مساعدة الحشد الشعبي لمحافظ الموصل بشمال العراق على الصمود في وجه تهم الفساد التي تلاحقه، هو على سبيل تبادل الخدمات والمنافع معه، إذ أنّ قادة الميليشيات الشيعية في العراق مهتمون بتوسيع نفوذهم في المناطق السنية وبتركيز حضور دائم لميليشياتهم في تلك المناطق بذريعة المشاركة في حفظ الأمن.
الموصل (العراق) – يصر نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي في العراق أبومهدي المهندس على توفير الحماية السياسية اللاّزمة لبقاء محافظ نينوى نوفل العاكوب في منصبه بالرغم من انتشار أنباء فساد الحكومة المحلّية التي يقودها، وفشلها في تحسين الأوضاع بالمحافظة التي خلّفت حربُ استعادتها من تنظيم داعش دمارا هائلا في عدد من مناطقها.
وبالرغم من مرور عام ونحو تسعة أشهر على استعادة الموصل مركز المحافظة الواقعة بشمال العراق من التنظيم المتشدّد، إلاّ أنّ أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، في ركود مستمرّ ما أطلق موجة نزوح جديدة منها، بدل عودة سكانها النازحين إليها.
ويقول أعضاء منظمات إغاثية في الموصل إن الدول المانحة التي وعدت بتقديم الأموال لإعادة إعمار نينوى تفقد ثقتها في البيئة الحالية وبدأت تعيد النظر في وعودها، بسبب تفشي الفساد الحكومي.
وفي أحدث فضيحة تجسد هيمنة الفساد على مقدرات الموصل انهار جسر حديث الإنشاء في المدينة بسبب موجة سيول ناجمة عن الأمطار.
وحاول محافظ نينوى إلقاء التهمة على الشركات الحكومية التي نفّذت المشروع، لكن مسؤولين في هذه الشركات قالوا إنهم تعرضوا إلى مساومات من ساسة محليين خلال عملية التنفيذ، أجبرتهم على تخفيض جودة بعض المواد المستخدمة في الإنشاء، لتوفير عمولات مالية.
ويتهم السكان المحليون محافظ نينوى نوفل العاكوب بهدر المال العام، وإساءة استخدام السلطة. لكن الحماية السياسية التي يحصل عليها توفر له حصانة ثابتة من النقد المستمر. ويتلقى العاكوب الدعم السياسي الرئيس من أحد أبرز حلفاء إيران في العراق وهو السياسي المثير للجدل جمال جعفر، المعروف بأبي مهدي المهندس.
والمهندس أحد المطلوبين الدوليين منذ ثمانينات القرن الماضي لورود اسمه ضمن قوائم لمتورطين في أعمال إرهابية في الكويت ولبنان، وظهر في العراق نائبا ضمن البرلمان العراقي بعد إسقاط نظام صدام حسين قبل أن يتوارى عن الأنظار، ليعود إلى الواجهة مع تشكيل قوات الحشد الشعبي ليلعب دور الرجل الثاني تراتبيا، والدور الأول عمليا في قيادة تلك القوات التي تمثّل الميليشيات الشيعية عمودها الفقري.
ويستخدم المهندس ورقة الحشد الشعبي للتأثير في توجيه مسار السياسة في الموصل. ويمكن للسياسي الذي يحصل على دعم الحشد هناك أن يقوم بدور قيادي في المدينة.
وخلال السنوات الماضية لاسيما أثناء الحرب ضد تنظيم داعش التي ظهر فيها الحشد الشعبي كقوّة فاعلة ومؤثرة، برزت رغبة واضحة لدى قادة الميليشيات والأحزاب الشيعية بالعراق في التمدّد نحو مناطق السنّة، وهو ما أتيح من خلال مشاركة ميليشيات الحشد في الحرب على التنظيم، ولا تزال الكثير منها تحافظ على وجودها في مدن ومناطق سنية من بينها الموصل بحجّة أنّها جزء من القوات النظامية العراقية ومخوّلة مثلها مسك الأرض وحفظ الأمن.
سلوك قوات الحشد الموجودة في الموصل نموذج عن تعاضد الفساد والإرهاب الذي سهل على داعش غزو المدينة واحتلالها
وأصبحت قوات الحشد الموجودة بالموصل مثار تذمّر الأهالي الذين يتحدّثون عن عمليات ابتزاز لهم وسلب لأموالهم وممتلكاتهم عبر الضغط عليهم باستخدام تهمة الانتماء إلى تنظيم داعش أو التعاون معه والتعاطف مع عناصره أثناء سيطرتهم على المدينة بين صيف سنة 2014 وأواسط سنة 2017.
ويذهب البعض إلى اتهام عناصر من الحشد بالتواطؤ مع داعش وإطلاق سراح البعض من عناصره المحتجزين لقاء مبالغ مالية، ما يشكّل ضربة قاسية للأوضاع الأمنية في المدينة.
ويصف ساسة عراقيون هذه الحالة الأخيرة بأنّها نموذج عن تعاضد الفساد والإرهاب، محذّرين من أنّ الأوضاع السائدة في الموصل شبيهة إلى حدّ بعيد بتلك التي سادت المدينة قبيل غزو داعش لها.
والعاكوب هو سياسي محلي تقدّم إلى الواجهة بعد إطاحة أثيل النجيفي محافظ نينوى السابق من منصبه إثر توجيه عدة تهم له من بينها التخابر مع تركيا وتسهيل إدخال تنظيم داعش إلى المدينة.
وسهل العاكوب بعد استعادة نينوى من تنظيم داعش لبعض الفصائل التي تقاتل ضمن الحشد الشعبي افتتاح مقرات داخل مركز مدينة الموصل بهدف تمكينها سياسيا.
وهناك أقلية شيعية في الموصل حيث معظم السكّان من السنة العرب والأكراد لذلك شكل الحشد الشعبي منافسا سياسيا ليس مرغوبا فيه على المستوى المحلي.
ويقول سكان الموصل إن العاكوب يسهل على الحشد الشعبي التغلغل في مختلف مناطق نينوى بينما يقدم أبومهدي المهندس الحماية للعاكوب كي يبقى محافظا.
لكن مصادر سياسية أبلغت “العرب” أن “الزخم الذي يوفره المهندس للعاكوب يتلاشى في بغداد وربما يفقد الأخير منصبه قريبا”. ويقول تقرير أعدّه فريق برئاسة السياسي السني البارز أسامة النجيفي الذي ينحدر من الموصل، إن العاكوب متورط في ملفات فساد عديدة، مستعرضا عددا كبيرا من الوثائق التي تدعم مزاعمه.
وطالب التقرير البرلمان العراقي بالتصويت على سحب الثقة من العاكوب فورا ومنعه من السفر، والتحقيق معه بتهمة هدر المال العام وسوء الإدارة.
لكن العاكوب المستند إلى قيادة الحشد الشعبي يبدو واثقا من قوة من موقفه. وردّ، الثلاثاء، على تقرير لجنة النجيفي برسالة إلى رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي وإلى مجلس النواب أبدى فيها استعداده للمثول أمام القضاء.
وأعلن محافظ نينوى عن توجيهه الرسالة في مؤتمر صحافي قال فيه “إن لجنة تقصي الحقائق بشأن نينوى حاولت بكل الطرق تضليل العدالة ورئيس الوزراء والبرلمان من خلال أمور ليس لها أي مبرر ولا يوجد لها أي نصيب من الصحة”.
وأضاف متّهما اللجنة باجتزاء “ما يخدمها في سبيل تهييج الرأي العام ضد المحافظ وحكومة نينوى المحلية”، مشيرا إلى أن “الهدف الأساس من ذلك هو استبدال المحافظ”.
واعترف العاكوب بارتكاب “أخطاء إدارية” قال إنّها “لمقتضيات المصلحة العامة”، لكنّه تبرّأ من هدر المال العام والاختلاس.
العرب