استخدام الرئيس الأميركي للفيتو ضدّ رفع الدعم عن تحالف دعم الشرعية في اليمن بقدر ما يمثّل التزاما من واشنطن إزاء حلفائها الخليجيين وقضاياهم الأمنية، فهو يمثّل أيضا مصلحة حيوية للولايات المتحدة التي تظلّ معنية بمنع سقوط اليمن بيد إيران مثلما كانت طوال السنوات الماضية معنية بمنع سقوط مناطقه بيد تنظيم القاعدة.
واشنطن – عكس استخدام الرئيس الأميركي دونالد ترامب لحق النقض الفيتو ضد قرار للكونغرس يطالبه بوقف الدعم لتحالف دعم الشرعية في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية، مواصلة إدارته التزامها بأمن حلفائها الخليجيين المتأثرين بشكل مباشر بالأحداث اليمنية والفاعلين فيها أيضا، لكنّه عكس بالقدر نفسه مدى إصرار تلك الإدارة على الانخراط في مواجهة إيران على الساحة اليمنية كساحة رئيسية لتلك المواجهة متعدّدة المظاهر والساحات، وعلى اعتبار أنّ الحرب التي فجّرها المتمرّدون الحوثيون في اليمن قبل نحو خمس سنوات ونصف السنة، ولا تزال مشتعلة إلى الآن، ليست سوى حرب إيرانية بالوكالة.
وهذه هي المرة الثانية التي يلجأ فيها ترامب إلى هذه الصلاحية منذ تسلمه مهامه رئيسا للولايات المتّحدة، ما يعكس وجود مصلحة حيوية أميركية في مواصلة دعم المجهود الحربي ضدّ الحوثيين ومنع سقوط اليمن ذي الموقع الاستراتيجي الحيوي بيد إيران، تماما مثلما انخرطت الولايات المتحدة طيلة العشرين سنة الماضية في جهود منع سقوط مناطق من البلاد بيد تنظيم القاعدة ما سيشكّل خطرا على الملاحة في ممرّ بحري بالغ الحيوية للتجارة العالمية ومن ضمنها تجارة النفط الذي تعبر كل يوم كميات كبيرة منه مضيق باب المندب قادمة من حقول الإنتاج في بلدان الخليج ومتّجهة صوب الأسواق العالمية.
ولم ينفصل قرار الكونغرس بشأن الحرب في اليمن عن التجاذبات السياسية الداخلية في الولايات المتّحدة بين رئيس ذي نزعة سلطوية واندفاعية غير مسبوقة ومشرّعين ساعين لوقف اندفاعه وسعيه لفرض توجّهاته في كلّ القضايا والملفّات وفاء بالوعود التي كان قطعها على نفسه خلال حملته الانتخابية التي أوصلته إلى سدّة الرئاسة. وقد مثّل قرار الكونغرس تقريعا لترامب من قبل الديمقراطيين والجمهوريين على حدّ السواء وخطوة تاريخية تنتقص من صلاحيات الرئيس في اتخاذ قرارات الحرب، وهو ما رفضه ترامب في البيان الذي أعلن فيه عن استخدام الفيتو.
وقال الرئيس الأميركي في بيانه إنّ “هذا القرار يشكل محاولة غير ضرورية وخطيرة لإضعاف سلطاتي الدستورية، ويعرّض حياة المواطنين الأميركيين والجنود الشجعان للخطر سواء اليوم أو في المستقبل”.
وهذا الفيتو هو الثاني في فترة رئاسة ترامب، اذ سبق أن نقض قرارا للكونغرس يهدف إلى إلغاء حالة الطوارئ الوطنية التي أعلنها من أجل تأمين المزيد من التمويل للجدار الذي يريد أن يبنيه بين الولايات المتحدة والمكسيك.
وشدد ترامب على أن الدعم الأميركي للتحالف في اليمن ضروري لأسباب عدة أولها وأهمها “حماية أمن أكثر من 80 ألف أميركي يعيشون في بعض دول التحالف التي كانت عرضة لهجمات الحوثيين من اليمن”.
رسالة للحوثيين بوجوب الاختيار بين الانصياع لجهود السلام أو مواجهة حسم عسكري مدعوم من القوة الأولى في العالم
وقال أيضا إن قرار الكونغرس “يؤذي السياسة الخارجية للولايات المتحدة وعلاقاتنا الثنائية”، معتبرا أنّ القرار “يؤثر سلبا على جهودنا المستمرة لمنع الإصابات بين المدنيين، ومنع انتشار التنظيمات الإرهابية مثل القاعدة في شبه جزيرة العرب وتنظيم الدولة الإسلامية، ويشجع نشاطات إيران الخبيثة في اليمن”.
والقرار الذي أقره مجلس النواب في وقت سابق هذا الشهر ومجلس الشيوخ في مارس الماضي يعد تاريخيا، إذ أنها المرة الأولى التي يصل فيها إلى مكتب الرئيس قرار يستند إلى قانون “قوى الحرب” لعام 1973 الذي يمنح الكونغرس حق سحب القوات العسكرية إذا لم يكن نشرها قد تم بتفويض منه.
ويقول الديمقراطيون إن الانخراط في النزاع اليمني من خلال المعلومات الاستخبارية والدعم اللوجستي وبيع الأسلحة وتزويد الطائرات بالوقود في الجو، الذي تم وقفه سابقا، هو عمل غير دستوري من دون موافقة الكونغرس.
وقوبل فيتو الرئيس الأميركي ضدّ قرار الكونغرس بارتياح لدى دول التحالف العربي لاسيما السعودية والإمارات اللتان تقودان جهود التصدّي لوكلاء إيران في اليمن، وتوجّهان جزءا من الجهد الحربي لمواجهة تنظيم القاعدة في عدد من مناطق جنوب وشرق البلاد، فضلا عن جهود إنسانية وإغاثية كبيرة تقومان بها للتخفيف من وطأة ظروف الحرب على اليمنيين.
واعتبر أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، الأربعاء، في تغريدة له على تويتر تأكيد ترامب على دعم التحالف العربي في اليمن “إشارة إيجابية” على موقف الولايات المتحدة تجاه حلفائها. وقال قرقاش إنّ “المصالح الاستراتيجية المشتركة تُخدم على أفضل وجه من خلال هذا الالتزام الواضح”.
كما أشار في تغريدة ثانية إلى “أنّ التحالف يواصل العمل دون انقطاع لدعم السلام عبر اتفاق ستوكهولم بقيادة الأمم المتحدة”، وأن “التزامه بالأبعاد الإنسانية والسياسية تجاه أزمة اليمن لا يتزعزع”. ووصف قرار الرئيس الأميركي بالمهم وبأنّه يأتي في الوقت المناسب.
وعلى الطرف المقابل، انعكس فيتو ترامب خيبة أمل لدى جماعة الحوثي عكستها تعليقات قيادتها على الموضوع.
وحاول محمد البخيتي القيادي في الجماعة التقليل من قيمة قرار أعضاء الكونغرس، قائلا إنّهم كانوا على دراية بأن الرئيس دونالد ترامب سيستخدم حق النقض ضدّه.
ووصف البخيتي في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية قرار الكونغرس بأنّه عبارة عن “تبادل للأدوار بين صناع القرار الأميركيين، ولولا أنّ المشرّعين كانوا مطمئنين لفيتو ترامب لما حصل القرار على موافقة الغالبية”. واعتبر أنّ الهدف من قرار الكونغرس هو “تحسين صورة أميركا”.
ويضع قرار البيت الأبيض مواصلة الدعم للتحالف العربي في اليمن المزيد من الضغوط السياسية على الحوثيين المتهمين محلّيا وإقليميا ودوليا بتعطيل جهود السلام الأممية بعدم انصياعهم لتنفيذ بنود اتفاق السويد بشأن مدينة الحديدة.
ومن هذه الزاوية فإنّ الفيتو الرئاسي الأميركي يتضمّن أيضا رسالة سياسية للحوثيين بأنّه يتعيّن عليهم الاختيار سريعا بين فكّ ارتباطهم بالأجندة الإيرانية والاستجابة لجهود السلام، أو مواجهة حسم عسكري مدعوم من قبل القوّة الأولى في العالم.
العرب