويات الطرف الروسي، فتجدر الإشارة إلى أنّه في كلتي الحالتين، هذه مذكّرات تفاهم؛ ممّا يحدّ من انطلاقها الفعلي.

لسوء الحظّ، افتتحت القمة الاقتصادية مع تجميد فرنسا وبلجيكا لأصول الشركات الروسية في أعقاب قرار محكمة العدل في لاهاي، الّتي قضت على الدولة الروسية، بتحويل نحو 50 مليار دولار لمساهمي شركة يوكوس، شركة النفط المملكة من الأوليغارشي السابق ميخائيل خودوركوفسكي، الّذي أدان من قبل العدالة الروسية قبل 10 سنوات لأسباب سياسية. أمّا السلطات الروسية فقد هدّدت بالانتقام من هذين البلدين.

أكّد بوتين يوم الجمعة على أنّ الأزمة المعلنة لم تحدث، وأنّ روسيا بصدد “الخروج من فترة صعبة”. هل هذا صحيح؟

إذا ما أعدنا قراءة تصريحاته خلال العام الماضي في الفترة نفسها، بالإضافة إلى تصريحات المقرّبين منه؛ ندرك أنّه كان يقول الأمر نفسه في الدورة الـ18 لمنتدى سانت بطرسبرج: العقوبات لم تضرّ بالاقتصاد الروسي والروبل يتصاعد وما إلى ذلك. لكن هذا قبل تراجع أسعار البترول والتراجع المفاجئ للعملة المحلية. ومنذ ذلك الحين، قد تعافى بالفعل إلى حدّ ما. ولكن، من مايو إلى مايو، تراجع الناتج المحلي الإجمالي بـ 5.5 % (3.2% بالنسبة للأشهر الخمسة الأولى من العام).

ولكن الوزير الروسي للتنمية على الاقتصادية -على الرغم من اعترافه بانكماش الاقتصاد- أكّد على توقّعه بعودة النموّ في الربع الرابع من العام (0.7% بالنسبة للعام القادم إذا ما ارتفع سعر برميل النفط إلى 70 دولارًا، وفقًا للبنك المركزي). ويعدّ هذا التوقّع متفائلًا؛ لأنّ الاقتصاد يعاني من الوصول المحدود إلى الأسواق المالية، وخاصّة من الهروب المستمرّ لرؤوس الأموال. وفي هذا العامّ، غادر 33 مليار دولار سوريا بعد هروب 151.5 مليار دولار 2014 (3 مرات أكثر من العام السابق). كما أنّ السكان متضرّرون: منذ بداية العام، يعيش 22.9 مليون روسي (من أصل 144 مليونًا) تحت خطّ الفقر؛ مقابل 19.8 مليون شخص في عام 2014.

هل لا تزال روسيا تحظى بأصدقاء؟

في أوروبا، يمكن أن نعدّ على الأصابع السياسيين الّذي يتجرّؤون على الظهور في روسيا؛ إذ كان عدد المتواجدين في سانت بطرسبرج من أجل حضور المؤتمر الاقتصادي أقلّ بكثير من الّذين كانوا في موسكو يوم 9 مايو للاحتفال بالذكرى السبعين لنهاية الحرب العالمية الثانية. وأولئك الّذين ذهبوا إلى روسيا، مسؤولون قدامى مثل المستشار الألماني السابق جيرهارد شرودر المرتبط جدًّا بشركة غازبروم، أو الفرنسي فرنسوا فيون الّذي تعود علاقته مع روسيا إلى حقبة جورباتشوف في أواخر السنوات الـ 1980، والفرنسي الغولي (نسبة إلى شارل ديغول) ديومينيك دو فيلبان. أمّا ألكسيس تسيبراس -الذي قام بزيارته الثالثة لروسيا هذا العام- فلديه أجندة أخرى؛ إذ إنّ الرجل تصرّف كما لو أنّ موسكو لا تستطيع مساعدة بلاده ماليًا وليست أمامه فرصة كبيرة للمناورة، في حين أنّه مع اقتراب الموعد النهائي لدفع قسط جديد من الديون اليونانية، يراهن على الاقتراب من موسكو من أجل دفع بروكسل على تقديم تنازلات نهائية أو ربّما في سعي إلى دفع واشنطن إلى التحرّك.

التقرير