اتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قراراً جديداً لا ينتهك القانون الدولي ومقررات الأمم المتحدة فحسب، بل يضرب عرض الحائط بما كانت الولايات المتحدة نفسها قد صادقت عليه في أحقاب سابقة، وكان أصلاً يلبي مقدار الحد الأدنى من التزام واشنطن بتوافقات ما يُسمى بالمجتمع الدولي. وعلى غرار قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، يكون قراره الجديد الاعتراف بسيادة دولة الاحتلال الإسرائيلي على هضبة الجولان المحتلة منذ حرب 1967.
وإذا صح أن الإجراء الأخير يأتي استجابة لرغبة رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو، بهدف انتشاله من مآزقه السياسية ومتاعبه القضائية على أعتاب انتخابات لا تلوح مؤشراتها مواتية لتحالفه الحكومي ولا هي في صالحه شخصياً، فإن من الأصح وربما الأخطر أن ترامب يتخذ أيضاً خطوة جديدة تمهد للمسار الذي سوف يسير عليه مشروع التسوية الذي تتولاه إدارته وبات معروفاً باسم صفقة القرن. فبعد إسباغ الصفة الشرعية على الاحتلال الإسرائيلي للقدس والجولان، لن يطول الوقت كما يبدو حتى يعلن ترامب إغلاق ملفّ اللاجئين واعتبار حق العودة لاغياً.
وليس جديداً أنه في هذا يمارس العربدة القانونية الدولية كيفما شاء، إذْ تراكمت سوابقه في ميادين أخرى تخص قضايا المعمورة بأسرها، فتنصل من اتفاقية باريس حول المناخ، وانتقل إلى الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، وانسحب من منظمة اليونيسكو ومجلس حقوق الإنسان ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين. وليس جديداً أيضاً أنه يتخذ القرارات بعقلية رجل الأعمال، بالجملة أو المفرق سيان عنده، فتكون أرباح صديقه نتنياهو أثمن عنده من خسائر واشنطن جراء اتخاذ خطوات انعزالية.
ومما يضيف الإهانة على جرح إهداء الجولان إلى الكيان الصهيوني أن النظام السوري ظل يواصل اعتبار الهضبة مسألة مقايضة مع دولة الاحتلال عبر وسيط أمريكي تارة أو وسيط مصري أو تركي أو أوروبي تارة أخرى، قبل أن يثبت منذ الأشهر الأولى لانتفاضة الشعب السوري في مثل هذه الأيام قبل ثماني سنوات أن الجولان ثانوي تماماً في حساباته. ذلك لأنه سحب عشرات الكتائب التي كانت مرابطة في بقاع مختلفة من الجولان بموجب اتفاقية الفصل لعام 1973، ونقلها إلى الداخل لكي تقصف التظاهرات السلمية في حوران وريف دمشق وحمص وحماة ودير الزور، بل إنه أطلق صواريخ سام لا لاعتراض الطائرات الإسرائيلية التي ظلت تسرح وتمرح في أجواء سوريا وإنما لكي تسقط على المشافي والمخابز والمساجد والأسواق الشعبية.
ومن جانب آخر لا تنسى الذاكرة الوطنية السورية تضحيات أبنائها الذين استشهدوا دفاعاً عن الجولان في مختلف المواجهات مع الكيان الصهيوني، ولكن هيهات أن تنسى أيضاً البيان 66 الذي صدر عن حافظ الأسد وزير الدفاع آنذاك وأعلن سقوط مدينة القنيطرة قبل ساعات من وصول أول جندي إسرائيلي إلى تخومها. ولا تنسى كذلك جعجعة خطاب النظام الرسمي حول الانتماء إلى ما يسمى محور المقاومة، في كل مكان ما عدا الجولان حيث بقيت المدافع خرساء والدبابات جاثمة بلا حراك.
وليس غريباً أن تبلغ مرارة السوريين درجة الإحساس بأن قرار ترامب في 2019 إنما يستكمل ما بدأه وزير دفاع النظام في 1967.
القدس العربي