إسرائيل… هنا أيضا كرابح أكبر

إسرائيل… هنا أيضا كرابح أكبر

شرق أوسطيا، تظل إسرائيل هي المستفيد الأول من الصعود السياسي لليمين الشعبوي والمتطرف في الغرب الأمريكي والأوروبي.
فإدارة دونالد ترامب تواصل وبسرعة هائلة تصفية القضية الفلسطينية وضرب عرض الحائط بالحقوق العربية المشروعة في الأراضي المحتلة منذ حرب 1967 وتجاهل القرارات الأممية الصادرة في هذا الصدد. وليس ما سمي باعتراف ترامب بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية المحتلة سوى خطوة جديدة تقطعها الإدارة الأمريكية على طريق شرعنة نتائج سياسات اغتصاب الأراضي والاحتلال والضم والاستيطان التي تمارسها تل أبيب منذ أواسط القرن العشرين. ولن تكن الخطوة القادمة، وبعد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وتجميد العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والسلطة الفلسطينية في رام الله وترك الحبل على الغارب للاستيطان في الضفة الغربية، لن تكن الخطوة القادمة سوى تمكين إدارة ترامب لإسرائيل من الضم الأحادي لمعظم أراضي الضفة على نحو لن يترك للفلسطينيين سوى أجزاء مقطعة الأوصال ومعها قطاع غزة الذي لا يريده أحد. وبغض النظر عن المسمى الذي ستكتسبه التصفية الأمريكية ـ الإسرائيلية للقضية الفلسطينية، صفقة القرن أو غيرها، فالمؤكد أنها ستحدث في سياقات شرق أوسطية تدفع بها الدول العربية الكبيرة للتنازل عن فلسطين واستبدال العداء لإيران بمواجهة إسرائيل والإحلال الفوري للتنسيق العسكري والأمني والاقتصادي مع تل أبيب محل الامتناع (مجرد الامتناع، فزمن المقاطعة ولى منذ عقود) عن الانفتاح عليها حتى تستعاد الحقوق الفلسطينية والعربية.
أما أوروبيا، فالمزاج العام يتحرك بعيدا عن العمل على كبح جماح سياسات الضم والاستيطان الإسرائيلية مثلما يواجه بالصمت التصفية الأمريكية ـ الإسرائيلية للقضية الفلسطينية. فوزارات الخارجية في الدول الأوروبية التي لم تسقط حكوماتها في أيادي اليمين الشعبوي والمتطرف مثل ألمانيا وفرنسا وإسبانيا واليونان تولي اهتمامها في الشرق الأوسط صوب القضايا الأمنية كالحد من الهجرة غير الشرعية وإنهاء الحروب الأهلية والقضاء على داعش وغيرها من عصابات الإرهاب، وهي على المستويين تتعاون بكثافة مع إسرائيل. كذلك تسعى هذه الحكومات، وإن دافعت عن الحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران والذي انسحبت منه الولايات المتحدة، إلى احتواء النفوذ الإيراني ذي المسارح الإقليمية الواسعة في العراق وسورية ولبنان واليمن وهي هنا أيضا تتعاون مع إسرائيل.

إدارة دونالد ترامب تواصل وبسرعة هائلة تصفية القضية الفلسطينية وضرب عرض الحائط بالحقوق العربية المشروعة في الأراضي المحتلة منذ حرب 1967 وتجاهل القرارات الأممية الصادرة في هذا الصدد

وحين تأتي حكومات ألمانيا وفرنسا وإسبانيا واليونان إشارات متواترة من الدول العربية الكبيرة بكون الأولوية الراهنة هي لمواجهة إيران وبكون وتائر التنسيق العسكري والأمني بين الرياض والقاهرة وأبو ظبي وبين تل أبيب في تسارع مستمر، يصبح من غير المستغرب أن يغط الأوروبيون الذين لم يسقطوا في فخ اليمين الشعبوي والمتطرف في صمت مطبق بشأن سياسات الضم والاستيطان الإسرائيلية وأن لا يصدر عن وزارات خارجيتهم غير بيانات مختصرة بشأن الاعتراف العام بالحقوق الفلسطينية والعربية.
في المقابل، تتبنى حكومات الدول الأوروبية التي صار اليمين يسيطر عليها مثل بولندا والمجر وجمهورية التشيك ورومانيا (وباستثناء إيطاليا القريبة تقليديا من الدفاع عن حقوق الفلسطينيين والجمهورية النمساوية نظرا لدبلوماسية الحياد والوساطة بين العرب وإسرائيل التي مارستها منذ عقود طويلة) سياسات أشبه بسياسات التأييد الأحادي لتل أبيب التي تطبقها إدارة ترامب. نظمت بولندا برعاية أمريكية وتنسيق مع إسرائيل «مؤتمر وارسو» الذي لم يكن له من هدف غير الآتيان ببعض الأوروبيين إلى التحالف الشرق الأوسطي في مواجهة إيران الذي تريد واشنطن من العرب وإسرائيل أن يصبح الإطار الوحيد لفعلهم الإقليمي دون إكثار حديث عن فلسطين أو عن الأراضي العربية المحتلة. وأعلنت الحكومة الرومانية اعتزامها نقل سفارتها إلى القدس، تأسيا بإدارة ترامب وتزلفا للحكومة الإسرائيلية. وبين بولندا ورومانيا، تتبنى الحكومة المجرية والحكومة التشيكية سياسات صريحة التأييد لتصفية القضية الفلسطينية.
أما بريطانيا الغارقة في أزمة البريكست (أو ربما فوضى البريكست)، فطاقتها الدبلوماسية موجهة إلى فض الاشتباك مع الاتحاد الأوروبي وسيظل دورها المستقل (بعيدا عن الاتحاد) معطلا إلى أن تتضح تفاصيل التخارج (طبعا إن حدث). حتى إشعار آخر، يبقى جل ما لبريطانيا في الشرق الأوسط هو الاعتياش على إصدار بعض البيانات (كبيان تأكيد السيادة السورية على الجولان المحتل) ومواصلة الالتزام بالموقف الأوروبي المتعلق بالحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران والابتعاد عن المعارضة الصريحة للسياسات الأمريكية وللممارسات الإسرائيلية.
والحصيلة هي تفلت إسرائيل من كل قيد دولي، قانونيا كان أو سياسيا، وتماديها في الضم والاستيطان وتصفية القضية الفلسطينية والحقوق العربية.
يحدث ذلك بدعم أمريكي كامل، وتأييد بعض الأوروبيين الذين سقطت حكوماتهم في أيادي اليمين الشعبوي والمتطرف، وصمت الأوروبيين الآخرين في ظروف عالمية وإقليمية لم تعد تعتبر لا بالقرارات الأممية ولا حتى بالحدود الدنيا للحق الفلسطيني في تقرير المصير والحق السوري في استعادة الجولان.

القدس العربي