التقى رئيس الوزراء الصيني، لي كه تشيانغ، وقادة دول وسط وشرق أوروبا أمس الجمعة في منتجع دوبروفنيك الكرواتي لحضور قمة التجارة والأعمال لمبادرة «16 زائد 1» والتي ارتفعت إلى»17 زائد 1» بعد انضمام اليونان إليها كعضو كامل.
وعقدت القمة السنوية على خلفية تحذيرات من الاتحاد الأوروبي بشأن ممارسات بكين التجارية «غير العادلة»، كجزء من إستراتيجية الصين التوسعية الجديدة والحازمة.
وقال رئيس وزراء كرواتيا أندريه بلينكوفيتش، مضيف القمة «نسعى جميعا إلى تحسين أشكال التعاون». وأضاف «لقد أصبح 17 زائد 1 منصة للعلاقات السياسية والاقتصادية المكثفة».
والدول السبع عشرة هي: ألبانيا والبوسنة وبلغاريا وكرواتيا وجمهورية التشيك واستونيا والمجر ولاتفيا وليتوانيا ومقدونيا الشمالية والجبل الأسود وبولندا ورومانيا وصربيا وسلوفاكيا وسلوفينيا، وأخيرا اليونان.
وبانضمام اليونان، فإن 12 دولة مشاركة هي دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي وست دول منها في منطقة اليورو. أما دول ألبانيا والجبل الأسود وصربيا ومقدونيا الشمالية، فهي مرشحة للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، كما أن البوسنة مرشح محتمل للحصول على عضوية التكتل الأوروبي.
وكانت الصين قد أطلقت مبادرة «16 زائد 1» في عام 2012 في قمة عقدت في وارسو في مطاق رؤية لدى سلطات بكين لفتح أسواق دول وسط وشرق أوروبا أمام مصالح قطاع الأعمال الصينية
وتنظر دول غرب أوروبا بقلق إلى لقاء أمس، إذ إنها تخشى أن تكون الصين تحاول تقسيم الاتحاد الأمر الذي ينفيه لي كه تشيانغ.
وفي مقالة نشرتها الصحف الكرواتية قبل اللقاء، وصف رئيس الحكومة الصينية هذه القمة بعبارات حماسية، حيث كتب «عندما نجمع 17 دولة من جميع الألوان، نحصل على شيء أغنى من قوس قزح». وأضاف «عندما نبني جسر قوس قزح بين آسيا وأوروبا، سنتوصل إلى تعاون جميل في المستقبل».
جزء من طريق الحرير
وتُعدّ أوروبا الشرقية جزءاً أساسياً من المشروع الصيني «طرق الحرير الجديدة»، أو «مبادرة الحزام والطريق».
ويتضمّن هذا المشروع الضخم الذي أطلقته بكين عام 2013، استثمارات تبلغ قيمتها أكثر من ألف مليار دولار أمريكي، تشمل بُنى تحتية للطرق وسكك الحديد وأخرى بحرية للسماح بإيصال الصادرات الصينية.
وسبق أن أعلنت الصين عن خطّ اعتماد تبلغ قيمته 10 مليار دولار، وعن صندوق استثمارات بقيمة ثلاثة مليارات دولار لدول أوروبا الوسطى والشرقية الـ17 التي التقنت أمس في دوبروفنيك.
وحتى الآن، لا تزال النتيجة متباينة: بعض المشاريع الكبيرة يجري بناؤها، لكن تم إرجاء أو إلغاء استثمارات تم التعهد بتنفيذها.
فعلى سبيل المثال، لقد بدأ للتو في صربيا بناء أحد المشاريع الرمزية لـ»16+1» وهو سكة حديد بين بلغراد وبودابست، بعد خمسة أعوام من الإعلان عنه.
وتأتي قمة هذا العام بعد ثلاثة أيام فقط من لقاء مهمّ عقده رئيس الوزراء الصيني مع الاتحاد الأوروبي الذي يطالب بعلاقات تجارية أكثر توازناً مع العملاق الآسيوي، الذي بات يُصنّف كـ»منافس منهجي».
ويوم الثلاثاء الماضي، وعدت الصين بفتح اقتصادها أكثر في إعلان مشترك مع الاتحاد اعتبره الأوروبيون «تقدّماً سريعاً» رغم أنهم لا يزالون حذرين.
وفي وثيقة مؤلفة من سبع صفحات وقعها كل من لي كه تشيانغ، ورئيس البرلمان الأوروبي دونالد توسك، ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، تعهدت بروكسل وبكين بتشجيع تجارة «مبنية على قواعد» و»محاربة «الأحادية والحمائية».
وتشعر بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا وألمانيا، بقلق متزايد حيال مشروع «طرق الحرير الجديدة»، خصوصاً منذ أن أصبحت الحكومة الشعبوية الإيطالية أول عضو في مجموعة الدول السبع تنضمّ إلى المشروع.
وكانت الصين عام 2018 المستورد الأول من الاتحاد الأوروبي، وثاني وجهة للمنتجات الأوروبية المُصَدَّرة. والميزان التجاري مربح إلى حدّ كبير بالنسبة للصينيين الذي يجنون أكثر من 184 مليار يورو، حسب أرقام المفوضية.
وزار رئيس الوزراء الصيني أمس الأول موقعاً حيث بدأت شركة صينية بناء جسر بيلييشاس ذي القيمة الإستراتيجية على ساحل البحر الادرياتيكي والذي يكلف 280 مليون يورو على ساحل البحر الادرياتيكي.
وهذا المشروع مصمم لتفادي الخروج من كرواتيا والمرور في البوسنة للذهاب إلى شبه جزيرة بيلييشاس وخصوصاً دوبروفنيك. وانتقدت البوسنة في الماضي هذا المشروع الذي يثير خشيتها من أن يعرقل بناء هذا الجسر وصولها إلى البحر. وهذا أكبر مشروع صيني في كرواتيا وهو مموّل من الاتحاد الأوروبي.
وأكد لي كه تشيانغ أن «هذا الجسر هو مشروع تجريبي للتعاون بين 17 زائد 1، وكذلك للتعاون بين الصين والاتحاد الأوروبي في آن معاً».
وتثير استثمارات الصين في منطقة البلقان من قطاع الفحم إلى الجسور والطرق السريعة، قلق الاتحاد الأوروبي.
وكان الغرب يعتبر لفترة طويلة أنّ روسيا هي منافسته في هذه المنطقة الهشة والفقيرة في جنوب شرق أوروبا.
غير أنّ الصين لاعب جديد ووازن وهي عازمة على الاستثمار في هذه المنطقة الفقيرة جداً لتطوير بُنيتها التحتية الضعيفة ودعم صناعاتها المأزومة.
صحيح ان استثمارات الاتحاد الأوروبي المباشرة في صربيا والبوسنة ومونتينيغرو وشمال مقدونيا وألبانيا وكوسوفو تشكل سبعين في المئة من الاستثمارات الأجنبية، وهو رقم أكبر بكثير من نسبة واحد في المئة من الاستثمارات الصينية حسب معطيات المفوضية الأوروبية للفترة بين 2007 و2016. لكن منذ ستة أعوام، يبدو الصينيون نشيطين، خصوصا من خلال قروض بفوائد مخفضة سمحت لهم بمنافسة الاتحاد الأوروبي.
قصة نجاح
تحتضن مدينة سميديريفو في شرق بلغراد أكبر مصنع فولاذ في صربيا، وقد اشتراه الصينيون.
يقول العامل زوران ماتيتش ً ان الصينيين أصدقاء لبلاده، ويبدي امتنانه لمجموعة «اتش.بي.آي.إس» الصينية التي أنقذت المعمل، الذي يعمل فيه مع خمسة آلاف شخص آخرين، من الإفلاس عبر إنفاق 46 مليون يورو.
ويشرح زميله نوفيتشا ديوردفيتش أثناء وقوفه تحت علم الصين المرفوع عند الباب الرئيس للموقع، أنّ «الأجور تُدفع بشكل منتظم. لقد أستفاقت المدينة».
وقبل عامين من وصول الصينيين، انسحبت الشركة الأمريكية «يو.إس.ستيل» وباعت الموقع وديونه بسعر رمزي إلى الحكومة الصربية.
وأمس، أعلن متحدث باسم الشركة أنها تنمو وأن عائداتها ارتفعت بنسبة 37 في المئة.
ودفعت «قصة النجاح» هذه الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش إلى إقناع الصينيين عام 2018 بالاستثمار في منجم للنحاس في بور بجنوب البلاد. وبات يدفعهم نحو الاستثمار في التكنولوجيا المتقدمة ويحلم بتحوّل بلده إلى مركز لتطوير «سيارات طائرة».
وتشكل منطقة البلقان باب دخول إلى جنوب أوروبا. وهي جزء مهم من «طرق الحرير الجديدة» التي تبتغي الصين تشييدها لتطوير صادراتها.
لكن المفوض الأوروبي لتوسيع الاتحاد يوهانس هان يعبرس عن «القلق من الآثار الاقتصادية-الاجتماعية والمالية التي يمكن أن تترتب عن الاستثمارات الصينية» في هذه المنطقة الفقيرة.
وفي مقابلة مع هذا المسؤول الأوروبي أشار إلى مونتينيغرو الصغيرة، حيث تضخم دَينها العام حتى وصل إلى سبعين في المئة من إجمالي الناتج المحلي بعدما حصلت الدولة على قرض بأكثر من 800 مليون يورو من أحد المصارف الصينية بغية فتح طريق سريع في جبالها.
وهو وبذلك يُلَوِّح بشبح «دبلوماسية الديون»، ويقول «أن هذه الاستثمارات الصينية ترافقها غالباً روابط، مما يضع هدف تحسين الاستقرار والتنمية الاقتصادية للبلقان» في خطر.
برغم ذلك، يشرح مات فرشن، المتخصص في الشؤون الصينية في «مركز كارنيغي-تسينغوا» للسياسات العالمية ان دول البلقان العاجزة مالياً، لا باب أمامها نحو الأسواق المالية الأوروبية، وهذا يمكن أن يعرض للخطر هدف «تحسين الاستقرار والتنمية الاقتصادية في البلقان». ويضيف ان دول البلقان المفلسة ولا تستطيع الوصول إلى أسواق المال الأوروبية, وبالتالي فإنها «ليست في موقع يسمح لها برفض المال».
وما يزيد من أهمية الأمر أن هذه الأموال تأتي بلا التزامات في مجال مكافحة الفساد، إحدى أولويات الاتحاد الأوروبي في المنطقة.
يذكر أنه بين 2007 و2017، أعلنت الصين عن قروض بقيمة 12 مليار يورو لمشاريع إنشائية في هذه الدول، ثلثها لصربيا وحدها. وتأتي البوسنة في المركز الثاني (21%) ثم مونتينيغرو، حسب «البنك الأوروبي للاستثمار».
وتُعدُّ الصين لاعباً نشطاً في مجال مصانع الفحم الحيوية لإنتاج الكهرباء في البلقان، بينما يسعى الاتحاد الأوروبي إلى اقناع الحكومات بالابتعاد عن هذه الصناعة المُلَوِّثة.
ولم يثنِ هذا الأمر نواب البوسنة عن تقديم ضمانات حكومية بنسبة 100% لقرض من مصرف صيني يبلغ 614 مليون يورو لتحديث مصنع للفحم في توزلا.
وبدأت السلطات الأوروبية إجراءات بذريعة أن ضمانات الدولة البوسنية تنتهك القوانين الأوروبية في هذا المجال. بيد أنّ رئيس الوزراء فاضل نوفاليتش يصف هذا القرض الصيني بأنّه «حدث تاريخي للبوسنة»، ويضيف «لم نعرف استثماراً مماثلاً منذ أربعين عاماً».
القدس العربي