نتائج التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية عن الإرهاب (الجزء الأول): «حزب الله» وإيران

نتائج التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية عن الإرهاب (الجزء الأول): «حزب الله» وإيران

عندما أدلى “مدير الاستخبارات الوطنية” الأمريكية جيمس كلابر بشهادته أمام الكونغرس الأمريكي في آذار/مارس حول التهديدات التي تواجهها الولايات المتحدة، كان من اللافت للإنتباه غياب إيران و «حزب الله» عن قائمة التهديدات الإرهابية. وبعد عدة أسابيع، رد كلابر على المخاوف التي أعرب عنها أعضاء مجلس الشيوخ فيما يتعلق بهذا الإغفال في رسالة أقر فيها أن إيران و «حزب الله» “يهددان مباشرةً مصالح الولايات المتحدة وحلفائنا”، مضيفاً أن الأسرة الدولية ما زالت تعتبر طهران عاصمة “الدولة الرئيسية الراعية للإرهاب”.

وفي 19 حزيران/يونيو، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرها السنوي عن الإرهاب في دول العالم لعام 2014، الذي يشرح كيفية ظهور تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» في العام الماضي كالتهديد الإرهابي الأبرز للمصالح الأمريكية (وهو موضوع سيتم تغطيته في الجزء الثاني من هذا المرصد السياسي، الذي سيصدر في وقت لاحق). إلا أن التقرير، الذي يغطي معظم الإطار الزمني نفسه الذي ارتكزت عليه شهادة كلابر، يبيّن أيضاً بوضوح أن إيران و «حزب الله» نفذا بصورة نشطة أعمالاً إرهابية وإجرامية وأنشطة قتالية مزعزعة للاستقرار خلال عام 2014.

الرعاية الإيرانية “لم تشهد أي تراجع

يركز التقرير الجديد بصورة خاصة على طهران و«حزب الله» انطلاقاً من الفصل التمهيدي: “تواصل إيران رعاية الجماعات الإرهابية في جميع أنحاء العالم، وبصورة رئيسية من خلال «قوة القدس» التابعة لـ «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني… وشملت هذه الجماعات «حزب الله» اللبناني، وعدة جماعات قتالية شيعية عراقية وحركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي الفلسطيني»”.  بالإضافة إلى ذلك، يتهم التقرير إيران بـ “إطالة الحرب الأهلية في سوريا وتقويض أزمة حقوق الإنسان واللاجئين هناك”. ولاحقاً، يصف معدّو التقرير أن رعاية إيران للإرهاب “لم تشهد أي تراجع”.

التهديدات المتعددة التي يشكلها «حزب الله»

يصف التقرير أيضاً كيف أن «حزب الله» بقي يمثل “تهديداً كبيراً لاستقرار لبنان والمنطقة الأوسع” في عام 2014. فبصفته وكيل إيران الرئيسي والأكثر نفوذاً، عمد التنظيم على “تسريع وتيرة أنشطته العسكرية دعماً للنظام السوري” واستمر في زرع الألغام على طول حدود إسرائيل الشمالية. وقد فاقمت هذه الأنشطة من الوضع الأمني ​​في لبنان وحفّزت قيام [عمليات] انتقام إسرائيلية، من بينها الضربة الجوية في مرتفعات الجولان في كانون الثاني/يناير 2015 التي أسفرت عن مقتل جنرال إيراني فضلاً عن جهاد مغنية، نجل زعيم عمليات «حزب الله» المتوفي عماد مغنية. إلا أن الضربة لم تلقَ سوى رداً متواضعاً من التنظيم، في محاولة متأنية منه لتجنب المزيد من التصعيد.

ورغم هذا الانشغال الكبير في سوريا، بقي نشاط «حزب الله» الإرهابي في جميع أنحاء العالم مستشرياً بلا هوادة. ففي نيسان/إبريل 2014، أُلقي القبض على عنصرين مشتبه بهما من «حزب الله» في تايلاند بتهمة التخطيط لهجوم في منطقة من العاصمة “تعج بالسياح الإسرائيليين”. كما أن عنصراً آخراً، سبق أن اعتُقل في عام 2012 لتخزينه خمسة أطنان من الأسمدة وعشرة غالونات من نترات الأمونيوم على مقربة من بانكوك، قد أُطلق سراحه وجرى ترحيله إلى السويد في أيلول/سبتمبر.

وفي الشهر ذاته الذي سُجلت فيه عمليات الاعتقال في تايلاند، قررت ألمانيا إغلاق جمعية خيرية تابعة لـ «حزب الله» تُعرف بـ “مشروع الأطفال اللبنانيين اليتامى”، وصادرت مبلغ 80 ألف دولار من أصولها. وتشتبه السلطات بقيام الجمعية بنقل أكثر من 4 ملايين دولار إلى “مؤسسة الشهيد” التابعة لـ «حزب الله» منذ عام 2007.

كما أن التقرير سلّط الضوء أيضاً على كيفية “استمرار رعايا لبنانيين في أمريكا اللاتينية وأفريقيا في تقديم الدعم المادي لـ «حزب الله»، بما في ذلك من خلال غسل عائدات العمليات الإجرامية باستخدام المؤسسات المالية اللبنانية”. وفي الواقع، إن داعمي التنظيم “غالباً ما ينخرطون في عدد من الأنشطة الإجرامية التي تعود بنفع مادي على التنظيم. وقد شملت تلك الأنشطة تهريب البضائع المحظورة، وتزوير جوازات السفر، والاتجار بالمخدرات، وغسل الأموال، وتزوير بطاقات الائتمان، والهجرة غير الشرعية، والاحتيال المصرفي”.

وفي غضون ذلك، أُلقي القبض على عضو «حزب الله» محمد أمادار في بيرو في تشرين الأول/أكتوبر 2014، وعُثر في شقته على بقايا مواد متفجرة. كما اكتُشفت مواد أخرى لصنع القنابل في سلة مهملات خارج المبنى الذي يقطن فيه. وفي البداية اعترف بانتمائه إلى «حزب الله» ولكنه سرعان ما تراجع عن كلامه، زاعماً أنه قد أُرغم على الاعتراف بذلك. وفي تشرين الثاني/نوفمبر، أمرت محكمة بإبقائه قيد الاعتقال لمدة تصل إلى ثمانية عشر شهراً بينما يحقق المدعون في القضية ويعدّون التهم الرسمية. وفي فنزويلا، شكلت البيئة المتساهلة أرضية خصبة لتواجد أفراد مرتبطين بالعديد من الجماعات الإرهابية، بما فيها «حزب الله».

كما أشار التقرير إلى أن المحكمة العليا في قبرص أيدت في آذار/مارس 2014 إدانة حسام طالب يعقوب، الذي يحمل الجنسيتين اللبنانية والسويدية، وهو عنصر في «حزب الله» كان قد اعتُقل في عام 2012 على خلفية مراقبة أهداف سياحية إسرائيلية لتنفيذ أعمال إرهابية محتملة. وتم ترحيله إلى السويد بعد أن أكمل فترة عقوبته في تشرين الثاني/نوفمبر. ولم يأتِ التقرير على ذكره لأن الحادثة وقعت في عام 2015، لكن تحقيقاً منفصلاً في قبرص كشف عن كميات كبيرة من نترات الأمونيوم في منزل في لارنكا لعنصر من «حزب الله» يحمل الجنسيتين اللبنانية والكندية؛ وفي بداية الأسبوع الثالث من حزيران/يونيو، أكد وزير الخارجية القبرصي أن السلطات أحبطت مخطط تفجير لـ «حزب الله» يستهدف مجدداً سياحاً إسرائيليين.

وبصورة إجمالية، أفادت وزارة الخارجية الأمريكية أن “إيران قد أقرت علناً” بتزويد «حزب الله» “بصواريخ ‘فاتح’ المتطورة البعيدة المدى والإيرانية الصنع”، في انتهاك واضح لقراري مجلس الأمن 1701 و 1747. وفي تشرين الثاني/نوفمبر، أقر قائد سلاح الجو في «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني العميد أمير علي حاجي زاده علناً بأن “«فيلق الحرس الثوري الإسلامي» و «حزب الله» هما حال واحدة”.

دور «قوة القدس» التابعة لـ «فيلق الحرس الثوري الإسلامي»

يبيّن التقرير أيضاً كيف استخدمت طهران «قوة القدس» التابعة لـ «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» لحشد عدد من المقاتلين الشيعة في العراق وسوريا في وجه تنظيم «الدولة الإسلامية»، بما في ذلك « كتائب حزب الله» التي صُنفت كتنظيم إرهابي. ووفقاً للتقرير، ارتكب هذا التنظيم وغيره من الميليشيات المدعومة من قبل إيران “انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان”. وبالإضافة إلى ذلك، زادت إيران من عمليات تدريب الميليشيات وتمويلها في عام 2014، وتزويدها لهم أسلحة متقدمة. كما “دفعت مئات الملايين من الدولارات” لـ «حزب الله» و “دربت الآلاف من المقاتلين التابعين لـ [الجماعة] في معسكرات في إيران.”

ولا تتوقع وزارة الخارجية الأمريكية أن تغير إيران سلوكها في سوريا عما قريب، إذ تؤكد أن “إيران تعتبر سوريا ممراً محورياً في طريق الإمداد التي تعتمده لتسليح [«حزب الله»]، الذي هو المستفيد الأساسي، وركناً أساسياً من جبهة ‘المقاومة’ الخاصة بها”. وفي الواقع، استمرت إيران في تزويد الجماعة بـ “التدريب والأسلحة والمتفجرات، بالإضافة إلى الدعم السياسي والدبلوماسي والمالي والتنظيمي”.

كما واصلت إيران “تقديم الأسلحة والتمويل والتدريب وتعبئة شيعة عراقيين ومقاتلين أفغان بشكل أساسي لدعم القمع الهمجي الذي يمارسه نظام [الأسد]، والذي أسفر عن مقتل 191,000  شخص على الاقل في سوريا، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة من آب/أغسطس”. فضلاً عن ذلك، يشير التقرير إلى أن إيران قد أقرت علناً بإرسال عناصر من «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» إلى سوريا للقيام بدور استشاري؛ وتفيد “تقارير إعلامية متوافقة” أن “بعض هؤلاء العناصر ينتمون إلى «قوة القدس» التابعة لـ «الحرس الثوري الإسلامي» وأنهم شاركوا في العمليات القتالية المباشرة”، على الرغم من أن ايران نفت هذا الدور.

دعم «حماس» وغيرها من الحركات الفلسطينية المسلحة

يشرح التقرير الجديد أيضاً كيف شرعت إيران في ترميم العلاقات مع «حماس» العام الماضي. ففي السابق، كانت طهران ولفترة طويلة من مؤيدي الحركة، التي شاركت في العديد من الحروب مع عدوها اللدود، إسرائيل. إلا أن العلاقات بين الطرفين مرت بأوقات عصيبة عندما رفضت «حماس» دعم بشار الأسد، ولكن في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، “شدد المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي على الدعم العسكري الإيراني لـ  ‘الإخوة الفلسطينيين’ في غزة ونادى بتسليح الضفة الغربية كذلك”. وبحلول كانون الأول/ديسمبر، “أعلن نائب زعيم حركة «حماس» موسى أبو مرزوق [أن] العلاقات الثنائية بين إيران و «حماس» ‘عادت إلى المسار الصحيح’.”

كما تلقت جماعات متطرفة فلسطينية أخرى مساعدات من إيران أيضاً؛ ففي آذار/مارس 2014، اعترضت إسرائيل سفينة الشحنكلوس سي قبالة شواطئ السودان وعثرت على أسلحة متنوعة، يُعتقد أنها كانت متجهة إلى قطاع غزة، بما فيها 40 صاروخاً من طراز M-302، و 180 قذيفة هاون، وحوالي400,000  طلقة من الذخيرة. وكانت الأسلحة مخبأة داخل صناديق من الإسمنت كُتب عليها “صُنع في إيران”.

الخلاصة

يُظهر “التقرير السنوي عن الإرهاب في دول العالم” الذي أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية، المدى الذي بقي فيه كل من إيران و«حزب الله» ملتزماً بدعم الإرهاب الدولي والانخراط فيه في عام 2014. ومع ذلك، فقد زاد هذا الالتزام في عام 2015، كما يتضح من تصنيفات وزارة الخزانة الأمريكية في شباط/فبراير (ضد شبكة الدعم التابعة لـ «حزب الله» في أفريقيا)، وفي آذار/مارس (مدعوماً بمؤامرات «حزب الله» في بلغاريا وقبرص وتايلاند)، وفي حزيران/يونيو (ضد عناصر «حزب الله» وجماعاته الداعمة للإرهاب في لبنان والعراق). وفي شباط/فبراير أيضاً، تم ترحيل السفير الإيراني في أوروغواي بعد أن شوهد أحد دبلوماسييه وهو يحوم في سيارة دبلوماسية بالقرب من قنبلة حقيقية المظهر إلى حد كبير ولكنها وهمية، وقامت الشرطة بتفجيرها عن بُعد. وفي الواقع، هناك أسباب وجيهة جعلت تقرير وزارة الخارجية يشير بشكل واضح وصريح إلى أن تنظيمي «داعش» و «القاعدة» “لا يشكلان التهديد الخطير الوحيد الذي واجهته الولايات المتحدة وحلفاؤها. فقد واصلت إيران رعاية الجماعات الإرهابية في جميع أنحاء العالم”.

 ماثيو ليفيت

معهد واشنطن