نجح الحراك الشعبي بالجزائر في خلق اهتمام كبير بالشأن الجزائري في الدوائر الأميركية بعد أن ظلت مكتفية بمتابعة ما يجري هناك عن طريق وسائل الاعلام الأوروبية.
وعلى الرغم من صمت الرئيس دونالد ترامب أصدرت الخارجية عدة بيانات منذ بداية الحراك الشعبي الجزائري وصولا إلى تنحي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
ومع بداية الحراك دعت الخارجية الأميركية إلى احترام حق التظاهر، وقال المتحدث باسم الوزارة روبرت بالادينو “نحن نراقب هذه المظاهرات. الولايات المتحدة تدعم الشعب الجزائري وحقه في التجمع السلمي”.
وعقب استقالة بوتفليقة قال بالادينو “الشعب الجزائري هو من يقرر كيفية إدارة هذه الفترة الانتقالية، والولايات المتحدة تحترم حقوقه في التجمع والتعبير السلمي عن آرائه بشأن تحقيق تطلعاته الاقتصادية والسياسية، ومتروك للشعب الجزائري للإجابة عن سؤال حول كيف تكون المرحلة الانتقالية”.
أما الكونغرس فلم يشهد أي جلسات استماع لتطورات الشأن الجزائري خلال أسابيع الحراك الشعبي الأخيرة. إلا أن وحدة أبحاث الكونغرس أصدرت دراسة عن الجزائر الشهر الماضي قالت فيها “الجزائر تمتلك مؤسسة رئاسة قوية وأجهزة أمنية فعالة مع سيطرة الدولة الكبيرة على الاقتصاد”.
ونبهت الدراسة إلى أن انخفاض أسعار الطاقة سيؤثر سلبا على برامج الاجتماعية للحكومة “وهو ما يزيد من الغضب الشعبي” معتبرة أن الجزائر “تواجه عملية انتقالية مجهولة حيث إن جيل الثورة الذي حارب من أجل إنهاء احتلال فرنسا للجزائر يعاني من الشيخوخة”.
مكافحة الإرهاب
وفيما يتعلق بعلاقات واشنطن مع الجزائر، أشارت دراسة الكونغرس إلى “وجود تعاون مستمر في مجال مكافحة الإرهاب من خلال مشاركة وتبادل المعلومات الاستخباراتية، إلى جانب بعض التنسيق بخصوص أزمة الشأن الليبي وأزمة مكافحة الإرهاب في مالي المجاورة، بحكم عضوية الجزائر في تجمع شراكة مكافحة الإرهاب في دول الساحل الذي تشرف عليه الخارجية”.
وسعت مراكز الأبحاث الأميركية الرئيسية التي تركز على الشرق الأوسط إلى إعداد دراسات عن الجزائر، على الرغم من عدم توافر الكثير من خبراء الشأن الجزائري عند المقارنة بالشأن المصري أو الخليجي.
وقبل ساعات من تنحي بوتفليقة كتب السفير الأميركي الأسبق لدى الجزائر روبرت فورد على موقع “معهد الشرق الأوسط” تحت عنوان “قليل ومتأخر جدا” يقول فيه إن كل ما قام به الرئيس الجزائري السابق “غير مقبول من ملايين الجزائريين الذين أرادوا تنحيته” وأشار إلى عدم اقتناع الشعب الجزائري بخطوات مثل إقالة الحكومة أو تغير رئيس الوزراء.
انقسامات.. تحديات
وعلى موقع “مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي” كتب الباحث ريكاردو فابياني يقول إن الاحتجاجات الأخيرة في الجزائر سلطت الضوء على الانقسامات داخل طبقة رجال الأعمال، والتي يُرجح أن تزداد فيما يسعون إلى حماية مصالحهم.
أما “معهد بروكينغز” فنشر دراسة للباحث شاران توقع فيها تمسك القوى المعارضة بتشكيل حكومة توافق وطني لتشرف على الفترة الانتقالية، حتى يتم الخروج من هذه الأزمة الدستورية.
ونشر مجلس العلاقات الخارجية دراسة ركزت على عدم الاستقرار بالجزائر. وقال الباحث جيوف بورتر إن فراغ السلطة وتدهور الأوضاع الاقتصادية قد تكون له تبعات وخطيرة على جهود الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب والاستقرار الإقليمي في منطقة الساحل وشمال أفريقيا.
وفي مقال لها بمجلة “فورين بوليسي” تحدثت الباحثة سابين هينبرغ من جامعة جون هوبكينز عن تحديات أساسية تواجهها الجزائر بعد إرغام بوتفليقة على الاستقالة.
ويتصدر تدهور الأوضاع الاقتصادية التحديات خاصة مع استمرار اعتماد الجزائر على صادرات النفط والغاز التي تمثل 90% في دخلها القومي -كما ترى هينبرغ- في وقت ينتشر فيه الفساد بشدة في دوائر المال وقطاع الأعمال إضافة لعدم توافر بيئة استثمار مشجعة لجذب الاستثمار الأجنبي.
وأشارت هينبرغ إلى أن غياب آلية للاتفاق على الخطوات السياسية التالية عقب استقالة بوتفليقة يمثل ثاني أهم التحديات في المرحلة الراهنة. ورأت أن فراغ السلطة من شأنه أن يزيد من حجم الخلافات بين الأطراف الفاعلة في ظل غياب خريطة طريق محددة.
وثالث التحديات -من وجهة نظر الباحثة- هو “غياب قيادة واضحة للحراك الشعبي”. وترى الكاتبة أن الأسابيع القليلة الماضية لم ينتج عنها بروز أي زعامة تحظى بقبول واسع. كما أشارت إلى أن موقع الجزائر “يجعلها عرضة لأنشطة إرهابية من خلايا تنظيم القاعدة بدول المغرب العربي أو الخلايا التابعة لتنظيم الدولة”.
المصدر : الجزيرة